معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    محمد وداعة: الجنجويدي التشادى .. الأمين الدودو خاطري    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق بأثر رجعي...ومسمار جحا: التسعة مليون برميل يوميا!!
نشر في سودانيات يوم 24 - 12 - 2011

بعد تحرير العراق من الأمريكيين والبريطانيين والبولنديين..و، و..يحق للعراقيين أن يحتفوا بذلك، ولم لا وقد قدموا الكثير من التضحيات مليون ونصف من القتلى، نصف مليون معاق ومشوه جسديا، خمسة ملايين يتيم، مليون أرملة، خمسة ملايين مهجّر في الخارج والداخل، مدن وأحياء وقرى مدمّرة وبنى تحتية بحالة مذرية.!!
لقد كانوا مع القدر في 9 أبريل 2003م!! حينئذ فجأة قرر الأمريكيون التخلص من صدام حسين بعد أن طردوه من الكويت ثم أغلقوا عليه في قفص حديدي منذ 17 يناير 1991م، عنوانه حصار اقتصادي الزيت مقابل الغذاء وحظر طيران تضرر منه الشعب العراقي مباشرة!! قرروا إزاحة صدام بعد ثلاثة عشرة عاما وشهرين وأثنين وعشرين يوما بالتمام..فلماذا كل هذا التأخير؟؟ ولقد سبقت الإطاحة بصدام بنصف سنة كاملة استعدادات لوجستية داعمة في دول الخليج المجاورة لجنوب العراق لاستقبال مئة وخمسين الف جندي أمريكي بكامل عدادهم وعدتهم العسكرية وأنسى الأرتال الإضافية القوات البريطانية اثنا عشرة ألفا ومعها القوات الحليفة بولندة الخ!! ومع ذلك، قبل الهجوم على العراق نشَّط الأمريكيون في لندن حركة "علاقات عامة" مكثفة مع المعارضة العراقية - سنية وشيعية، ولكن بشكل أكبر مع المعارضة الشيعية وروجت الصحافة الأمريكية وذنبها العربية أن التخلص من صدام دافعه إنقاذ الشيعة في الجنوب العراقي، ولم تفهم هذه الخطوة الدعائية الاستباقية إلا في مرحلة لاحقة حين دمغوا المعارضة العراقية الشيعية على أنها وبطلب منها هي التي استجلبت الاحتلال وأسقطت صدام!! وبهذه الخدعة الصغيرة ضرب دخان كثيف على "رغبة" أنظمة الخليج في إزاحة صدام تعاونا مع "الكفار"، وعتم الإعلام الخليجي والعربي المقطوع اللسان على الدعم الخليجي اللوجستي الحقيقي!! لولا دعم أنظمة الخليج اللوجستي العسكري لا تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها غزو العراق عسكريا..يصبح من المستحيلات!! لا بل روجوا أن إيران تحالفت مع واشنطن..وإلا لماذا لم تحارب مع الشعب العراقي الغزاة!! استخفاف لا بعده أستخفاف بعقول العرب البسطاء!!
لا علينا، كان الهدف الرئيسي من القرار الأمريكي المفاجئ التخلص من صدام ونظامه في 9 أبريل 2003م هو إنقاذ عملة الدولار!! هذه العبارة هي الأهم في هذه المقالة، بينما كل التفصيليات الأخرى هي صدى أجوف وردود أفعال للسلوك الأمريكي المعلن...وليس المبطن، تبناه وتقمصه السياسيون والإعلاميون ببلاهة على مسرح العمليات!! فاللاعبون لا يستغرقون أنفسهم في هذه الحقيقة المبطنة لأنهم يجهلونها وإذا عرفوها تكون في وعيهم من المجردات، يتجاوزونها ويتمسكون بأوهامهم الذاتية، وحساباتهم المذهبية والأيديولوجية والطائفية – وفي غالب الأحوال تغليب مصالحهم الشخصية!! وأجزم أن معظم الشعب العراقي لم يتوقف كثيرا لكي يفهم في العمق اقتراح بول بريمر كأن يصبح الدولار هو العملة الرسمية للعراق!!
