وزير الداخلية يترأس لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنسانيتنا جوهر ثابت وواقع يتغير

لقد كان من الطبيعي أن يكون المؤمنون بوجود الخالق من أوائل المهتمين بهذه الأسئلة وأن يجيبوا عنها إجابات مبنية على تعاليم أديانهم. فيسرني لذلك أن يكون لي شرف المشاركة في هذه المناقشة المهمة، وأن أعطى الفرصة لأقدم ما أراه نظرة إسلامية أصيلة إلى هذه المسائل المهمة.
أنا مهتم هنا أساسا بمسألة الطبيعة. إذا كان ما نسميه طبيعة الشيء هو مجموع الخصال التي تكوّن هويته، فيلزم ضرورة أن يكون لكل شيء طبيعة. قد نختلف فيما إذا كانت بعض الخواص هي من مكونات طبيعة شيء ما، لكن لا يمكن أن نقول عن شيء نعرفه ونتعامل معه أن ليس له من طبيعة ألبتة، أو أن طبيعته في تغير مستمر. هذه قضية منطقية. وإذن فيجب أن لا يكون هنالك
خلاف في أن للبشر طبيعة محددة يكونون بمقتضاها بشرا. ويجب أن لا يكون هنالك خلاف في ثبات هذه الطبيعة واستمرارها، لأنها اذا تغيرت فان الشيء ذا الطبيعة الجديدة لا يكون إنسانا بل شيئا آخر غير البشر الذين عرفناهم وتعاملنا معهم. وعليه فإن السؤال ينبغي أن لا يكون عما إذا كانت للناس طبيعة، أو عما إذا كانت تلك الطبيعة ثابتة أم متغيرة، وإنما يكون عن الخصائص التي تتكون منها هذه الطبيعة.
إننا جميعا متفقون على أن لنا أجساما، وأن لهذه الأجساد طبيعة تقتضي حاجتها إلى أشياء معينة لبقائها. ونحن متفقون كذلك على أن لنا خصائص عقلية لا نكون بغيرها أناسا. إنّ كائنا لا يستطيع بطبيعته أن يفكر أو يريد أو يعلم؛ لا يمكن أن يكون إنسانا حتى لو كان له جسم مشابه لأجسام البشر، وحتى لو كانت له بعض الخصائص الإنسانية الأخرى. وعليه فإذا استطاعت الهندسة الجينية أن تنتج كائنات كهذه فإنها لا تكون قد غيرت الطبيعة البشرية، وإنما تكون قد أنتجت كائنات جديدة لا علاقة لها بنا. إذا افترضنا حدوث شيء كهذا، فإنه لن يكون إنهاءً لوجود الكائنات البشرية. إن البشر العاديين سيستمرون في الوجود وسيتوالدون بالطريقة الطبيعية التي مازالوا يتوالدون بها حتى الآن. السؤال سيكون إذن: هل من مصلحتنا نحن البشر العاديين أن نسمح لشيء كهذا أن يحدث؟
إن إجابة المؤمن بالله ستكون: كلاّ. لماذا؟ لأنه يعتقد أنه لا يمكن أن يستحدث كائن ذو طبيعة أفضل من طبيعة البشر أو حتى مساوية لها. هذا على كل حال ينبغي أن يكون موقف المسلم.
إن لبني آدم في حكم الإسلام خصائص كثيرة يفضلون بها سائر المخلوقات. لكن هذه الخصائص تختلف في أهميتها.
فلنبدأ بالخصائص التي يقول الإسلام إنها مشتركة بين كل المخلوقات، ثم نعرج على ذكر ما يميز الإنسان باعتباره مخلوقا خاصا.
كل المخلوقات مسلمة
المخلوقات جميعها تعبد الله تعالى، كلٌ بحسب طبيعته الخاصة. القرآن الكريم بيان لنوع هذه العبادة المشتركة بين المخلوقات:
الإسلام:
المخلوقات مسلمة لله بمعنى أنها تخضع وتستسلم له: (فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1).
