تبدو دارفور للناظر إليها من الجو كصحراء قاحلة. وفي مناطقها الريفية، يبلغ معدل استهلاك سكانها من الماء حوالي 8-12 لترا يوميا للأغراض المنزلية وأغراض الحياة الأخرى، ويشكل هذا الرقم أقل من الكمية التي يستهلكها فرد واحد في أمريكا وأوروربا في ساعات للسواك صباحا. وقبل أربع سنوات نشر الإتحاد الأفريقي والأممالمتحدة أكبر قوة لحفظ السلام في العالم لتهدئة النزاع في دارفور، وبعثت بمبعوثين خاصين على مستوى رفيع لمتابعة مفاوضات تسوية النزاع. وفي الوقت نفسه، درج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على القول أن حلّ هذا الصراع المعقد لا يكمن فقط في الحلول العسكرية والسياسية، وإنما يكمن بالأساس في الاهتمام بالمشاكل البيئية المفضية إليه. وفي عام 2007، ظنّ البعض أن بان كي مون يغرد خارج السرب عندما قال إن النزاع في دارفور ربما كانت جذوره مرتبطة بتغير المناخ. فتضاءل الموارد الطبيعية بسبب تغير المناخ أثار حفيظة الرعاة ضد المزارعين وغيرهم ممن كانوا يتعايشون في انسجام سابقا حتى اضطرهم التصحر للعراك من أجل الماء. وبينما أثار قوله جدلا في حينه، فإن الأممالمتحدة تدعم جهودا حثيثة حاليا لتصحيح مسار الأوضاع البيئية في دارفور بوصفها عنصرا مهما لتحقيق االسلام. وسوف تفتتح الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي ووزارة الري والموارد المائية السودانية يومي 27-28 يونيو مؤتمرا دوليا عن الماء من أجل السلام المستدام في دارفور، حيث يجتمع حوالي 200 خبيرا من خبراء المياه والتنمية في الخرطوم لمناقشة التحدي المتمثل في إقامة قطاع مستدام للمياه في دارفور، إذ لا مندوحة من تغيير هذا الوضع البيئي المتردي من أجل إقامة سلام مستدام في دارفور. وبينما يزخر باطن الأرض بمياه جوفية تحت رمال دارفور، فإن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن بعض المناطق تواجه نضوبا في الموارد المائية. وكاد الماء ينعدم من مئات الآلاف من النازحين، وبدأت إمدادات الماء في النضوب من المدن التي تشهد نموا سريعا. فعلى سبيل المثال نجد أن نمو سكان مدينة نيالا في جنوب دارفور قد بلغ نسبة 300% خلال ثلاثين عاما، بينما انخفض مستوى الماء تحت سطح الأرض بحوالي 8-10 أمتار. ولو انحسرت كمية مياه الأمطار لعام آخر فربما لا تتوفر مياه تحت هذه المعسكرات والمراكز الحضرية، وهو وضع لا يمكن تجاهله. وفي الوقت الذي تلوح فيه فرص توقيع إتفاقية سلام على الصعيدين السياسي والعسكري، يسرني القول أن ثمة تقدم يتم إحرازه أيضا على صعيد المشاكل الإجتماعية والبيئية. وتتضمن المبادرة التي اتخذتها بعثة حفظ السلام – التي أتولى رئاستها (بعثة اليوناميد) – وبشراكة مع جهات أخرى من الأممالمتحدة، ووزارة الري والموارد المائية السودانية، حزمة من الحلول للحصول على المياه وتوزيعها بطريقة تتسم بالعدالة والترشيد والإستدامة. ويتمثل التحدي الأكبر في دارفور في الحصول على المياه وحفظها وتنقيتها وتوزيعها بطريقة عادلة وبالمساواة بين سكانها، مع الأخذ في الحسبان متطلباتهم المنزلية والزراعية والصناعية والبيئية، حتى يتسنى لهم العيش والعمل دون تنافس لا طائل منه مع جيرانهم. وقد بدأ العمل فعليا في بعض المشاريع مثل إصلاح السدود الأرضية والحفائر التقليدية لحفظ المياه السطحية وتوفير الماء خلال موسم الجفاف، وإعادة تأهيل البنية التحتية المهجورة للمياه، وإعداد سياسات لمواجهة الجفاف. والأهم من ذلك كله، تنسيق هذه الأنشطة لإدارة المياه بطريقة متكاملة، وضمان جمع المياه بطريقة مستدامة. وفي حين أن إدارة هذه المياه سوف تكون بأيد سودانية، فإن الدعم الدولي لا غنى عنه لتحقيق ذلك الهدف. ولكي يتمكن المؤتمر من إقامة نظام لإدارة الموراد المائية لكافة المجتمعات في دارفور، فإنه يناشد المجتمع الدولي بتوفير مبلغ مليار دولار لإقامة 65 مشروعا، وهو ثمن بخس لإرساء السلام، لو أخذنا في الحسبان الإنفاق اليومي الضخم على الحروب حاليا. وقد كتب الخبير السوداني محمود مدني قبل عامين قائلا إن الجفاف في دارفور "لا يعرف الحدود" ويتجاوز من يكتوون بناره حدودهم أثناء لهثهم للبقاء على قيد الحياة. وتنتج عن ذلك دائرة مفرغة: نزاع من أجل المياه، يقلل بدوره فرص الحصول عليه والمحافظة عليه، ويفاقم ذلك من تدهور إدارة المياه أو انعدامه. وينبغي على السودانيين التعاون لإدارة المياه المتدفقة داخل حدودهم، وأن تتضافر جهودهم لبناء أو إعادة بناء البنية التحتية التي تدمرت أو تدهورت خلال سنوات الحرب. ولابد من استخدام التقنية الحديثة والطرق الصحيحة لاستعادتها، ومحاولة مواجهة التحدي الذي يفرضه التصحر، والتغير المناخي والنمو السكاني. وهذا هو المحك الذي يستلزم دعما دوليا وعزيمة وطنية وتنظيما لإنجاحه، لأن السلام معقود عليه. وبصفتي الممثل الخاص للأمم المتحدة في دارفور، أدرك أن إيجاد بيئة مواتية لمحادثات السلام بين أهل دارفور لا يمكن تحقيقها دون مناقشة الأسباب المفضية لنزاعاتهم، بما في ذلك عدم المساواة في الحصول على الموارد المحدودة، ولا سيما المياه. وفي ظلّ التقدم الذي أحرزته محادثات السلام في الدوحة مؤخرا، لا بد من مناقشة المياه، وسوف تواصل الأممالمتحدة وشركاؤها دعم الجهود الرامية لضمان توفرها للجميع سواء في الوقت الراهن أو مستقبلا. *(الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي)