زمان مثل هذا الصادق الشريف لم يكن مُدهشاً أن يصدر عن كينيا قرار مؤيد لمذكرة القبض على الرئيس البشير.. بل المدهش أن يتأخر القرار طوال هذه الفترة.. منذ صدور قرار المحكمة.. وإلى حين صدور القرار الكيني. وحتى هذه اللحظة فإنّ أحد الأجهزة الكينية هو الذي أصدر القرار.. وهو الجهاز القضائي.. وإلى الآن لم يرشح خبر عن مدى التزام الجهاز السياسي الكيني به. لكنّ.. ومنذ صدور القرار كان الموقف الكيني متذبذباً.. ف(رائيلا أودينغا) رئيس الوزراء الكيني يحمل موقفاً مُخالفاً لموقف (مواي كيباكي) الرئيس الكيني. أودينغا قال (إنّ دعوة البشير لحضور مراسم تدشين الدستور الكيني الجديد كانت خطأ).. وفُهم وقتها أنّ رسالته موجهة للداخل الكيني أكثر منها للخارج.. وذات أبعاد إعلامية أكثر منها قانونية. لكن منذ ذلك الوقت كان واضحاً أنّ موقف (كينيا) بإجماله لم يصل إلى نهايات حاسمة بشأن المذكرة الجنائية.. فتارة تقولُ بأنّها مع قرارات الاتحاد الإفريقي الرافضة للمذكرة.. ومرةً ترفض مقدم البشير إليها.. كما أنّ الإثنين كيباكي/أودينغا لا يخلوان من ملفات تحقيق داخل أضابير المحكمة بشأن أحداث العنف في الانتخابات الكينية. هُنا.. في الداخل السوداني.. كان من المتوقع أن يكون التعامل مع قرار المحكمة بصورة أكثر حكمة مِمّا يجري عليه الحال الآن. فالتعامل مع المجتمع الدولي يحتاج لإستراتيجيات واضحة.. لأنّ معالم ما يُسمى ب (المجتمع الدولي).. أوضح من أن يتخاصم فيها كبشان أملحان من النوع (البيج). ورهان الحكومة على فترة إنتهاء عقد وتكليف أوكامبو بمنصب (المُدّعي العام).. التي تنتهي بنهاية هذا العام.. هو رهانٌ على السهم الأخيب. فالعلاقة مع مؤسسات المجتمع الدولي.. ليست مثل العلاقة بين أجهزة ومؤسسات الدولة السودانية.. تعتمد على مجيئ وذهاب الأفراد.. بل على قوة تلك المؤسسات.. ومصالح الذين يديرونها. مجيئ أوكامبو أو ذهابه.. مثل مجيئ سيما سمر مقررة حقوق الإنسان التي ظلّت تشتكي منها الحكومة ثماني ساعات في اليوم طوال العام.. فذهبت.. ولم تنتهِ مشكلة الحكومة مع مجلس حقوق الإنسان. تواتر في الأخبار قبل مدة أنّ حزب الأمة قد وصل إلى تفاهمات مع المؤتمر الوطني حول بعض الأجندة الوطنية.. ومنها (التعامل العقلاني مع المجتمع الدولي).. ولا أدري ماهي النتيجة التي توصلا إليها فيما يختص ب(التعامل العقلاني). بالنسبة للفرحين من أهل المعارضة.. والحزانى من أهل المؤتمر الوطني.. نقول أنّه إلى هذه اللحظة.. لم يخرج الأمر من الحيّز الإعلامي.. و(شيل الحال). فليست هنالك قيمة قانونية خارج كينيا لما صدر من المحكمة الكينية.. والعلاقات مع كينيا نفسها ليست بهذا المستوى من الحميمية.. قيمة الخبر كلّها تمكن في سريانه السريع عبر شرايين المواقع الإسفيرية.. والقنوات الفضائية.. و ال(Bad News Travel Fast). ولكن تبقى القضيّة كما هي.. سواء تجاوب الجهاز السياسي الكيني مع الجهاز القضائي أم لم يتجاوب!!!.. ذهب أوكامبو نهاية هذا العام أم تمّ تجديد عقده!!!. معالجة القضيّة يجب أن تنفصل عن كل هذه الدراما. التيار