زمان مثل هذا التطبيع مع واشنطن الصادق الشريف بالأمس كتب الأستاذ فتح الرحمن شيلا، اللاعب الاتحادي المُسجَّل حديثاً بكشوفات المؤتمر الوطني والذي أصبح ناطقاً رسمياً باسمه.. ثمّ تقاعد مبكراً من النطق باسم الحزب الحاكم. كتب شيلا مقالاً عن (التطبيع مع أمريكا) بروح المنتمي الغيور على حزبه الحاكم.. ورغم أنّ المشكلة بين الخرطوموواشنطن قد بدأت وتصاعدت في الفترة التي كان فيها شيلا معارضاً لحكومة الإنقاذ ومنتمياً لكيان سياسي معارض.. كان من أدواته الضغط على الإنقاذ من خلال تعكير علاقتها بأمريكا.. إلا أنّ الرجل عاد وغيَّر ولاؤه السياسي.. وأصبح يقدِّم المقترحات لتقويم العلاقة مع المارد الأمريكي. لا تثريب على شيلا.. فالحياة الفكرية لا تقف عند حدود إنتماء حزبي معيّن ولا تتقولب حول فكرة سياسية بعينها.. بل هي كسب ذهني (قد) ينقل الإنسان من اعتناق فكرة إلى حضن فكرة أخرى مغايرة ومناهضة لها. ويبقى الفرق بين الانتهازية والحرية الفكرية للإنسان هو أن يُعلن ذلك الإنسان: ما هي مثالب فكرته القديمة؟؟ لماذا تخلى عنها؟؟.. لماذا لم تلبِ الفكرة القديمة طموحاته؟؟.. ولماذا غادر موقفه الأول؟؟ ثُمّ.. ماهي مميزات الموقف الجديد؟؟.. ماهي الحوافز القيمية والأخلاقية التي دفعته لاعتناق فكر جديد؟؟ كُنّا بنقول في شنو؟؟؟. نعم.. كتب شيلا مقالاً عن (التطبيع مع أمريكا).. المقال فيه تأييد لموقف المنادين بضرورة التروِّي في (الهرولة) لتنفيذ المطلوبات الأمريكية. ولا يغيب عن القارئ أنّ هناك جناحاً داخل المؤتمر الوطني يئس (وفتر) من الجري ال (بلا صالح) وراء تنفيذ المطالب (المتجددة) للبيت الأبيض لبدء التطبيع أو شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي اعتقادي أنّ المطالب الأمريكية لا تتجدد عبطاً.. بل أعتقد أنّها مطلب واحد هو (سلوك سلمي للخرطوم مع شعبها والعالم). وما يتجدد في كلِّ ذلك هو المشكلات داخل هذا الوطن الجريح.. فعندما تمّ توقيع إتفاق نيفاشا في العام 2005م لم تكن هناك مشكلة أوضح للعالم من مشكلة جنوب السودان. وكان المطلب الأمريكي هو تحقيق السلام في الجنوب عبر تنفيذ نيفاشا والتي تنتهي في العام 2011م. لكن وأثناء تنفيذ الاتفاق تعالت النيران في دارفور (ولم أقل بدأت مشكلة دارفور).. وكان المطلب الأمريكي هو تحقيق سلام في دارفور (أيضاً). كان لا بُدّ أن تدخل مشكلة دارفور إلى حيز المطالبة الأمريكية.. فليس من الممكن تطبيع العلاقات مع وجود بؤرة مشتعلة. وفي خضم ذلك جاءت نهايات نيفاشا بمشكلتين.. قبل أن تخمد نار أحدهما.. تأججت نار الأخرى.. وهما مشكلتا أبيي وجنوب كردفان... فوضعتهما واشنطن ضمن شروط التطبيع. وكما ترون.. فالمتجدد ليست هي المطالب الأمريكية.. بل المشكلات السودانية الداخلية.. وبلغةِ الفيزياء فمطالب واشنطن هي (ردُّ فعلٍ) ل (فعلٍ) خرطومي كامل الدسم. ويصبح غريباً بعد ذلك أن يقول فريقٌ من المؤتمر الوطني بوقف تنفيذ مطالب التطبيع الأمريكية.. فهذا يعني إيقاف مساعي الاستقرار في السودان. وتلاحظون أنّه حتى نهاية هذا المقال لم نتطرق لبراءة المطالب الأمريكية من خبثها.. فذلك شأنٌ آخر. التيار نشر بتاريخ 03-07-2011