.. [email protected] طرقت باب الكتابة الصحفية وأنا شاب صغير في أوائل سبعينيات القرن الماضي ..لم أصدق حينما انفتح امامي بحروف خجولة وكتابات على مساحات متواضعة وزوايا بعيدة في صفحات القراء حول امور حياتية بسيطة تتعلق بخدمات المواصلات والصرف الصحي ونظافة البيئة وهلم جرا.. وكان يربض في أسوار الدارين الكبريين ..الصحافة والأيام ..وقتها..جهابذة واساطين وعمالقة القلم ..فكرا وخبرة وهيبة.. فحينما يمرون بنا نحن الصغار عند الممرات نلتصق بالحوائط حياءا وتأدبا لنفسح لهم الطريق ..فيمسحون علي رؤسنا بأكف التحية ويرسمون ابتسامة تشع في العيون وكأنهم يحفزوننا علي الصمود في هذا الطريق الطويل والوعر..! مرة صادفت الراحل الأستاذ/ حسن ساتي عند مدخل الصحيفة وكان حينذاك شابا محررا بقسم التحقيقات في الأيام ..ويكتب كل يوم اثنين على ما اذكرمقالا شاملا في صفحة اسبوعية سياسية كاملة بعنوان ( مؤشرات ) وبعد أن تبادلنا التحية .. قلت له بصورة عابرة وأنا أكاد أنصرف عنه ..مؤشراتك اليوم فيها الكثير الذي يناقش ..فشدني من ساعدي علي مكتبه وجذب كرسيا وأغلق الباب بعد أن جلب لنا العامل كأسين من الشاى .. واستلمني حسن لمد ساعة كاملة لاوضح له ما أعجبني في المقال وما لم يعجبني.. وأنا لست الا ذلك القارىء المبتديء ولا أقول الكاتب ..! ومن يومها ادركت أن حسن ساتي طيب الله ثراه بدأ صحفيا كبيرا لانه لايستصغر قراءه أيا كان مقامهم من الاعراب.. وها أنا ولا زلت أعاقر الكتابة الصحفية علي مدى كل هذه السنين أتلمس المزيد من التجارب وفي خاطرى تلك الروح لا تفارقني سواء في لحظة اختمار الفكرة .. أو عندما أستصحبها وأنا أمسك بالقلم قبلا أو أمرر أناملي على مفتاح لوحة الحاسوب الآن.. ويشتعل أوارالدواخل وترتجف الفرائص حينما أفتح المقال و الصفحة تنزلق مني بلا ارادة الي مربعات المعلقين.. أفرح كالطفل حينما اكتسب مائة قاريء في اليوم..ولكني أبكي بدموع الكبار عندما أفقد قارئا واحدا في العام كله..! فالكاتب هو وردة بلا روح ولا نفس أو أريج..بدون قاريء يستشف من ردة فعله قيمة ما كتبه ..وما قيمة الحرف ان لم يعلق بذهن المتلقي ؟ صحيح ان هناك نفر من القراء انطباعيون ..يتعاطون مع الكاتب كتعاطي المشجعين مع لاعب الكرة ان هو أحرز الأهداف طيلة الموسم وأجاد اللعبة صفقوا له وحملوه علي الأكتاف وأغدقوا عليه الألقاب ونسجوا حوله الحكايات..ولكّن اذا ما تصوروا أنه أخفق ولو مرة واحدة أو تخطته كرة لم يستغلهاأو خرج فريقه مهزوما بسبب سوء أدائه سرعان ما أنقلبوا عليه بالصفير و شيعوه بالشتائم وكالوا عليه من الوصف ماهو كفيل باحباطه أو حتي اعتزاله.. وهكذا الحال ..بالنسبة لنا في نظر البعض أحيانا كما أتخيل سامحنا وأياهم الكريم..! ولكّن المهم وما وددت تأكيده ..فنحن أصحاب القلم من خلال خبرتنا ومهنيتنا ورأينا الذي قد يكون صوابا يحتمل الخطأ والعكس أيضا فاننا نكتب للجميع .. ولكن هل من الممكن ارضاء الكل في أى حرف نخطه..؟ بالطبع لا..بيد أن الأهم الا نحيد عن خطنا العام في توجهنا و مبادئنا الوطنية أولا والأخلاقية ثانيا والسياسة في الآخر لاسيما ونحن في هذا الظرف المفصلي من تاريخ وطننا الذي تركناه ولا زلنا نراه أحوج مايكون لكل كلمة حق من أجل دحر الباطل الذي يتسيد علي اركانه وثناياه ويعمل فيه نهبا وتقطيعا .. نعم قد يتفاوت فينا اسلوب التناول .. تشددا وهدوئا ونحن نعلم أن المتحمسين من قرائنا يريدون تسخين الساحة بالأسلوب المصادم بمعاول التكسير العنيف للوضع القائم في السودان .. ولكّن بالمقابل توجد شرائح تحبذ أسلوب شق الصخوربخرير المياه الهادىء.. ولكل منطقه الذي ينبغي أن نحترمه نحن ونقف علي مسافة واحده من الطرفين ..ثم نكتب ما يعن لنا وفق قناعتنا الثابتة نحو الوطن الجريح والتي لا تهزها عواصف معاناة ذاتية قد لا يعلم الكثيرون اننا نعيشها في منافي قاسية تصل الي حد الحاجة والعطالة والتشرد أحيانا..ولكننا نحتملها لاننا ندرك أن الملايين داخل الوطن هم يكابدون جحيم غربة أقسى مرارة تجعلنا نكتب ونكتب علي صفحات الأسفير وقد لايعلم الكثيرون أن ذلك كله بدون مقابل سواء من طرف ادارات المواقع الذين يضحون بالوقت والمال في سبيل هذه الرسالة المقدسة أو من ناحية الكتاب لاسيما الملتزمون تجاه تلك المواقع كالراكوبة على سبيل المثال لا الحصر.. الا..من ذلك الشعور بالواجب تجاه البلد يقدموه في احساس بالتقصير مقابل ما يعانيه أهلنا هناك من ضيم ومكابدة وذل وتحدي سافر من نظام مابرح يقول لهم .. لم نستخدم معكم الشديد القوي بعد فاستعدوا لما هو قادم ! نحن علي العهد اخوتي وآخواتي أبناء جلدتي الأحباء لاينكسر لنا زند ولا يلين منا قلم أو ينحني حرف ..تهون كل جراحاتنا الذاتية مهما كانت غائرة في شتات الغربة البكاية في سبيل أن يتعافي الوطن من عفانات الجراح التي زرعتها فيه فئة آثرت النظر اليه من زاوية مفهومها الضيق واستمرأت الفشل في ظل ضعف الشرائح السياسية الهرمة التي لم تعد هي الأخري تري أكثر من قدميها فتطلق عليها نيران خرفها بنفسها كلما ارادت أن تصوب الخطأ بخطأ أكبر وعلي مدي عقود العجز عن ادارة دفة البلاد نحو الصلاح واللحاق باندادها في القطار الفات ..! فهل أنتم معنا؟ فنحن لن نتخلي ولن نحيد عنكم أيها الأعزاء لاننا نري فيكم الوطن وأمته.. لا ولن نكون الا منكم وبكم .. أعاننا واياكم المولي على بلوانا في من أرادوا أن يقتلوا وطننا ..وهم لا يعلمون أن الأوطان والشعوب لاتموت وانما يذهب زبد الحكام وان تبدت لهم أنظمتهم أنها رواسي الجبال.. والله الغالب والمستعان .. وهو من وراء القصد. نشر بتاريخ 25-07-2011