أشار استطلاع للرأي أجري في كينيا خلال الفترة من 6 وحتى 17 ابريل الماضي أن رئيس الوزراء رائيلا أودنقا يتقدم المرشحين لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستجرى في مارس من العام القادم حيث حصل على 34% من جملة أصوات العينة التي تم استطلاعها ، بينما حصل أقرب منافسيه وهو نائب رئيس الوزراء أوهورو كينياتا ابن المناضل المعروف والقائد التاريخي جومو كينياتا على 22% من جملة الأصوات. وفي حالة عدم مشاركة أوهورو كينياتا في الانتخابات الرئاسية بسبب القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بمثوله أمامها لتهم تتعلق بمشاركته في أحداث العنف التي أعقبت الانتخابات العامة بالبلاد في عام 2007 ، فإن أقرب المنافسين لأودنقا يتوقع أن يكون نائب رئيس الجمهورية الحالي كالونزو موسيوكا الذي يقول الاستطلاع أنه سيحصل في هذه الحالة على 19% من الأصوات. يستبعد الاستطلاع فوز أودنقا من الجولة الأولى مما يحتم إجراء جولة ثانية حسبما تشير بنود الدستور الكيني لتحديد الفائز. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن نتيجة الجولة الثانية ستكون متعادلة بين كينياتا وأودنقا حيث يتوقع أن يحصل كل منهما على 44% من الأصوات ، بينما لم يحدد 12% من الناخبين المرشح الذي سيدعمونه خلال الجولة. المعروف أن تعديلاً أجري على الدستور الكيني في عام 1992 يحظر على رئيس الجمهورية الترشح لاكثر من دورتين ، مما يستبعد الرئيس الحالي مواي كيباكي من المنافسة. غير أن ما يتضح حتى الآن هو أن كيباكي لن يقف متفرجاً وقد يسعى لدعم أحد المرشحين ضد أودنقا وإن كانت الصورة غير واضحة حتى الآن بسبب قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي أربك حسابات الانتخابات الكينية. ولد رائيلا أودنقا عام 1945 في كنف عائلة سياسية فوالده هو جاراموقي أوجنقا أودنقا رفيق نضال جومو كينياتا ومنافسه الرئيس بعد مقتل السياسي الكيني المعروف توم مبويا في عام 1969. بدأ نجم رائيلا أودنقا يسطع في سماء السياسة الكينية منذ سبعينات القرن الماضي ، واتهم في عام 1982 بالمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس دانيال أراب موي قضى بسببها تسع سنوات في السجن. وفي عام 1991 غادر البلاد للنرويج بدعوى أن وجوده في الداخل يعرض حياته للخطر ، غير أنه عاد لمعاودة نشاطه السياسي من الداخل في عام 1992 عندما انضم لما يسمى بمنتدى استعادة الديمقراطية. كان الهدف الأهم للمنتدى كما هو واضح من اسمه الدعوة لكتابة دستور ينقل البلاد من مرحلة نظام الحزب الواحد الذي كان يسيطر عليه حزب الاتحاد الأفريقي القومي الكيني والذي عرف اختصارا باسم "كانو" إلى مرحلة التعددية التي تم اعتمادها في عام 1991. وكان حزب كانو يمثل العمود الفقري لنظام الرئيس جومو كينياتا ومن بعده خليفته دانيال أراب موي. وقد كان رائيلا ولا زال يدعو للحكم الدستوري المنضبط ، ربما لاعتقاده أن ذلك يتيح له الفرصة لتحقيق طموحه السياسي غير المحدود. قام رائيلا أودنقا في عام 1994 بالعمل مع عدد من السياسيين على تأسيس حزب التنمية القومي الذي شارك تحت رايته في الانتخابات الرئاسية لعام 1997 وهي الانتخابات التي حل فيها ثالثاٌ. تمكن