(كلام عابر) هم والصافي جعفر تلقي بريدي الالكتروني أكثر من رسالة تحمل نفس الصورة ونفس الموضوع أو التعليق .. الصورة للسيد الصافي جعفر مستلقيا على أريكة بجوار حوض سباحة وتجلس بجواره طفلة صغيرة والتعليق يقول إن الصافي جعفر "متجدع" في بيته الفخيم بعدما أودى بمشروع سندس الزراعي للهاوية، في إشارة واضحة لأشياء أخرى. كنت أتناول قضية مشروع سندس على صفحات جريدة "الخرطوم" بصفة متتابعة منذ أن كانت "الخرطوم" تصدر في القاهرة وكنت أنشر في عمودي في "الخرطوم" الذي كان يحمل نفس الاسم بعض الرسائل التي كان يرسلها لي أعضاء جمعية تكونت في العاصمة السعودية الرياض وتحمل اسم "جمعية مساهمي مشروع سندس الزراعي"، وكانت هذه الجمعية تسعى باستمرار لاسترداد رؤوس أموال أعضائها المساهمين في سندس بعد أن تبين لهم أن سندس ليس مشروعا زراعيا مثل بقية المشاريع الزراعية لأن أرضه أصلا غير صالحة للزراعة ولأنه واجه وسيواجه معضلة التربة والري، فأرض المشروع مرتفعة وتنحدر من الشرق إلى الغرب مما لا يمكن من وصول المياه إليها من النيل الأبيض ، وبالفعل فشلت كل المعالجات المكلفة لحل مشكلة الري والتربة مما يؤكد عدم إجراء دراسة جدوى متخصصة للفكرة قبل تنفيذها أو أن الدراسة لم يؤخذ بمؤشراتها وكانت النتيجة هي الحال الأسيف الذي انتهى إليه مشروع سندس. السيد المهندس الداعية الصافي جعفر، الذي كان مديرا عاما ومتصرفا أوحد في مشروع سندس وأحسبه مازال كذلك، لأني فقدت الاهتمام بمشروع سندس منذ سنوات مثلما فقده أعضاء جمعية المساهمين أنفسهم،السيد الصافي رجل وهبه الله سبحانه وتعالى البلاغة واللسان الحلو الذي يقطر شهدا وعسلا وكان ذلك مدخله لإقناع الآخرين بشراء مزارع في مشروع سندس أرض الأحلام التي ستوفر للمالك ليس الأرض الزراعية فحسب ولكن كل متطلبات الحياة مثل المستشفى والمدرسة وروضة الأطفال والمسجد ومراكز التسوق والمستشفى والمدارس وكافة الخدمات ، ولم يغفل مخططو المشروع احتياجات ما بعد الموت فخصصوا مساحة للمقابر ، يمعنى أن المشروع يوفر للمساهم الفرصة الذهبية لأن يجمع بين العمل والسكن في منطقة عصرية حديثة تتوفر فيها كل الخدمات بعيدا عن ضجيج العاصمة وازدحامها، فتزاحم كثير من المغتربين لاستثمار مدخراتهم في سندس ، وبعضهم كان بلا مدخرات فباعوا منازلهم التي تشكل كل حصاد غربتهم وقدموها مهرا لجنة سندس الموعودة تحت سحر كلمات الصافي جعفر وجاذبيته الآسرة ، واخذت السنوات تمسك بأعناق السنوات حتى حانت لحظة الحقيقة المؤجلة، واكشتف هؤلاء أنهم اشتروا قصورا على الورق، فسندس أصلا وادي غير ذي زرع واسترداد رؤوس أموالهم أصعب من "لحس الكوع" إذا استخدمنا لغة هذه الأيام. شاهدت السيد الصافي جعفر قبل أكثر من عشر سنوات في فندق فخيم في مدينة الدمام، شرق المملكة العربية السعودية، وكنت قد ذهبت إلى هناك استجابة لدعوة جاءتني ويبدو أنها ضلت الطريق. رأيته تلك الأمسية يسوق بضاعته ببراعة شديدة وفصاحة لسان وحلاوة كلمات، ولكن لم تستهوني الفكرة يومها ، ليس لأني أمضيت سنوات من عمري دارسا وممارسا للتسويق، ولكن لأنني لم أكن أملك يومذاك، ولا في أي يوم من الأيام، فائض مال يتجاوز أولوياتي لأهبه لسندس أو لغير سندس. لم تعجبني تلك الأمسية المقارنة التي أجراها السيد الصافي جعفر بين سيدنا يوسف الصديق عليه السلام و(الإسلاميين) في السودان، فقد قال وهو في نشوة إقبال الدنيا عليه وذهاب حظ الكرام، واستغفر الله لي ولكم وله، أن سيدنا يوسف خرج من السجن للحكم تماما مثل الإسلاميين في السودان الذين خرجوا من السجون لقصر الحكم، فالأصل أن نقتدي بسير الأنبياء عليهم السلام لا أن نتطاول عليهم ونشبه أنفسنا بهم. ولم يعجبني كذلك تفسيره لبعض آيات سورة يوسف بما يتناقض مع تفسير الثقاة من العلماء ومن بينهم الشيخ متولي الشعراوي، طيب الله ثراه، وهذه مواضيع أخرى لا تتسع لها هذه السطور. أما لماذا أقحم السيد الصافي سيرة سيدنا يوسف في موضوع تسويق سندس وبيع الأسهم للراغبين في الشراء، فقد بدا ذلك استجابة لطلبات منظمة من بعض مريديه وعارفي فضله من الحاضرين في قاعة الفندق. وكل ذلك لا يبرر، في اعتقادي، تداول البعض على الإنترنت لصورة خاصة للسيد الصافي جعفر وهو آمن مطمئن في قصره أو منزله بجوار طفلته، وهي صورة عادية ليس فيها ما ينتقص منه، وأستهجن هذه الطريقة في الخصومة أو إدارة الاختلاف. نختلف مع ممارسة وطرح الصافي جعفر، نعم لكن لا شأن لنا بداره وشئونه الخاصة، و في نفس الوقت لا بد من القول بعد كل هذه السنين الطويلة من الفشل المتكرر والانتظار والوعود، بأن يخضع مشروع سندس ،وقد أصبح قضية رأي عام ونموذجا لمشاريع الأفيال البيضاء، لا بد أن يخضع لمراجعة مهنية ونزيهة تبدأ بجدوى المشروع الاقتصادية والفنية وتتقصى في مختلف أوجه صرف الأموال التي دفعت الدولة قدرا كبيرا بجانب ما دفعه المساهمون ومن بينهم معمر القذافي الذي لم يخفي امتعاضه من المشروع ومن القائمين عليه عند زيارته الوحيدة له قبل سنوات مضت. وحتى تتم مثل هذه المراجعة التي لا بد أن يكون ديوان المراجع العام طرفا أصيلا وفاعلا فيها، وحتى يتم توضيح الأشياء و "التجاوزات"، كما يسمونها،إن وجدت، وحتى تتم تسمية الناس بأسمائهم، فسيظل السيد الصافي جعفر موضع حسد الكثيرين على ما هو فيه من سعة في الدار وفي الرزق. (عبدالله علقم) [email protected]