عنوان هذه الكلمة شطرٌ من بيت مطلعه ( خلت البلاد فسدت غير مُسَوّدِ..) وصاحب البيت شاعر منصف عرف قدر نفسه ، وأدرك أن انفراده بالسيادة بلاء. ذلك لأنه دليل على خلو زمانه وبلاده من النبهاء العقلاء الذين يعتد بهم ، ويرجع إليهم الناس ملتمسين منهم سداد الرأي ومواقف الحكمة. ومن العجب أن ما عده الشاعر-في هذا البيت المحفوظ- بلاءً أصبح عند كثير من الناس فضيلة يسارعون إليها ، وينتهكون في سبيلها كل مقدس ، ودونك مسالك القيادات من الجبارة والطواغيت الذين يسيطر عليهم هاجس التفرد بالسؤدد ، فيقربون الضعفاء ، وأصحاب القدرات المتواضعة ، ويتبرمون -في مقابل ذلك- من المخالفين لهم في الرأي تبرما يصل إلى حد الإساءة أوالتشريد أو القتل( وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنّا فوقهم قاهرون ) وما كان لفرعون أن يفعل كل هذه الجرائم لولا أنه وجد أمة قابلة لأن تشيع فيها ثقافة الاستعباد والذل ، ترضى لنفسها أن تتحول إلى قطيع من الماشية يقاد بلا عقل إلى حيث يريد السادة. إن تفرد الناقصين بالسيادة بلاء يؤذن بخراب العالم ، ونهاية الدنيا ، وفي الحديث الصحيح (إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) وأخبرنا عليه الصلاة والسلم أن من علامات يوم القيامة أن ينطق الرويبضة وهو الرجل التافه يتحدث في أمر العامة ، وما أكثر الرويبضات الذين تصدروا أمر الناس في زماننا هذا، ورحم الله شاعر الأقصى يوسف العظم الذي صورهم بقوله : وحادي الركب بوم أو غراب...وقد قاد الجموع أبو رغاله يرمرم من فتات الكفر قوتا .....ويلعق من كؤوسهم الثمالة يُقّبل راحة الطاغوت حينا ...........ويلثم دونما خجل نعاله لقد ذاق عالمنا المعاصر من بلاء الإنفراد بالقوة أضعاف ما ذاقته شعوب العالم من قبل، فهذه أمريكا التي وجدت نفسها في مقام المتفرد بالسؤدد فانطلقت مشحونة بجنون العظمة ، وغرور الطغيان تمارس ما لم تمارسه قوى الاستعمار الآفلة من نهب للثروات ، وقهر للشعوب ، وتسلط على الخلق. وماذا ينتظر الناس من رعاع بلا حضارة ولا تاريخ أن يفعلوا إذا خلا لهم الجو وآلت إليهم مقاليد الأمور بل ظنوا أنهم يمارسون جرائمهم بحق إلهي. إن البلاء الذي يصيب الأمم والأفراد من المتفردين بالأمر في غيبة العقل وفشو الضلال بلاء عظيم لا منجا منه إلا إذا عاد الناس إلى حمى الدين ، ولاذوا بمبادئه الرفيعة التي تحرر الإنسان من العبودية لغير الله ، وتحترم كرامته وحريته، وتجعل منه إنسانا عزيزا يرفض الضيم ، ويستعيذ بالله من أن يظلم أو يظلم أو يجهل أو يجهل عليه.فمتى نوجد -نحن المسلمين-المؤسسات والأجهزة التي ترعى هذه المعاني وتنتصر لها بلا مجاملة أو تقاعس؟ بقلم الأستاذ الحبر يوسف نورالدائم