لقد نزلت عملة اليورو للأسواق العالمية في الأول من يناير من عام 2002م، وبعد سنة، وتحت ذريعة إزالة العصفور السجين في 9 أبريل 2003م، ذهبت واشنطون بنفسها إلى دول الخليج وجلست على حواف آبار البترول حتى لا تتحول هذه الدول لعملة اليورو في بيع زيتها!! تهديد مباشر!! وأعطت للمعنيين لأصحاب الأبار إشارات علنية وسرية أن مجرد النطق بعملة اليورو يجعلهم في خبر كان!! وهكذا بالتلويح العسكري والتهويش بصدمة الديموقراطية وفرضها على أنظمة الخليج (هل تذكرون محاضرات كوندي في الترويج للديمقراطية في العواصم العربية!!) أذعن الشيوخ لكي يستمروا في شراء الدولار الأمريكي مقابل زيتهم!! وإذا لم يشتروا بزيتهم الدولار الأمريكي فلماذا تحتفظ بهم أمريكا؟
ولم يكن حال العراقيين مع حرج انهيار الدولار الأمريكي وإن لم يدركوا ذلك في العمق سوى: مصائب قوم عند قوم فوائد!! فتحت شعارات دخانية مثل إنقاذ الشيعة والأكراد من بطش صدام تمت أزاحته ولم ترغب واشنطون سوى إنقاذ دولارها..بالسيطرة على دول الخليج!! كتب أحد المتحذلقين السودانيين أضغاثا ولم يدرك قصة السلوك الأمريكي في العمق وإن لقب نفسه بدكتور، يقول في بعض كتاباته: (إن الاحتلال استخدم من قبل العراقيين كغلالة رقيقة يحاولون بها ستر شرور أنفسهم وسيئات أعمالهم. وها نحن نشهد مع رحيل الاحتلال انكشاف المستور وبداية حملة أخرى لتصفية الحسابات على أساس طائفي- عرقي بغيض). ولم يقصد بألفاظه الغائمة سوى طارق الهاشمي المطلوب للقضاء العراقي لولوغه في دعم عمليات قتل وإرهاب لهدم الدولة القائمة!! فالتهمة متوقعة وليس خبرا جديدا، الكل يعرف أن يديه ملوثة بدماء العراقيين وهو نائب رئيس الجمهورية!! الأفندي الذي جند نفسه لأمثال حارث الضاري، رغب كذلك أن يلقى بعض الظلال وكأن العراقيين سيئون بالفطرة!! ولعله صدق أقوال الحجاج بن يوسف الثقفي الذي يمجدونه في الأدب السني باستخفاف في الشعب العراقيين!! لا يدرك الأفندي الملتصق بدائرة الإسلاميات أن الشعب العراقي من أعظم الشعوب العربية، ولم يسأل لجهله الأكاديمي السؤال التالي: هل حين أسقطت واشنطون صدام حسين ونظامه هل ورغبت واشنطون وأنظمة الخليج قيام دولة عراقية يحكمها الشيعة في المنطقة؟ قطعا لا وألف لا. لأنه مفهوما إذا أزيل نظام صدام وقام نظام ديموقراطي ليبرالي في العراق فلن يقوم إلا على ليبرالية وستمينستر – والأخير هو اسم الكلية التي يعمل فيها الباحث السوداني!! وأي مبتدئ في الجغرافيا السياسية يفهم أن سكان العراق العرب الشيعة لا يقلون عن 66% من السكان!! ففي أول انتخابات ديموقراطية ليبرالية ستكون لهم الأغلبية بلا منازع – هذه بديهية معروفة مسبقا للأمريكيين والخليجيين!! إذن لابد أن تكون هنالك سيناريوهات وأجندة خفية لمعالجة إزالة صدام..هذه المقالة تشرح ذلك.
حين يضع المحلل السياسي هذه الحقيقة أعلاه أمام عينه يدرك أن حبس صدام ثلاثة عشرة عاما في قفص حديدي مرده هذه النقطة أعلاه لا غير – شبح قيام دولة يحكمها الشيعة إذا أخذ عصاه ورحل!! وحقا لم يعرف الأمريكيون كيف يحلون هذه المعضلة فالبديل الديموقراطي الليبرالي لنظام صدام البعثي لا يكون إلا لصالح العرب الشيعة!! لم يكن لدى الأمريكيين وقتا يضيعونه في معضلة صدام، لديهم أشياء أهم من صدام مثل الاستحواذ على التركة السوفيتية من 1991م وصاعدا، فمهمة إلحاق دول الكتلة الشرقية التي تفككت بالفلك الأمريكي والغربي، وإسقاطهم أو تكبيلهم جميعا بديون غير قابلة للسداد الخ كان هدف إستراتيجي أهم من صدام ونظامه...لذا وضعوه في قفص أو ثلاجة لوقت آخر!! وهذا يفسر لماذا سجنوه في قفص ثلاثة عشرة عاما وشهرين وبضعة أيام!!