التسبيح:
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (2)
السجود:
(َلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) (3)
القنوت:
(وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) (4)
إن البشر مخلوقات خاصة لكنهم لا يختلفون عن سائر المخلوقات في أن جوهرهم يتمثل في كونهم عبيد الله تعالى. بيد أن الله تعالى حباهم بخصائص تجعلهم أعلى درجة من سائر المخلوقات.
فأولا: إن أباهم آدم خلق بطريقة خاصة. فالله تعالى يخبرنا أنه سبحانه خلقه بيديه.
ثانيا: ويخبرنا أنه أمر ملائكته بأن تسجد له.
ثالثا: أنه تعالى خصّه من بين سائر الحيوانات بأن نفخ فيه روحا شرّفها الله بأن نسبها إلى نفسه.
رابعا: سخّر له كل ما في الأرض.
خامسا: جعله مخلوقا كريما:
( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (5)
سادسا: أعطاه علما لم يعطه الملائكة:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ).(6)
الجسم والروح
الجسم والروح كائنان مختلفان لكل منهما خصائص ووظائف غير خصائص الآخر ووظائفه، لكنهما متصلان ومتعاضدان من عدة وجوه.
أما اختلافهما فتدل عليه نصوص كثيرة منها:
أولا: أنه في خلق آدم كان النفخ بالروح في جسم قد سبق أن خلق.
) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ) (7).
ثانيا: يولد المولود كائنا حيا لكن بلا روح وإنما تنفخ فيه الروح بعد أربعين يوما.
ثالثا: عندما يموت الإنسان فإن روحه تفارق جسده.
رابعا: إذا سعد الإنسان بدخول الجنة فإنه يُمنح جسدا جديدا يتناسب مع نعيمها، وكذلك إذا شقي بدخول النار.
الروح الإنسانية
يقول الإسلام إن الإنسان يولد خيّراً، وخيريته هذه صفة لروحه، وهي تتمثل فيما يلي:
أ أنه يولد بقدرة طبيعية على أنه عبدالله، الخالق الأحد الذي يجب لذلك أن يعبد وحده. كل خواص الإنسان الخيرة الأخرى مرتبطة بهذا الخير الأساس. أعني خاصيات المعرفة والإرادة، وحسن الخلق والتدبير، والعقلانية والذوق الرفيع، وغيرها. إنها مرتبطة بها من حيث كونها تتقوى بها، ومن حيث كونها تسوغ بها، ومن حيث كونها قنوات تؤدي إليها. ولذلك فإنها تستعمل في القرآن الكريم معايير يبني عليها حججه في دعوة الناس إلى عبادة الله تعالى.
ب - أن الروح تخلق سالمة من العيوب.
ت - أن الإنسان يستطيع لذلك أن يميز بفطرته بين ما هو من مكارم الأخلاق وماهو من مساوئها.
( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَ) (8).
ث- كل ما في كتاب الله من الأوامر والنواهي له أصل في هذه الفطرة. ولذلك فإن الدين الحق الذي جاء به الأنبياء يسمى دين الفطرة:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(9).
ولذلك فإن الأوامر والنواهي الإلهية تسوغ بكونها موافقة لهذه الفطرة. فالخمر والميسر منهي عنهما لأن الشيطان عدو الإنسان الأول يستغلهما لإيقاع العدواة والبغضاء بين عباد الله الذين تقتضي فطرتهم الخيرة أن يكونوا إخوة متحابين، وليصدهم عن الصلاة التي هي عماد فطرتهم وغذاؤها. والقصاص يسوغ بكونه يحفظ الحياة، وحق أقرباء المقتول في العفو أو أخذ الدية أدعى لحفظ الحياة. والصلاة مأمور بها لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن ما فيها من ذكر الله يمنح القلوب اطمئنانا وسلامة.
ج - لكن الله تعالى منح الإنسان إرادة يخير بها بين أن تكون حياته الواقعية تعبيرا عن حقيقته الإنسانية الفطرية الخيرة، أو خروجا عليها واختيارا لحياة غريبة عنها.
إن الله تعالى يرضى لهم أن يختاروا حياة الفطرة المتمثلة في عبادته ويعينهم بوسائل شتى ليكون هذا خيارهم:
1- فهو لا يخلقهم محايدين بين هذين الخيارين، بل يجعل هذا هو الخيار الطبيعي الذي تميل إليه فطرتهم، والذي يجعلهم لذلك يعيشون في سلام مع أنفسهم.
