من حسن حظ المواطن السوداني الذي يواجه بعض المتاعب القانونية مع شرطة نيويورك أنه كان يحمل بطاقة توفر له الحصانة الدبلوماسية وفقاً لاتفاقية فيينا وإلا فإن ليله كان سيمسي (أسود من سجم الدواك) بلغة استاذنا الكبير عبد الله علي إبراهيم. الآن نستطيع أن نجزم بأنه لو لم يكن الموظف ضمن طاقم بعثة السودان بنيويورك وواجهته هذه المشكلة لتجاهلت وزارة الخارجية أمره إذ غاية مهمتها أن ترعى شئون منسوبيها. وزارة الخارجية السودانية مؤسسة ضخمة مكلفة للمال العام وفاشلة وتفتقر الى الكفاءة في أدائها العام بالرغم من وجود كفاءات مهنية عالية على المستوى الفردي توفرت لهم فرص (ميري) رائعة لاكتساب المعارف، والتجارب، والخبرات في جو من الحياة المتوسطة أو الراقية لكن أداءها ما برح يشكل كعب أخيل في المشهد الوطني العام. معظم متاعب حكومة وشعب السودان خلال الربع قرن المنصرم مرتبطة بضعف الأداء الدبلوماسي الذي لم يتناغم يوماً لا مع متطلبات التنمية والنهوض الاقتصادي، ولا مع حاجة تلك التنمية أو النهوض الاقتصادي المنشودين للسلام والاستقرار وعلاقات التعاون. تتسامر مع دبلوماسي من هنا أو هناك فيبلغك ان السفير الفلاني تم نقله من البعثة إياها لأسباب عائلية، وإن السفير العلاني ينتظر قبول ابنته في هذه الجامعة الأوروبية أو تلك لتحدد الوزارة وجهته وفق وجهة ابنته الدراسية، وإن الدبلوماسي (أ) يقيم منذ 20 عاماً على نفقة الدولة في تلك الدولة الأجنبية نسبة لأن هواء تلك البلاد يناسب اعتلالاً معيناً في صحته وهكذا استحقت الوزارة اسم (وزارة الخارجية وشئون العائلات الدبلوماسية).. بالطبع لن يشير هذا المقال الى قصص محددة لأن هدفه ليس الإضرار بمكاسب الأفراد وإنما الإشارة الى حقيقة ان المصلحة العامة تأتي متأخرة جداً في أولويات الوزارة. قرأت بيان وزارة الخارجية الصادر أمس بشان قضية المواطن العامل في بعثة السودان في نيويورك ففجعت! تيقنت بان الوزارة الضخمة والتي تعج بأصحاب الكفاءات والقدرات العالية مختطفة تماما ً وإن القائمين عليها غرباء عن القانون، وعن الإعلام، وعن الدبلوماسية، وعن مروءة أهل السودان! يحتاج تفكيك بيان الخارجية معذرة - (الهزيل) الى مقال منفصل لكن خلاصته أنه أضر بقضية الشخص –وهو مواطن بريء حتى تثبت إدانته وأضر بالصورة العامة للبلاد. بدأ البيان بعبارة " تداولت بعض الوسائط الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي اتهامات بحادثة تحرش في حق دبلوماسي سوداني" وغني عن القول إن البيان ترك القضية الأساسية هنا وهي قضية مواجهة المبتعث السوداني لتجربة عائلية ومهنية قاسية الى الرد على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.. هذا لا يليق أولاً، وثانياً فإن تحديد نوع الحادثة دون مسوغات قانونية يضر بالمواطن وبالبلاد فالثابت إن تهمة (التحرش) تحمل معنى قانونياً محدداً، وإن الادعاء الأمريكي لم يوجه حتى الآن هذه التهمة للشخص المعني ولست أدري ما هي مصلحة الوزارة في توجيه تهمة لأحد منسوبي بعثتها الأرفع في العالم دون أساس (قانوني) وهو ما ذكر في الفقرة الثانية من البيان " لم يثبت تقديم أي بلاغ جنائي ضد المتهم". لاحظ تم وصفه ب(المتهم) وهو ليس كذلك حتى الآن في نظر القانون! اهتمت الوزارة بتوجيه الإدانة الضمنية للموظف المعني بتأكيد أنه ليس دبلوماسياً (يبرأ الدبلوماسيون) وإنه ضمن الطاقم المساعد، وهذه واحدة من طرق الكيد لمندوبي الوزارات الأخرى في البعثات الخارجية والتي يمارسها منسوبو الوزارة لكنها في هذا المقام غير لائقة وغير أخلاقية. غير أخلاقية تماماً! هب أن المواطن السوداني لا صلة له البتة بالبعثة، فهل هذا سبب لتجاهل قضيته من قبل الوزارة المعنية بتمثيل بلاده ومؤسساتها كافة في الخارج؟ قال البيان أن الموظف المعني " ليست (كتبها البيان ليس) لديه معرفة بالشاكية". ما هذا الفتح وما هذه العبقرية؟ هل يحتاج المتخاصمون الى التعارف قبل أن يختصموا؟ المؤكد أن مختطف الوزارة الذي صاغ البيان والذي أجازه قد نجحا ولو الى حين في التقليل من شان منسوبي الوزارات الأخرى في البعثات الخارجية ومحاولة تقديمهم بشكل غير لائق مخالف للدبلوماسيين (أولاد الناس) لكن المؤكد أيضاً ان الوزارة تحتاج الى مستشار إعلامي وقانوني ووزير أفضل ممن يقومون بهذه المهام في الوقت الحاضر. اللهم إنا نسألك الستر واللطف بنا جميعاً وبالموظف المعني وهو يواجه خصومة القانون الأمريكي وبشاعة الدفاع السوداني.. آمين.