إذن واشنطون قررت إزالة النظام العراقي السابق بسبب رغبتها في إنقاذ الدولار بشكل رئيسي، وبشكل ثانوي حماية الأنظمة الخليجية من شراسة صدام الذي أنقلب على كافليه الإقليميين، لابد إذن أن واشنطون وأصدقاءها حين حان وقت إسقاط النظام العراق صنعوا سيناريوهات خفية حتى لا تصعد الشيعة للسلطة عبر نظام ليبرالي ديموقراطي، فحواه باختصار: إسقاط النظام البعثي وتركيب نظام آخر سني "عسكري" عبر انقلاب – وبالطبع انقلاب سني!! وهذا الانقلاب العسكري لا يتم تركيبه على سنام السلطة العراقية إلا بعد صنع فوضى أو حرب أهلية طائفية، ولن يحدث هذا الانقلاب قبل أن توصف دولة النظام العراقي الجديد بالدولة الفاشلة failure state – وبالفعل طبل الإعلام العربي والخليجي كثيرا في هذا الاتجاه!! ولكن الإعلام الخليجي في وادي والمعركة الأرضية في وادي آخر، لقد أدرك الأمريكيون مبكرا على الأرض إنهم في ورطة وليس في نزهة – وأن كل الوجود الأمريكي وأرواح الجنود الأمريكيين والبريطانيين مرهونة بفتوى واحدة من السيستاني!! بل الشيعة أنفسهم قمعوا جماح مرتضى الصدر من منازلة الأمريكيين من أجل قيام دولة ديموقراطية رغما عن أنف أصحاب سيناريو الحرب الطائفية!! ومع ذلك لقد تلقى البريطانيون في البصرة ضربات موجعة صمت عليها الإعلام البريطاني والمقاومة الشيعية معا – فهربت لندن قبل واشنطون من جحيم العراق!!
هذا السيناريو للغرابة بالمجموع يرضي طموح الطرفين، الخليجي السلفي والأمريكي الغربي!!
تم إعداد المسرح العراقي بنفس الكيفية التي نراها اليوم فعلوها في ليبيا ويفعلونها في سوريا – باختلاق حرب أهلية، أرتال من السلفيين الحربيين من كل أنحاء العالم تم دفعهم نحو العراق..وفتحت لهم خزائن الأموال الخليجية، وإسناد ودعم تسليحي ولوجستي وإعلامي خليجي (الدور الذي قامت به قناة الجزيرة تحت إدارة العميل الأمريكي وضاح غضنفر!!)، بينما الدعم الأمريكي العسكري واللوجستي لهؤلاء السلفيين الغزاة كان يدار بخفية والقيادة الأمريكة هي التي تدير خيوط اللعبة حين حلت جهاز المخابرات العراقي بكامله ما عدا "قسم إيران" Iran desk وهو الجهاز البعثي سابقا المعنى بإيران والشيعة ككل، وأمسكت بملف المخابرات بكامله ولم تعطه للحكومة العراقية الجديدة!! فلعبة واشنطون في العراق كانت لعبة نفاق مزدوجة، في العلن تدعم لفظا قيام نظام عراقي ديموقراطي بينما في السر تعمل بخفية على تعويقه وهدمه بدعم أجنحة الأحزاب السنية المسلحة (طارق الهاشمي، والجبوري والدليمي، وحارث الضاري الخ) ويأتي على رأسهم البعثيون الصداميون وحليفهم من السلفيين (السروريين) الغزاة لتقويض أية عملية بناء للديموقراطية ومؤسساتها!! وفي هذه الفوضى الدموية التي صنعتها واشنطون ولندن وبعض العواصم الخليجية في العراق توهم بعض السلفيين السذج أن الطريق أصبح مفتوحا لإنشاء نظام إسلامي (سروري) سلفي في العراق بقوة السلاح – هذه الحقيقة كشفتها تلك "الإمارات الإسلامية" التي أعلن عنها التكفيريون من فينة لأخرى!! وعموما، خدع الوافدون الأجانب من سروريين وسلفيين الذين تم تصديرهم للعراق المكون العراقي السني برفعهم تكتيكيا شعار محاربة الاحتلال الأمريكي (!) الذي جلبه الشيعة (!) للعراق (تذكر الحراك الأمريكي الإعلامي في لندن مع المعارضة العراقية!!)، فانخدعت بشعاراتهم عشائر محافظة الأنبار وسكانها السنة فدعموهم، لكن سريعا ما أتضح لسنة الأنبار بعد أن أخذت دورة التفجيرات دورتها في العراق واستهدفت أرواح العرب الشيعة إن هؤلاء السلفيين (السروريين) الأجانب خدعوهم، ويستهدفون في الحقيقة أخوتهم العراقيين الشيعة وليس القوات الأمريكية – فكانت ما يسمى بصحوة العشائر العراقية!!
