قوة داعش لا تغدو مفاجأة إذا تأكد أن وراء تمويله أحد أكبر منتجي الغاز في العالم لندن - انخراط الدوحة الصوري في التحالف الدولي ضدّ داعش، وحملة التبرّؤ من دعم الإرهاب التي تشنّها بمشاركة أكبر مسؤوليها، لم يمنعا توالي الحقائق والمعطيات المثيرة لمزيد من الشبهات بشأن علاقة قطر بالإرهاب العالمي، وهو الأمر الذي لن يكون دائما دون تبعات، خصوصا بعد أن قفزت مواجهة الإرهاب إلى صدارة مشاغل المجتمع الدولي. انضمّ أمس وزير الدفاع البريطاني السابق ليام فوكس إلى الأصوات المطالبة بالتدقيق في دور قطر بتمويل الجماعات المتشدّدة، والتي تعدّدت وتعالت خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت، محوّلة الشكوك بشأن علاقة الدوحة بالجماعات الإرهابية إلى ما يشبه "الحقيقة" المستقرة والقناعة العامة المنتشرة بين الأوساط الإعلامية وحتى لدى صناع قرار وقادة رأي عالميين. وجاءت مطالبة فوكس حكومة بلاده بالعمل على وقف تدفق الأموال من قطر إلى تنظيم داعش، أياما بعد رواج تقرير غربي متضمّن ما يمكن اعتباره أوضح معلومات تُنشر إلى حدّ الآن وأكثرها تفصيلا بشأن صلات قطر بالتنظيمات الإرهابية، حيث أورد وقائع مدعّمة بأرقام وبأسماء أشخاص بعضم من داخل نسيج السلطة في قطر. وكان مراقبون رصدوا في الفترة الأخيرة شنّ السلطات القطرية حملة على أعلى مستوى شارك فيها الأمير شخصيا ووزير الخارجية لدفع تهمة دعم الإرهاب عن قطر التي بادرت إلى الانخراط في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في سورياوالعراق، ليتبين سريعا أنّه انخراط صوري بهدف دفع الشبهات، وأنّ الدوحة إمّا أنّها أحجمت عن المشاركة عمليا في توجيه ضربات للتنظيم، وإمّا أنها حُيّدت من قبل أعضاء الحلف لعدم الثقة بها نظرا لمعرفة هؤلاء بصلتها بالإرهاب. وقدّم تقرير لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية بشكل غير مباشر تفسيرا عمليا لارتياب المجتمع الدولي من سلوك قطر، حيث أورد بشكل مفصّل ملابسات انخراط مواطنين قطريين في تمويل جماعات متطرّفة على صلة بتنظيم القاعدة في العراقوسوريا. وكشف التقرير، الذي كتبه روبرت مينديك عن اسم مواطن قطري كان أحد ممولي هجمات 11 سبتمبر، وهو من يمول اليوم تنظيمات متطرفة في سوريا بعد أن قامت السلطات القطرية بإطلاق سراحه. وذكر أن خالد محمد تركي السبيعي، الذي أفيد سابقا بأنه قدّم دعما ماليا لخالد شيخ محمد، قد سجن بتهم هجمات إرهابية في عام 2008 ولكن أطلق سراحه بعد ستة أشهر فقط، ويُتّهم الآن بتمويل إرهابيين إسلاميين في سورياوالعراق. وكشفت وثائق نشرتها وزارة الخزانة الأميركية عن وجود صلات بين السبيعي ومموّل إرهابي اتهم بتمويل فرع تنظيم القاعدة الذي خطط لتفجير طائرات مسافرين باستخدام قنابل توضع في عبوات معجون الأسنان. مالكولم ريفكيند: يجب على قطر أن تختار أصدقاءها أو تتحمل العواقب ويقول التقرير إن الجيش الأميركي أجهض المخطّط في غارة جوية على مقرات قيادة الجماعة في سوريا الأسبوع الماضي. ورأى كاتب التقرير أن هذه القضية تلقي الضوء على القلق المتنامي بشأن فشل قطر، إحدى أغنى دول العالم، في وقف تمويل الشبكات الإرهابية. وأضاف أن منتقدين بارزين باتوا يدعون إلى تدقيق أوسع في صلات قطر بالإرهاب العالمي، والتلويح بالعقوبات في حال فشلها في التعامل مع هذه المشكلة. ونقل التقرير عن مالكولم ريفكيند رئيس لجنة الأمن والاستخبارات في البرلمان