فقد السودان أحد أبرز قياداته السياسية برحيل الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وامام طائفة الأنصار الذي غيبه الموت مساء الأربعاء بدولة الامارات العربية المتحدة، فيما ترتب الحكومة لإعلان الحداد لثلاث أيام ونقل المهدي – 85 عاما- في الثالث من نوفمبر الجاري الى الامارات بطائرة خاصة بعد اصابته بفايروس كورونا، بعد ان كان يتلقى العلاج بإحدى المشافي الخاصة في الخرطوم. وقالت مصادر موثوقة ل "سودان تربيون" الثلاثاء إن صحة زعيم حزب الأمة تدهورت خلال ال 48 ساعة الماضية إثر اصابته بالتهاب رئوي حاد. ونعى مقربون من اسرة المهدي عميدها وسط مشاعر حزن عميق؛ كما نعته الامانة العامة لحزب الامةالقومي وقالت في بيان" انتقل الى الرفيق الاعلى الحبيب الامام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار". وتابع البيان " اننا إذا ننعاه فإننا ننعي رجلا من أهل السودان الأوفياء الذين قدموا وما استبقوا شيئا من أجل خدمة الإنسانية جمعاء، نعزي أنفسنا والشعب السوداني في وفاته ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته فيما لاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". وافادت الامانة العامة للحزب أن جثمان الفقيد سيصل السودان صباح الجمعة 27 نوفمبر الجاري ليوارى الثرى في قبة الإمام المهدي عند الساعة التاسعة صباحاً، كما أضافت ان المأتم يقام في داره بامدرمان. وأجرى مسؤولون في مجلسي السيادة والوزراء اتصالات بأسرة الإمام لترتيب إجراءات التشييع ونقل الجثمان الى الخرطوم. واتفق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان على اعلان الحداد في البلاد لمدة ثلاث ايام وتنكيس الاعلام في سفارات السودان بالخارج حسبما افاد مصدر رسمي "سودان تربيون". واحتسب المجلس المركزي لتحالف الحرية والتغيير زعيم حزب الامة القومي وقال في بيان "فجعت بلادنا اليوم برحيل علما من أعلامها السامقة ومفكرا وحكيما من حكمائها وزعيما من قادتها العظام انفق عمره منافحا عن الديموقراطية والحرية وعاملا من اجل عزة وكرامة شعبه". وأضاف " رحل الامام الصادق المهدي والبلاد تتطلع الى حكمته وكلمته للعبور من اشد الاوقات عسرا واضطرابا". وعرف المهدي الى جانب نشاطه السياسي اللامع بمقدرات فكرية ثرية، حيث له مجموعة كبيرة من الكتب والمخطوطات الى جانب المقالات والمشاركات الثقافية والاجتماعية والرياضية. وتمتد سيرة المهدي الى العالمين العربي والاسلامي حيث يرأس منتدى الوسطية ويحظى باحترام واسع في مختلف العواصم والمؤسسات البحثية. والزعيم الراحل من مواليد 25 ديسمبر 1935 بمنطقة العباسية في امدرمان وترقى في سلم التعليم الى أن وصل جامعة الخرطوم، ثم درس في جامعة أكسفورد ببريطانيا ونال منها شهادة بدرجة الشرف في الاقتصاد والسياسة والفلسفة. كان أول بروز للصادق المهدي في ساحات العمل السياسي السوداني في معارضة نظام الفريق إبراهيم عبود، 1958-1964 وفي أكتوبر 1961 توفي والده الإمام الصديق الذي كان رئيسا للجبهة القومية المتحدة لمعارضة نظام عبود. وشارك المهدي بفعالية في معارضة نظام عبود واتصل بنشاط الطلبة المعارض، كما كان من أوائل المنادين بضرورة الحل السياسي لمسألة الجنوب، حيث أصدر كتابه "مسألة جنوب السودان" في إبريل 1964م. وحينما اندلعت أحداث 21 أكتوبر 1964م اتجه المهدي لاعتبارها نقطة انطلاق لتغيير الأوضاع ونجحت مساعيه في توحيد جميع الاتجاهات السياسية في السودان وفي جمعها خلف قيادة الأنصار في بيت المهدي وفي جعل بيت المهدي (أي القبة والمسجد الرابع الشهير بمسجد الخليفة) مركز قيادة التحول الجديد. حدث هذا رغم وجود اتجاهات وسط بعض كبار بيت المهدي وكيان الأنصار كانت ترى التريث والابتعاد عن الثورة ولكن اتجاه المشاركة كان غالباً فجرّ الجميع في اتجاهه حتى تم اسقاط نظام عبود وتشكيل الحكومة الانتقالية. انتخب المهدي رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، وقاد حملة لتطوير العمل السياسي والشعار الإسلامي وإصلاح الحزب في اتجاه الشورى والديمقراطية وتوسيع القاعدة. وواصل بعدها نشاطه ضد الحكومات المتعاقبة وجرى اعتقاله والتنكيل بالأنصار فيما يعرف بمجزرة ودنوباوي والجزيرة أبا على يد الحزب الشيوعي وقتها. واعتقل أكثر من مرة لفترات متطاولة. وبعد الانتفاضة على حكم المشير الراحل جعفر نميري 1985 جرت انتخابات عامة في إبريل 1986م حصل حزب الأمة فيها على الأغلبية، وانتخب الصادق رئيسا للوزراء. وفي30 يونيو 1989 وقع انقلاب الإنقاذ الذي قاده عمر البشير على حكومة المهدي وتم اعتقاله مع كل القادة السياسيين في بديات يوليو 1989 وقتها وجرى حبسه حتى ديسمبر 1990، وتم تحويل لاعتقال تحفظي بمنزل وسمح لأسرته بمرافقته ثم أطلق سراحه في 1992 لكنه منع من مغادرة الخرطوم. وفي ديسمبر من العام 1996 تمكن من السفر سرا الى إرتريا والتحق بالمعارضة السودانية بالخارج، وبدأ أكبر حملة دبلوماسية وسياسية شهدتها تلك المعارضة منذ تكوينها. وعاد المهدي الى الخرطوم في العام 2000 ثم اعيد انتخابه رئيسا للحزب في 2003. وانخرط بعدها في مفاوضات مع الحزب الحاكم وقتها – المؤتمر الوطني-الى ان توجت بتوقيع اتفاق التراضي الوطني بالعام 2008. التي كانت تقتضي تحويلها قوميا عبر مؤتمر جامع يبحث كافة قضايا البلاد وينهي خطة السلام بالتجزئة والعمل الثنائي عبر الإجماع القومي لكنها لم تكنمل. وفي 2014 اعتقلت السلطات الأمنية الصادق المهدي بعد انتقاده لقوات الدعم السريع واتهامه لها بارتكاب فظائع في دارفور، وتعالت أصوات بتوجيه اتهامات اليه تصل عقوبتها حد الإعدام لكن تم الافراج عنه بعد شهر واحد. وفي أغسطس من ذات العام وقع زعيم حزب الامة اتفاقا مع تنظيمات الجبهة الثورية – قوى مسلحة –للعمل على تغيير النظام باستبعاد خيار العمل العسكري وواصل نشاطه الخارجي طوال ثلاث سنوات قبل أن تقرر أجهزة الحزب ان مهامه الخارجية انتهت فعاد الى البلاد في 26 يناير 2017.