2- ويجعل مخلوقاته كلها آيات (علامات ودلائل) على وجوده سبحانه وعلى صفاته الحسنى، ويجعل فيها أدلة على صدق من يرسل من رسله، وصدق الرسالات التي يأتون بها.
3- يجعل الإيمان بالله العقيدة الوحيدة التي تتوافق مع كل ما فطر عليه الإنسان من صفات الكمال: العقل، ومكارم الأخلاق، والعدل، والرحمة، والحكمة وغيرها.
4- يرسل لهم رسلا يبينون لهم تفاصيل الحياة التي تلائم تلك الفطرة، ويعطيهم أدلة على ذلك، ويزودهم بحجج تبين زيف حياة الاغتراب عن الفطرة، وعن الخالق سبحانه.
5- وإذا ما اختاروا الخيار الخطأ، فإن فطرتهم الجوهرية لا تتغير مهما كانت حياتهم الواقعية ضالة منحرفة. وعليه فإنهم مهما بعدوا في حياتهم الواقعية عن إنسانيتهم الجوهرية فإنهم يستطيعون الرجوع إليها في أي وقت يختارون ما داموا على قيد الحياة. وإذا ما عادوا وآبوا فسيجدون ربا يحب التوابين.
يبدو من هذا أنه لا شيء خارجي يستطيع أن يغير الروح الإنسانية أو يفسدها ويحرمها من خواصها الحسنة كلها أو بعضها (لا تبديل لخلق الله)، بل الإنسان وحده لا مخلوق غيره هو الذي يستطيع باختياره أن يفسد نفسه.
الجسم البشري
قلنا إن طبيعة الروح تختلف عن طبيعة الجسم، لكن الروح بحاجة إلى جسم لتجعل حياة الإنسان الواقعية تعبيرا عن إنسانيته الروحية. لكن الجسم الذي تحتاج إليه ليؤدي هذه الوظيفة ليس أي جسم كان، وإنما هو جسم خاص مصمم ليتناسب مع هذه المهمة.
1 إن جسم الإنسان يشبه إلى حد كبير أجسام سائر الحيوانات لكنه أحسنها تقويما كما يخبرنا القرآن الكريم.
2- ولأنه جسم خاص فإنه يجب أن يعامل باحترام حتى عندما يصير ميتا. فالرسول (ص) يخبرنا ان قطع جزء من إنسان كقطعة من جسم إنسان حي.
3- عندما يموت الإنسان ويصبح جسما بلا روح، فإن هذا الجسم الميت يجب أن يغسل وينقى، ويلف في ثوب نظيف، ثم يجب أن يدفن. والمؤمنون مأمورون بأن يقفوا للجنازة إذا مرت بهم.
4- يحرم التمثيل بالاجسام البشرية حتى في حالة الحرب.
5- ولأن الروح تستعمل الجسم فإن كثيرا من أعمالها تنسب إلى أجزاء منه ولا سيما القلب، لكن اللغة المستعملة للتعبير عن هذه النسبة تجعلنا نقطع بأن المقصود ليس هو الجسم الحسي.
6- الناس مأمورون بأن لا يحطّوا من أقدارهم البشرية بأن يتصرفوا تصرف الحيوانات ولا سيما في أدائهم للعبادة، فنحن مأمورون بأن نغض من أصواتنا ولا نجعلها منكرة كأصوات الحمير. رأى النبي (ص) رجلا يقود آخر بحبل، فقطع الحبل وأمره أن يقوده بيده. وهو يأمرنا بأن لا نتشبه بأي حيوان في أدائنا لحركات الصلاة، فلا نهوي إلى الأرض هوي البعير، ولا يكون سجودنا كنقر الغراب، ولا يكون جلوسنا كجلسة الكلاب. بل نحن مأمورون بأن لا نلبس جلود الوحوش حتى لا نشبهها.