البريطاني تحذيره لقطر بأنها "يجب أن تختار أصدقاءها أو تتحمل العواقب ". وأضاف البروفسور إنتوني غليس من مركز دراسات الأمن والاستخبارات في جامعة بكنغهام أنّ "من المعروف أنه لاكتشاف الإرهابيين، عليك أن تتبع تمويلهم، وفي هذه اللحظة يبدو أنه يأتي من قطر". وقال كاتب التقرير إنه عرف أن تقريرا صادرا عن أحد مراكز الأبحاث الأميركية سينشر الشهر المقبل سيشخص نحو 20 شخصية قطرية بوصفهم ممولين بارزين ومسهلين لدعم الجماعات الإرهابية. ويضيف أن 10 منهم صنفوا كإرهابيين في قوائم سوداء رسمية للولايات المتحدةوالأممالمتحدة. ومن بين هؤلاء العشرة، السبيعي البالغ من العمر 49 عاما وهو موظف في البنك المركزي القطري، وقد وضع في القائمة السوداء كممول إرهابي في عام 2008 ولكن مازال يبدو متورطا بشدة في تمويل الجماعات الإرهابية. ووصف تقرير أميركي نشر في 2008 السبيعي بأنه يمول ويعمل لمصلحة زعماء بارزين في تنظيم القاعدة "من بينهم خالد الشيخ محمد قبل القبض عليه في مارس 2003"، وقد وصف الشيخ محمد بأنه "المهندس الرئيس لهجمات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة" وقد سجن في معتقل غوانتانامو. وأضاف التقرير أنّ واشنطن تتهم السبيعي أيضا بتقديم دعم مالي لتنظيم القاعدة في باكستان. وقد أدين السبيعي غيابيا في عام 2008 في محكمة في البحرين بتهمة التورط في هجمات إرهابية، واعتقل بعد شهرين من ذلك في قطر، أي في مارس من السنة نفسها، ليسجن على خلفية هذه التهم. وقال كاتب التقرير إن برقية دبلوماسية أرسلت في مايو 2008 لمّحت إلى وجود خلاف بين أجهزة الاستخبارات القطرية ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بشأن قضية السبيعي. وأوضح أن البرقية التي أرسلها القائم بالأعمال الأميركي قبيل زيارة وزير الخزانة هنري باولسون، تنصح بأن يتم التعامل مع هذه القضية عبر دائرة الادعاء العام والاستخبارات القطرية وليس عبر رئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني. وقد أطلق سراح السبيعي بعد ستة أشهر. وقامت الأممالمتحدة بوضعه على قوائمها للأشخاص الذين يجب أن يخضعوا لعقوبات بسبب صلاتهم الإرهابية. وخلص التقرير إلى أن وثيقة من وزارة الخزانة الأميركية كشفت عن أن السبيعي على صلة بشخصين وصفا بأنهما إرهابيان، وهما أردنيان، ولكنهما يحملان بطاقة هوية قطرية حسب مسؤولين أميركيين. ويتعلّق الأمر بأشرف محمد يوسف عثمان عبدالسلام الذي ساعد السبيعي في نقل مئات الآلاف من الدولارات إلى القاعدة في باكستان. ويوصف عبدالسلام بأنه الداعم المالي لتنظيم القاعدة في العراق وجبهة النصرة القريبة من القاعدة. كما تكشف الوثيقة عن صلات السبيعي بعبدالمالك محمد يوسف عثمان عبدالسلام المعروف باسم عمار القطري، الذي أرسل، بحسب المسؤولين الأميركيين، عشرات الآلاف من الدولارات إلى محسن الفضلي، زعيم "جماعة خراسان" في تنظيم القاعدة في سوريا. ويعتقد أن الفضلي يقف وراء خطة لاستخدام عبوات معجون الأسنان كقنابل لتفجير الطائرات، وتفيد تقارير بأنه قد قتل في غارة أميركية على حلب الشهر الماضي. ويقول التقرير إن شخصية قطرية رفيعة أخرى هي عبدالرحمن بن عمير النعيمي، وهو مستشار لدى الحكومة القطرية ومؤسس ل"منظمة خيرية" على صلة بالأسرة الحاكمة في دولة قطر، صنّفه الأميركيون ضمن قوائم الإرهاب. وقد اتهم النعيمي بنقل مبلغ 1.25 مليون جنيه إسترليني شهريا إلى تنظيم القاعدة في العراق.