الرئيس أراب موي من الفوز بتلك الانتخابات وحل ثانياً في الترتيب مواي كيباكي. كانت تلك المرة الأولى التي يترشح فيها رائيلا أودنقا لمنصب رئيس الجمهورية ، وإن ظل عضواً بالبرلمان الكيني طوال فترة نشاطه السياسي. بعد أن فشل أودنقا في الفوز بمنصب رئيس الجمهورية اندمج حزب التنمية القومي الذي كان يقوده في حزب كانو الحاكم. غير أن أودنقا اختلف لاحقاً مع الرئيس موي عندما اختار الأخير أوهورو كينياتا ليخوض باسم الحزب الانتخابات الرئاسية في عام 2002. انشق أودنقا عن الحزب وساهم في تكوين ما عرف باسم ائتلاف قوس قزح القومي الذي ضم عدداً من الأحزاب المختلفة ، وهو الائتلاف الذي وقف إلى جانب مواي كيباكي خلال الانتخابات وتمكن كما هو متوقع من هزيمة أوهورو كينياتا وحزب كانو الذي ظل يحكم البلاد منذ استقلالها في عام 1962. في عام 2007 قرر رائيلا أودنقا أن يجرب حظه مرة اخرى بعد أن سعى لتكوين تحالف قوي ، فقرر منافسة الرئيس مواي كيباكي في الانتخابات الرئاسية تحت راية حزبه الجديد الذي أطلق عليه اسم الحركة الديمقراطية البرتقالية والذي يعرف اختصارا باسم الحزب البرتقالي ، وقد فقد أودنقا الانتخابات المشكوك في نتيجتها بفارق ضئيل في الأصوات. أوضحت تقاريرالمراقبين أن الانتخابات تميزت بالكثير من التجاوزات مما ألقى بظلال من الشك على صحة نتائجها ، وأعقبتها أعمال عنف عنصرية لم تشهد البلاد لها مثيلاً من قبل شملت كل أنحاء البلاد من أدناها إلى أقصاها وراح ضحية لها المئات وتشرد بسببها الآلاف. كانت استطلاعات الرأي التي سبقت إدلاء الناخبين بأصواتهم تؤكد فوز الحزب البرتقالي بقيادة أودنقا ، كما شكل الحزب الكتلة الأكبر داخل البرلمان مما اعتبره البعض تأكيدا للشكوك حول صحة الانتخابات. تمثل الانتخابات التي ستجري في مارس القادم الفرصة الأخيرة لأودنقا لتحقيق الحلم الذي ظل يراود خياله كل هذه السنوات. ولا غرو أن يكون أودنقا على رأس قائمة الطامحين للرئاسة في استطلاعات آراء الناخبين ، فالرجل يسنده تاريخ ناصع في السياسة الكينية استعرضنا طرفاً منه أعلاه. عرف أودنقا دائما بأنه إصلاحي من الطراز الأول وكان وراء العديد من الإصلاحات التي شهدتها الحياة السياسية الكينية بدءاً من إنهاء نظام الحزب الواحد وحتى إجازة الدستور الجديد في عام 2010. كما عرف عنه أنه مناضل صعب المراس يعمل بجد من أجل تحقيق الأهداف التي يؤمن بها ، وقد كلفته صراحته الشديدة في بعض الأحيان الكثير. وقف في وجه نظام اراب موي ومحاولاته من أجل تمديد فترة حكمه حتى اتهم بالتخطيط للانقلاب ضده ، وهو أمر يثبته في مذكراته الشخصية. كما كان خلف فوز مواي كيباكي بالرئاسة في انتخابات عام 2002 ، ويقول مؤيدوه أن برنامج الأحزاب التي ترأسها كانت تحمل دائما رؤى قومية تتجاوز القبلية التي صبغت النظام السياسي في البلاد منذ استقلالها في عام 1963. غير أن كل هذه الميزات لا تعني أن طريق أودنقا نحو الرئاسة ممهد ومفروش بالورود ، فهناك الكثير من العقبات التي تقف بينه وبين المنصب الرفيع. ولعل أول هذه العقبات هي أن أودنقا وبالرغم من جهوده المتواصلة لم يتمكن من إزاحة القبلية عن الساحة السياسية الكينية ، وباعتباره أحد المنحدرين من غرب البلاد