ليس المقصود من هذا ازدراء الحيوان وإنما المقصود منه أن يتصرف الإنسان التصرف اللائق به المناسب مع فطرته الإنسانية، لأن الإنسان مأمور مع هذا أن يعامل الحيوانات معاملة حسنة ويرحمها، فالرسول (ص) يخبرنا عن امرأة بغي أدخلها الله الجنة لأنها نزلت بئرا وحملت منها ماء في خفها لتسقي كلبا كاد يموت ظمأ. ويخبرنا في المقابل بامرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض. ونحن مأمورون بأن لا نمثل بأجساد الحيوانات، ولا أن نسمها ولا سيما في وجوهها، وقد رأى (ص) حمارا على وجهه وسم فلعن من وسمه.
الهندسة الجينية
في الإسلام موجهات عامة تهدينا إلى الطريقة التي نتعامل بها مع مخلوقات الله تعالى، والتي تصلح لذلك أن تكون هادية لنا في الموقف الذي نتخذه من قضية الهندسة الجينية. من هذه الموجهات:
أ. أن الله تعالى أحسن كل شيء خلقه.
ب. أن المخلوقات مسخرة للإنسان.
ت. وعليه فإن هذا الخلق يجب أن لا يغير.
ث. هنالك علاقات وروابط ليس بين مكونات المخلوق الواحد وأجزائه وإنما بين المخلوقات كلها.
ج. التجربة تشهد بأن مثل هذه التغييرات لا ينتج عنها إلا الضرر.
قد تقول إنه لا مفر لنا من أن نحرث الأرض، ونبذر الحب، ونذبح الحيوان، ونحفر الآبار ونشق القنوات. أجل إننا نفعل هذا كله لكن فعلنا له هو تصرف في إطار النظام الطبيعي لا خروجا عليه. إننا نفعل الشيء نفسه عندما نصلح شيئا قد فسد. إننا نبحث عن أدواء لأمراضنا وأمراض حيواناتنا. وقد نحتاج حتى لبتر أجزاء من أجسامنا. هذا لأن إتقان الخلق لا يعني أن له كمالا ككمال خالقه.
فالجينات يجب أن تعامل بالطريقة نفسها. لا ضرر من أن يبدل بجين قد فسد جينا صالحا. إن الهندسة الوراثية ينبغي أن لا تهدف إلى تحسين خلق الله
لأنها إن غيرته فلا محالة تفسده. لهذا فإن الهندسة الوراثية يجب لا أن يلجأ إليها إلا لأغراض علاجية.
أما استنساخ البشر فلا أرى له مسوغا. إن الطريقة الطبيعية المعهودة التي يأتي بها الإنسان الى الوجود طريقة ذات ارتباط وثيق بالطبيعة؛ إن لها ارتباطا بالشهوة الجنسية، وعلاقة بتقارب الأجسام، نموا في رحم لامرأة طبيعية، حب، رضاعة، إخوة وأخوات. لكن الكائن المستنسخ يفقد كثيرا من هذه الصفات والعلاقات. فأي كائن سيكون؟ وما الحاجة إليه؟ أليس من الغريب أنه في الوقت الذي يسعى الناس فيه للحد من الإنجاب الطبيعي، يسعون لانجاب كائنات أقل ما يقال عنها إنها تفقد كثيرا من الخصائص البشرية؟
الهوامش:
1 - آل عمران/ 83.
2- الحشر/ 1.
3- الحج/ 18.
4- الروم/ 26.
5- الاسراء/ 70.
6- البقرة/ 31-32-33.
7- الحجر/ 28.
8- الشمس/ 7.
9- الروم/ 30.
أ.د. جعفر شيخ إدريس
لقد كان من حسنات التطورات التي حدثت في علم الجينات أن أثارت اهتمام العلماء، بل وسائرنا، في قضايا أصولية تتعلق بحياتنا؟ ما جوهر إنسانيتنا؟ هل لنا من طبيعة ثابتة هي التي بمقتضاها نكون بشرا؟ أم أن طبيعتنا لوح فارغ تكتب عليها الثقافة والبيئة والهندسة الوراثية ما تريد؟ هل لنا من روح؟ وإن كانت لنا فما الفرق بينها وبين جلودنا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.