كثيرين منا تفتحت أعينهم وآذانهم وعقولهم على كثير من الثقافة المصرية من خلال صحفها ومجلاتها وأفلامها السينمائية وإذاعاتها العديدة، ومناهجها التعليمية وثقلها الحضاري من خلال التعامل مع أبنائها هنا في داخل السودان أو خارجه.. لأن الكثيرين منا كانوا مثلما أشرنا فقد رسخت في عقولهم عبارة كان يرددها جمهور السينما المصرية (أبيض وأسود) أو الأفلام الملونة لاحقاً عندما لا يعجبهم الفيلم المعروض، فكانوا يشعلون قاعات دور السينما بهتافات احتجاجية تقول :(سيما أوانطة.. هاتوا فلوسنا) وكلمة (أوانطة) تعني (أي كلام) أو (إستهبال) لذلك جاءت منها كلمة (أونطجي) للشخص غير الجاد أو الغشاش. هذه المقدمة جاءت للتعليق على الخبر الذي نشرته (آخر لحظة) أمس وجعلت منه خبراً رئيسياً على صدر صفحتها الأولى تحت عنوان (إنهاء مهمة المقررين السبعة لحقوق الإنسان في السودان) ثم جاء خط ثانٍ يشرح ما سبق كما يلي :- (تمديد مهمة سيما سمر لمدة عام. قرار توافقي بجنيف لإنهاء مهمة المقررين السبعة في السودان). إذن وبعد أن توصلت المجموعتان الأوربية والإفريقية بمجلس حقوق الإنسان إلى ذلك القرار وتمديد مهمة مفوضة حقوق الإنسان (سيما سمر) لمدة عام على أن تقدم تقريرها للمجلس في سبتمبر القادم.. يحق لنا أن نتساءل عن مصداقية تقارير السيدة (سيما سمر) السابقة التي عملت على إدانة السودان بأى شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور، وتلطيخ صفحاته في سجل حقوق الإنسان بحبر أسود من النوايا السيئة.. وأن نتساءل عن الأسباب إلى أدت إلى تغيير المواقف السابقة..! لابد لنا من أن نصطف أمام شاشات عرض حقوق الإنسان الزائفة لنصفق ونردد هتاف جمهور السينما المصرية الخالد أمام الأفلام الرديئة الصناعة والتمثيل والاخراج لنقول بصوت يسمعه كل العالم (سيما أوانطة)! لقد فشلت (سيما سمر) في امتحانات إدانة السودان، وتغيّرت لهجتها وموقفها وتقاريرها.. لكن لماذا؟ علينا بداية أن نشيد بالجهد الرسمي المبذول من أجل تصحيح وضع الصورة المقلوبة لحقوق الإنسان في بلادنا.. وهذا يتطلب أن نكتب عن الجهود الجبارة التي بذلتها وزارة العدل ومولانا محمد علي المرضي وطاقمه الفني من أجل تنقية سجل حقوق الإنسان في السودان من الشوائب التي حاولت (سيما) ومن لف لفها أن يلطخوا بها ذلك السجل..! لا ندعي أن حقوق الانسان في السودان مصونة ومحفوظة بالقدر المطلوب او المنشود، لكنها افضل بكثير مما هو الحال عليه في كثير من الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية، وتقوم برمي المشتبه بهم داخل غيابات السجون في أوربا أو غوانتنامو.. لا ندعي أن حكومة السودان مبرأة من كل عيب وأنها قدوة أو نموذج يرضى عنه الناس أجمعون، لكننا في السودان أفضل كثيراً من غيرنا ، سواء على المحيط الاقليمي أو العالمي.. ونشير أيضاً إلى أن الكثير من الإنتهاكات التي تحدث لحقوق الإنسان في السودان بسبب الحروب أو الظروف الأمنية تسهم في خلقها تدخلات الغرب بإشعال الفتن أو الحروب أو دعم حاملي السلاح، لأن عدم الاستقرار يقود إلى النزوح واللجوء إن نجا من الموت ناجٍ. لذلك نجد أنه لابد من الإشادة بموقف المجموعة الافريقية الصلب الذي أجهض فكرة الإدانة المهينة لبلادنا، ولابد لنا من الإشادة بسفير السودان في جنيف، وبسفير مصر الشقيقة الذي قاد المفاوضات مع المجموعة الافريقية ونجح في الحصول على الدعم الكامل من مجموعة المؤتمر الإسلامي.. ولابد من الإشادة بوفد السودان لاجتماعات مجلس حقوق الانسان المتمثل في مولانا عبد الدائم زمراوي وكيل وزارة العدل وحسبو محمد عبد الرحمن المفوض العام للعون الإنساني والدكتور عبد المنعم عثمان محمد طه مقرر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. لابد من إزجاء كلمات شكر قد لا تعبر حقيقة عن الجهد والبذل والعرق المسكوب من أجل هذا الموقف الجديد لمولانا محمد علي المرضي وزير العدل الذي قاد هذا العمل في صمت وأناة وصبر وقاد ما يمكن أن نسميه ب(دبلوماسية القانون).. والشكر لله من قبل.. ومن بعد.. المصدر: صحيفة الرؤية