كان العراق مستهدفا بحرب أهلية وكان بالإمكان أن تشتعل هذه الحرب الأهلية الطائفية في العراق – ولكن المرجع السيد السيستاني أفشلها حين أفتى للشيعة بحرمة دماء العراقيين العرب السنة!! هذه الحقيقة أعترف بها بعض السياسيين السعوديين حين قلب الإعلام الخليجي صورة الوضع في العراق وأصيب بهستيريا حين فشلت الخطة الكبيرة لإشعال حرب أهلية وأدعى هذا الإعلام أن الشيعة هي التي تذبح السنة – هذه الحملة قام بها أيضا القرضاوي كما يفعل هذه الأيام بصدد إسقاط النظام السوري!! قال السعوديون: على السنة أن يشكروا السيد السيستاني في العراق الذي حرم دمائهم، ولولا ذلك لأنقرض العرب السنة عن بكرة أبيهم في العراق!!
السيناريو الأمريكي الخليجي في العراق اعتمد أسلوب المعايير المزدوجة وكان مكشوفا للعرب الشيعة بكل أطيافهم، كبيرهم وصغيرهم ومرجعياتهم، وسياسينهم الخ وقد أفشلوه حين تجنبوا الحرب الأهلية والطائفية بل حاربوها وحموا أخوتهم السنة، ثم دعموا الديموقراطية وصمموا على قيام نظام ليبرالي ديموقراطي بأسنانهم ودمائهم – رغم كل مآسي المتفجرات السلفية، وحين دعت قيادات العرب السنة مقاطعة الانتخابات (حارث الضاري وشركاه السروريون..الخ) صوت الشعب العراقي (الشيعة 66% والسنة العرب الديموقراطيين17% والأكراد 17%) في أول عملية اقتراع تحت تهديد التفجيرات السلفية التكفيرية، ودعاوى المقاطعة السنية التي ربطت نفسها بالأجندة الخليجية والبعثيين الصداميين..داخل وخارج العراق – ورغم ذلك لم ترعب المتفجرات الشعب العراقي الذي نال أعجاب كل شعوب العالم بإصراره المضي نحو الصناديق، نحو الحرية والديموقراطية والكرامة!! لقد كان واضحا منذ البداية، رغم كل التزوير الإعلامي العربي والخليجي، أن العرب الشيعة والسنة الديموقراطيين والأكراد رغبوا في قيام دولة عراقية ديموقراطية، بينما كانت نسبة ضئيلة من العرب السنة العراقيين يمثلهم الصداميون وبدعم من الخليجيين والأمريكيين لا يرغبون في دولة ديموقراطية!! هذا بالرغم من تنازل الشيعة للعرب السنة ب 17% من سلطتهم أو قوتهم السياسية في أول تشكيل حكومي ديموقراطي لخلق وفاق وطني عراقي، ورغم ذلك لعبت الأحزاب العراقية السنية الفاعلة لعبة مزدوجة أدخلت رجلا مشاركة في الحكومة الجديدة ورجلا أخرى في دعم الخطة الأساسية لتخريبها وتعطيلها، أي هدم الدولة الجديدة، وهو الهدف الرئيسي في أجندتهم السرية، فقادوا عملية الهدم سرا وبخفية عبر مليشياتهم المسلحة والاغتيالات والتفجيرات – وأخيرا وصل الاتهام في هذا الأيام إلى طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي يدافع عنه الأفندي البريطاني!! "الدولة العراقية دولة طائفية" كان أهم شعار أو أهم سلاح لهدم الدولة الجديدة روج له إعلام الدول الخليجية الرسمي والأحزاب السنية العراقية المسلحة التي وقفت في وجه التغيير التاريخي!! وكذلك قاطعت الجامعة العربية (الأمريكية!) الدولة العراقية الوليدة وامتنعت جميع الدول العربية من إرسال سفرائهم للعراق الجديد..الخ دعما لشعار "طائفيتها" من أجل محاصرتها وتهديمها حتى يمكنهم دمغها بالدولة الفاشلة failure state!!
والسؤال الآن هل فعلا الدولة العراقية "دولة طائفية"؟ وهي النقطة التي أثارها الباحث البريطاني كثيرا ولون بها عبارات مقالته. وقد أغضبه بقاء وصمود الدولة العراقية بشموخ وقد أنتصرت على إعدائها المحليين والإقليميين والدوليين!! وأكثر ما أغضب الأفندي هو وقوف الدولة العراقية بقيادة نوري المالكي مع النظام السوري المطلوب رأسه خليجيا وبريطانيا هذه الأيام!! "طائفية الدولة العراقية" هي النقطة التي دفعتنا للرد على الأفندي البريطاني!!