فإنه يعاني ضعفاً واضحاً في المناطق الشرقية. سعى أودنقا عبر تاريخه السياسي لتجاوز هذه المشكلة عن طريق خلق التحالفات مع سياسيين وزعماء من تلك المناطق ، ولعل آخرها ما أشارت له الصحف الكينية من محاولات للتحالف مع بعض مسلمي الساحل. شهد التحالف الذي كونه اودنقا خلال انتخابات 2007 تصدعاً في الآونة الاخيرة بسبب مطامح عدد من أبرز أعضائه في المنصب الذي يسعى من أجله أودنقا. سعى عدد من هؤلاء من داخل تحالفه وخارجه للعمل على إحباط آمال أودنقا ، فقاموا بتكوين ما عرف بمجموعة السبعة. ولعل الذي دفعهم لذلك هو الاعتقاد السائد بأن أودنقا وعبر علاقاته الدولية أوقع بعدد من منافسيه وعلى رأسهم أوهورو كينياتا وويليام روتو في حبائل محكمة الجنايات الدولية بغرض إبعادهم عن طريقه نحو الرئاسة. وتشير الأنباء مؤخراُ إلى أن اجتماع عقد هذا الاسبوع بين أودنقا وروتو وعد فيه الأول باستغلال علاقاته الدولية لإنقاذ روتو من براثن مدعي المحكمة الجنائية لويس أوكامبو مقابل دعمه لحملة أودنقا الانتخابية. ولعل أكبر الخسائر التي مني بها أودنقا في صراعه مع مجموعة السبعة هو أن الرجل الثاني في حزبه البرتقالي موساليا مودافادي والذي كان من المتوقع أن يكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس استقال من منصبه وانضم للمجموعة. ورغم أن انسلاخ مودافادي يعتبر ضربة قوية لمطامح أودنقا إلا أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن أودنقا وبما عرف عنه من دهاء سيستغل هذه الفرصة لتحسين شكل تذكرته الانتخابية باختيار شخصية ذات نفوذ من شرق كينياإذ أن مودافادي ينحدر من نفس المنطقة التي ينتمي لها أودنقا. كما أن ذهاب مودافادي قد يقود أودنقا للإعلان عن برنامج إصلاحي أكثر جرأة لكسب تأييد الناخبين ، ولعل التصريحات التي أدلى بها الناطق الرسمي باسم أودنقا مؤخراً تشير لذلك حيث قال أن القضية الأهم في البلاد الآن ليست هي - كما كان في الماضي - الانتماء القبلي بل الفوارق الهائلة بين الأغنياء والفقراء. وغني عن القول أن ما يقارب العام يفصلنا عن الانتخابات الكينية في مارس 2013 ، وأن هذه الفترة ستشهد تحركات محمومة من جانب المرشحين قد تغير الصورة تماماً. بالنظر للتركيز الكبير على القضايا الداخلية في الانتخابات الكينية فإن السياسة الخارجية التي قد يتبعها أودنقا في حالة فوزه لا تبدو واضحة المعالم في الوقت الحالي ، غير أن توجهات الرجل الاصلاحية والتحررية وعلاقاته الوثيقة مع الغرب قد تحكم سياسته المستقبلية تجاه السودان. ولا شك أن التصريحات التي صدرت عن أودنقا حتى الآن تؤكد دعمه لآلية المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة في المنطقة ، وقد سبق للرجل أن انتقد زيارة الرئيس البشير إلى كينيا في أغسطس 2010 للمشاركة في احتفالات توقيع الدستور الكيني الجديد. كما أن تصريحات أودنقا بعد عودته من الولاياتالمتحدة مؤخرا تظهر تحيزاً واضحاً لموقف حكومة جنوب السودان في نزاعها مع الشمال ، فقد قال أن على المجتمع الدولي أن يفرق بين المعتدي والمعتدى عليه مؤكداً أن جنوب السودان دولة صغيرة وضعيفة ظلت تتعرض للاضطهاد من جانب جارتها الشمالية. Mahjoub Basha [[email protected]]