بقلم/ أحمد المجذوب محمد حاج الماحي. كم هو بسيط ذلك الانسان وطلق وتلقائي، واذا عرفته من قرب عرفت ان تلك البساطة والطلاقة و التلقائية ناتجة من انه و اقف عند مبادئ الفطرة والانسانية الواضحة و لا يتزحزح عنها و ان ابوابه مفتوحة امام من يحترم تلك المبادئ و موصدة في وجه من يرفضها و لا يعرف مواربة الابواب . كم هو فرح هذا الوجه الذي التقيتة عام 1974 و نحن نتلمس خطانا في اروقة كلية القانون بجامعة الخرطوم في حذر نحاول ان نفهم حياة الجامعة ولغة المحاضر و تقسيمات المكتبة و محتويات المراجع الضخمة و المصطلحات اللاتنية و اشياء كثيرة اخرى كلها في آنٍ معاً. نتلفت يمينا وشمالا مُلوَّعين بكل أزمات البرلم و تاتي تعليقات طه على كل موقف ساخرة ضاحكة تحيل كل ازمة الى نكتة. ما كنت أحسبك ستحزن يوما... لكن حدثان الزمان بعد ذلك احزاننا جميعا.. وشيئا فشيئا سلكنا الطريق ...عرفنا سيادة حكم القانون و مبادئ الشرعية و الحقوق الدستورية و استبان لنا انه لا سبيل لإعطاءها أهلها الا بالفصل بين السلطات و استقلال القضاء و الى غيرها من مبادئ سامية . ووجدنا ان المحاضر ولو كان اجنبيا قادما من وراء المحيط ،فالدكتور ساليكيوس انما كان ببصرنا بما انطوينا عليه و ما هو بين جنبينا و ما فطر علية الموطئين اكنافا من اهلنا في الشرق والشمال والجنوب، لم ياتنا بجديد ولكن كشف لنا عن تطبيقات تلك المباديء في الحياة وما يستجد منها. وعشقت يا طه سيادة حكم القانون و استقلال القضاء و كل منظومة المبادئ الاساسية فاصبحت جزء عزيزا منك. كنا نظن ان قادم السنين لابد و سيشرق على سيادة حكم القانون و مبادئ الشرعية ورسوخ الحقوق الدستورية التي عرفنا، لكن يبدو اننا لم نكن نعرف حومات الايام ودوران رحاها. عجيب ذلك الزمان الحبيب، عندما نخرج الى النشاط لنشرب نصف كوب شاي و نحن في سرب من الاصيحاب فيه أليو أكيشاك جوك ، يخبرنا ان لفظة خرطوم اصلها من لغة الدينكا ،و دينق تيل أيور وهو دائم الشكوى من تعابير مادة الأحوال الشخصية اما محمود فلا يتوقف عن عن إرسال المُلَح والطرائف ،و في السرب آخرون ممتعون .فيذوب الجميع في ذلك السامر السعيد و ياخذون منه هوياتهم كأبناء من ظهور وبطون هذة الأمة يحلمون بغدٍ هانئ وشمس مشرقة تخْضَرُّ تحت شعاعها الآمال. تذكرت ذلك يا طه بعد اكثر من ثلاثين عاما وانت بالسعودية وانا بالامارات و أليو أكيشاك مات في الحرب ودينق تيل أيور بات في دولة أخرى و محمود يحزم حقائبه عائدا الى ليبيا و الآخرون اغلبهم في عواصم واصقاع قصية . ماذا يسمى هذا ؟ ونختلس آنذاك من وقت المذاكرة العصيب لحيظات ننثر فيها كنانة الطرب ووجدنا اننا مسكونون بحب (واشوقي عليك يااحمد عظيم الشان قنديل المدينة الهاشمي العدنان)،صلى الله عليك وسلم ياسيدي يا رسول الله يامن كنت صبورا متداوم الاحزان، . و(مكنوس حرمك اب شباك .. يا النبي يا حبيب مولاك) ونقرات الدقلاشي الرشيقة . وسرحنا مع شيخنا ود المتعارض: شي لله ياحسن يا سلطان الزمن سيدي عبدكم راجيا فضلكم كلُّه عندكم. فكنت طروبا ذواقةً. وكان حديقتنا خليل فرح، واصطلينا معه على نيران عازة في هواك عازة ما نسيت جنة بلال وملعب الشباب تحت الظلال ونحن كالزهور فوق التلال تشابى للنجوم وانا ضافر الهلال و الخليل ذو اصل نوبي من جزيرة صاي واكتشفنا انه يبدأ عازة بموسيقى مارش مندي ،ومندي فتاة من جبال النوبة سجلها التاريخ .وذهلنا للخليل وعبقريتة في قنص المعاني العظيمة والتعبير عنها من خلال لعبة الطفولة (عروس وعريس) وفرحنا بعازة التي تسكن شراييننا وتمشي بشموخ في جزائر السودان وجباله وبواديه وغاباته ويضرب جذرها في التاريخ لثمانية الاف عام قبل الميلاد على الاقل ،اما طموحها فيطاول الهلال والنجوم علوا ، لكن حتى رحيلك المفجع ما زالت أشواق عازة تراوح مكانها، و ما زال النخيل في توتي ماد الشاحدة – وشمبات لسّه في خيرها ونعيما وجاحدة. رحم الله الخليل ورحمك الله اخي طه ، فقد كنت تنتقي من الأشياء أجملها. ثم بارحت مرحلة الدراسة ولست استثناء من جيل الهبت خياله نفثات الخليل وعزمات صه يا كنار ، واخذه شموخ عازة فانطلق في باحة العمل مخلصا متجردا لخدمة امته (شديد الخنزوانة لا يبالي ... أصاب اذا تنمّر ام أصيبا) ولان الناس لا تصدق ان يكون هناك من هو صادق في عمله ومتجرد فذلك كالغول والعنقاء والخل الوفي، فتصبح الحصيلة ان اعداء الاستقامة يكونون اكثر من اعداء الإعوجاج. وتظل يا طه على مر السنين عند مبادئك لا تحيد ، وعند وضوحك الذي لا يخالطه الغموض ، وعند طبيعتك الساخرة من الدنيا لا تغيرها الأيام ،باق على اخوة مع اصدقائك فوارة لا يلحقها فتور. ويبقى رحيلك فاجعة حركت الحشود التي هُرعت عند نعيك داخل السودان وخارجه. انزل الله عليك شآبيب رحمته وجعل الفردوس مقامك. احمد المجذوب محمد حاج الماحي.