ما يجهله الأفندي البريطاني أن معظم تكوين سكان العراق قبائل عربية، أقحاح، من بكر ومضر الخ وتشيعوا لآل البيت منذ صدر الإسلام، بل تعايشوا مع أخوتهم السنة في محبة ووئام حتى دخل عليهم فيروس الوهابية فمزقهم، فمثلا وعلى سبيل المثال لا الحصر قبيلة شمر نصفها شيعي ونصفها سني وينطبق حالها على بقية القبائل العراقية. ويعتبر العراق تأريخيا شيعي وتعتبر الكوفة بشكل خاص عاصمة الشيعة أي عاصمة الإمام علي بن أبي طالب مثلما كان الشام للأمويين ودمشق عاصمة معاوية بن أبي سفيان بن حرب!! وقديما كان العراق الشيعي عصيا على جميع الخلفاء والملوك الأمويين والعباسيين وانتهاءً بالعثمانيين!! وكمثال، أشتهر المتوكل في حكمه (232-247ه) دون سائر الخلفاء العباسيين بكراهيته للإمام على بن أبي طالب وأهل بيته وكراهيته لشيعتهم، وهذا ما يعرف في العقائد بالنصب، وهو ضد التشيع، وقد أمر المتوكل العباسي بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام سنة 236ه وما حوله من المنازل والدور، ونادى في الناس من وجد هنا بعد ثلاثة أيام سجن في المطبق (سجن مشهور)، واتخذ ذلك الموضع (ضريح الحسين) مزرعة تحرث وتستغل. وأكرم المتوكل العباسي بن حنبل، وكان لا يولي القضاء إلا بعد مشورته، وكانت ولاية يحيى بن أكثم رئاسة القضاة مكان ابن أبي دؤاد عن مشورة بن حنبل!! (يحي بن اكثم أشهر اللواطيين في الدولة العباسية والتاريخ الإسلامي، كان قاضي قضاة الخليفة المأمون أيضا). وهذا المتوكل على "الشيطان" ضج من العراق الشيعي ومن معارضة الشيعة وأئمتهم له لمجونه وفسقه، وقد وصل حال أخلاق المسلمين في طوال الخلافة العباسية قمة الانحطاط الأخلاقي على يد الخلفاء العباسيين ووزرائهم وقضاتهم..حتى أصبح اللواط ومعاشرة الغلمان ليس فقط فعل اجتماعي مقبول، بل حتى إنهم أدخلوه في صلب الدين والتصوف كنوع من الاتحاد بالله!! كل هذا الفساد وقف ضده أئمة أهل البيت وعلمائهم وشيعتهم!! أضف إلى ذلك، ان نفوذ الأتراك السلجوقيين كان يزداد يوما بعد يوم، مما دفع الماجن المتوكل أن ينتقل بعاصمة الخلافة إلى دمشق كرها في شيعة العراق - ليستعين بأهل الشام متقفيا أثر معاوية والأمويين - ولكنه لم يتحمل البقاء بدمشق، فعاد إلى بغداد ومكث حينا حتى قتله أبنه المنتصر ومن معه من ندمائه وغلمانه في جلسة مجون وخمر وفسق، وقذف بجثة أبيه في دجلة فأراح واستراح!!
فقول الأفندي البريطاني بطائفية العراق والدولة العراقية الجديدة (مرده للعنف السياسي الذي بدأ من الخمسينيات) قول ضعيف، وكذلك رأيه أن (طائفية العراق هي ردة فعل لنظام صدام حسين الدكتاتوري) يعكس حجم علمه الذي لا يتجاوز ما يكتب في الصحف اللندنية عادة!! فعبارته تكشف جهله بتاريخ العراق وإنه شخص أبعد من العلمية، ولا يصدر إلا من عقلية طائفية لاواعية!! فالأفندي وغيره يعتقدون أن السنة أو أهل السنة والجماعة هم نقطة القياس – ويعتبرون إن كل ما هو ليس بسني فهو طائفي!! بينما كل تاريخ العراق منذ صدر الإسلام وحتى سقوط صدام عام 2003م يعكس العقلية السنية الطائفية التي لا تقبل بالآخر سياسيا أو دينيا أو فقهيا!! ولنسأل الباحث البريطاني المزور: إذا حكمت الأغلبية العربية وتمثل 66% من شعب العراق، وهي العرب الشيعة، عبر نظام ليبرالي ديموقراطي فلماذا وكيف يصبح العراق فجأة طائفيا!! هل المفروض ان يحكم العراق السنة فقط كما هو معمول به في البحرين مثلا حيث يحكمه السنة ولا يمثلون في البحرين سوى3% - ألا يعتبر الوضع السياسي البحريني وضعا طائفيا أو بالأخرى نكتة؟ إلا إذا أعتبرنا الأسرة الحاكمة في البحرين أسرة سوبر اي من طينة أرقى من طينة الشعب البحريني!! بل الأفندي هو الطائفي، وهو أدرى من أي شخص آخر بحكم ارتمائه في حاضنة الأخوان المسلمين والسلفيين اللندنيين، ويدرك أن عدم استقرار العراق سببه السعودية التي لن تتركه في حاله (وستستمر في إرسال السروريين والسلفيين لذبح العراقيين) ليس لأنه كما يزعم سعود الفيصل أن عروبة العراق في خطر، بل لأن العراقيين في العهد الجديد يستطيعون أن يقفزوا بإنتاج البترول بأعلى من تسعة ملايين برميل في اليوم، ولو فعلوا ذلك لانتزعت الشيعة من السعودية كرتا دوليا قويا وسط " المجموعة الدولية" التي يعرفها الأفندي جيدا!!
في الفقرات التالية من المقالة سنحكي للأفندي البريطاني وغيره أن السنة العرب العراقيين لا غيرهم (لا يتجاوزون 17%)، وهم منذ 1920م وحتى سقوط صدام 2003م حكموا العراق وحدهم ونقول وحدهم لا غيرهم!! حكموا بشكل حصري ومستفرد على حساب حقوق الأغلبية الاجتماعية والسياسية (العرب الشيعة) والقوميات الأخرى وعلى رأسها الأكراد، والكلدانيين والأشوريين وحتى الزنج العراقيين - وللمفاجأة خرج هؤلاء الأخيرين بحركة مطلبية على أنهم أقلية مضطهدة ومحتقرة وتعامل من الدرجة السفلى كمواطنين عراقيين!! هذا رغم شعار الدولة القومية التي يرفعه حزب البعث – وكان أحرى على حزب البعث أن يحترم مكونات العراق القومية وليس احتقارها واضطهادها!! ونؤكد مرة أخرى للقراء الكرام أن الحكم في العراق منذ سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وبالتحديد منذ 1920م وحتى سقوط الديكتاتور صدام حسين 2003م هو حكم سني 100%!! ونترك جانبا الصراع التاريخي على العراق كمركز روحي لشيعة أهل البيت والعالم (النجف وكربلاء) ما بين الدولة الصفوية والدولة التركية العثمانية – فالأتراك العثمانيين مثلهم ومثل الأمويين والعباسيين في كل تاريخهم كانوا يرون في العراق المتشيع لأهل البيت ومراكزهم الروحية أعداءا صرحاء ومحتملين ومهددين لسلطانهم السياسي العثماني طوال أربعة قرون ونصف من حكمهم للعرب، فاضطهدوا شيعة آل البيت لأنهم لم يخضعوا للعثمانيين قط الخ، كما يرى العالم اليوم دول الخليج ترى الخطر السياسي على أنظمتها يأتي من الشيعة على أنها عدو!!
ففي نهاية الحرب العالمية الأولى 1918م والتي أنتهت بهزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة التركية العثمانية، ثم حين شرعت طلائع جيوش المنتصرين البريطانيين في الاستيلاء على الدول العربية التي حكمها العثمانيون أربعة قرون ونصف، نسيت الشيعة العراقية مراراتها التاريخية مع الأتراك وقاتلوا معا طلائع الجيوش البريطانية التي دخلت فاتحة للبلاد العربية ومنها العراق!! تحالفت الشيعة مع الوالي التركي وبقية الجيش التركي المرتكز في العراق وقاتلوا حتى بعد هزيمة تركيا، وقاتل أيضا الأكراد جميعهم مع التحالف التركي الشيعي..لصد دخول بريطانيا للعراق عام 1920م فكتبلور النضال في انفجار الثورة العشرينية 1920م المباركة التي أنطلقت بفتوى من الزعيم الروحي والمرجع الشيعي محمد تقي الشيرازي، وهزم الثوار العراقيون "الفرنجة" الغزاة وقتلوا عشرة ألاف جندي بريطاني ولم ينهزموا إلا بعد أن أستعملت بريطانيا السلاح الكيميائي!!
ماذا كان موقف السنة العرب العراقيين إزاء الثورة العشرينية؟
لكي تفهم هذه النقطة يجب ان ترجع إلى مسرح الجزيرة العربية، ففي عام 1902م أستولى بن سعود على الرياض بمساعدة بريطانية من الكويت 1896-1901م، ثم حروبه المتتالية من 1902م وحتى عام 1915م ومقتل القائد البريطاني هنري وليم شكسبير قائد جيش عبد العزيز في ثاني معركة ضد آل الرشيد، ثم سقوط حائل لاحقا في 1925م بمساعدة التاج البريطاني بقيادة جون فيليبي. وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى تجاذبت بريطانيا المنطقة وحثت الحكام العرب الطامعين والجدد على قوف البلاد العربية معها ضد ألمانيا وتركيا العثمانية!! وتكاثرت المراسلات والمبعوثين ما بين الرياض وبغداد، والكويت، والقاهرة ودمشق الخ وكان لعبد العزيز الدور الأكبر في تحريض رؤساء القبائل والعشائر في البلاد العربية للوقوف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية ومن ضمنها العراق!! مثلما فعل الميرغني الجد في 1884م في أستقطاب القبائل السودانية لصالح الاحتلال البريطاني ضد الثورة المهدية!!
وحين أندلعت الحرب الأولى 1914-1918م بعث عبد العزيز رسائل إلى الشريف حسين وسعود بن صالح آل سبهان في حائل والشيخ مبارك الصباح في الكويت، وأقترح عليهم عقد قمة للحكام العرب للحيلولة دون جر العرب إلى العمليات الحربية ولتوقيع معاهدة مع الدول الكبرى لضمان تقرير المصير للدول العربية – وبهذا الأسلوب الدبلوماسي لعب بن سعود ضد الباب العالي العثماني ولصالح بريطانيا وحلفائها. ولكن لم تكن الآراء متوافقة آنذاك، وكان رد حاكم حائل (بن الرشيد) بأنه سيقاتل ضد الذين يقاتلون العثمانيين وسيتصالح مع الذين يتصالحون معهم. ووصل نجد في تلك الفترة مبعوث السلطات العثمانية وقابل عبد العزيز في بريدة لحث العرب للانحياز للأتراك المسلمين، ولكن القوات البريطانية إحتلت البصرة في ذلك الوقت، وفي ذات الوقت، توجه من المدينة المنورة وفد تركي آخر لاستمالة عبد العزيز إلى جانب العثمانيين، ولكن عبد العزيز تملص من تقديم الوعود قائلا بأنه عاجز عن مقاومة الإنجليز، ولكنه وعد بعدم اعتراض نقل المؤن والذخيرة للجيش التركي عبر أراضيه.
كان الإنجليز يريدون من عبد العزيز ان يشن حربا على أمير حائل الموالي للأتراك الذي يهدد جناح الجيش البريطاني جنوب وادي الرافدين. ولما بدأت العمليات الحربية في الشرق العربي، استدعى المعتمد البريطاني في حوض الخليج برسي ذكريا كوكس مخبره شكسبير وأرسله إلى نجد، وبمجرد وصوله إلى الرياض أصر على ان يبدأ بن عبد العزيز العمليات الحربية ضد الشمريين. وتمكن شكسبير من إجراء محادثات سياسية مع عبد العزيز، فوضعا مسودة معاهدة التزم الإنجليز بموجبها بضمان مواقع السعوديين في نجد والأحساء وحمايته من الهجمات العثمانية المحتملة مقابل التزامه بمساعدة الحلفاء، وفي ذات الفترة وصل مبعوثو العثمانيين كانوا لا يزالون يأملون في اجتذاب بن سعود إلى جانبهم.
السنة العرب العراقيين، رؤساء العشائر والقبائل من الأعيان السنة، خاصة من آل النقيب الكيلاني وقفوا مع الاحتلال البريطاني، بل راسلوه قبل أن تطأ أفدام الغزاة أرض العراق ولم يكن إلا بتحريض سياسي من عبد العزيز، ثم لجؤ طالب النقيب الطامع لكي يكون ملكا على العراق وإحتمائه بالرياض حين خاف على نفسه بصفته كان ممثلا للدولة العثمانية، وأخيرا نصب الإنجليز في أول حكومة عراقية انتقالية عبد الرحمن النقيب الكيلاني كأول رئيس سني للوزراء، وكانت أول حكومة عينها برسي ذكريا كوكس بعد إنهاء بريطانيا للثورة العشرينية بالسلاح الكيميائي، وفاجأ كوكس العراقيين أن بريطانيا ستأتي لهم بملك من الحجاز!!
تعتبر حكومة عبد الرحمن النقيب الكيلاني ساذجة بسذاجة العرب وقتها، ولكن الدهاة البريطانيين جعلوا من الحكومة الأولى مخدرا لتهدئة الثوار والحانقين على الاحتلال البريطاني، وصنعوا منها جسرا للحكومة التالية التي أتوا فيها بالتركي المتبرطن ساطع الحصري الذي لا يجيد حتى نطق اللغة العربية لكي تتم اكبر عملية إقصاء في التاريخ العراقي للأغلبية الشيعة، فأضطهد ساطع الحصري الشيعة وحرمهم من التعليم، ومن المناصب، وطاردهم بصفتهم فرسا تنفيذا لرغبة أسياده البريطانيين انتقاما من الشيعة لإشعالهم الثورة العشرينية وكانوا قودها وقادتها!! وغير الحصري من ضمن ما غير أيضا المناهج المدرسية وأتي بلبناني وضع له كتابا مدرسيا يسيء فيه للإمام علي بن أبي طالب – فخرجت الجماهير الشيعية عن بكرة أبيها احتجاجا!! ولكن أخطر ما فعله البريطانيون في كل تاريخ العراق الحديث إرسائهم لمعادلة النقيب-كوكس كمنهج حكم، أن يحكم حصرا العرب السنة ويستمر عزل العرب الشيعة الأغلبية وبقية الأقليات القومية!! فكل تاريخ التطور السياسي المعاصر للعراق عمل بهذه المعادلة عبر تدخلات بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بدعم سعودي وكويتي خفي، وآخرها كان إنقلاب البعثيين الأبيض في 17 يوليو 1968م على حكومة عبد الرحمن عارف بتخطيط ودعم أمريكي سعودي كويتي!! عموما، الإحصائيات نفسها تكشف طبيعة معادلة النقيب-كوكس الخفية، وبسقوط نظام صدام سقطت هذه المعادلة فولولت العرب السنة!!
حين صرح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ومثله رئيس المخابرات السابق تركي بن عبد العزيز، ونايف بن عبد العزيز، أكثر من مرة على لإسماع العالم: "أن عروبة العراق في خطر وإنهم لن يصمتوا ولن يسمحوا بذلك!!". فهم ضمنا لم يعنوا سوى سقوط معادلة النقيب-برسي كوكس الشهيرة!! كثير من غير العراقيين يترجمون هذه التصريحات السعودية بشكل خاطئ ويفهمونها على أن نوري المالكي وبقية الأحزاب العراقية الشيعية هي فارسية الأصل، وكأن سعود الفيصل والحكم السعودي رغب أن يقول أن إيران تحكم العراق عبر عملائها الفرس أو عبر المولدين الفرس – هذه كلها أكاذيب قديمة الصقها ساطع الحصري بشيعة العراق انتقاما منهم لإشعالهم ثورة العشرين!! بينما العكس هو صحيح، الهاشميون المعممين بالسواد في إيران هم هاشميين من آل البيت ويحكمون بلاد إيران الفارسية!!
ولكن سبب العداء السعودي الحقيقي للعراق الجديد، وسبب تحالف بقية دول الخليج الخفي ضد العراق، وإصرارهم على ألا يستقر العراق، يعزى بشكل رئيسي للنقطة السابقة الذكر، فحواها: الخوف أن ينتج العراقيون في عهدهم الجديد تسعة مليون برميلا في اليوم – ويعتبر العراق صاحب أكبر فائض بترولي في العالم!! في هذه الحالة، أي إذا ضخ "نوري المالكي!!" تسعة مليون برميل في اليوم، ستفقد الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة والتحكم في سعر برميل الزيت!! والتحكم الأمريكي في سعر برميل الزيت (وهو تحكم مصطنع) تستخدمه واشنطون "آلية instrument" للتحكم في "حجم الكتلة النقدية الدولارية" في العالم (خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية)، فحين تنخفض القوة الشرائية للدولار دوليا وتهبط قيمته في الأسواق بسبب الإغراق الأمريكي لأنها تطبع منه سنويا ما تشاء وتقذف به للخارج للتعيش مجانا على قفا العالم، تتعمد واشنطون من وقت لآخر رفع سعر برميل الزيت deliberately ومعه يرتفع سعر الدولار..التفسير: مع زيادة سعر البرميل يزداد الطلب على الدولار..فيرتفع سعره أو قيمته!!
هذه "الآلية instrument" الأمريكية ليست سوى التسعة مليون برميل سعودي!! الآن يمكنك أن تتخيل أن تسعة مليون برميل أخرى عراقية في يد "نوري المالكي!!". فماذا سيحدث؟ نترك الجواب تمرين للقارئ الكريم.
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (ومحلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.