لبسوا ثياب الحداد بفرحة تخرجهم لينضموا من غير عويل لبيت العزاء الكبير المقام للصامتين فى الشارع الخامد. ينتظر فى طابور طويل لسراب وظيفة يحسبها العاطل منبعا لطموحه حتى إذا جاءها وجد مخادعا بإسم الله يقف له بالمرصاد فى مطب التمكين ليزحلقه مع المتزحلقين. كم ركعة فى صلاة الجنازة؟. سؤال معاينة مباغت لا يمت للموضوع بصلة من سفيه حلم و لمّاع جزم لا يعرف قدر نفسه ناهيك عن الألف من كوز الدرة. ولكنه يعرف كيف يرضى سيده إبن الكوز لأنه لم يتعلم تلك الوقاحة إلا من أفواه التافهين. التحكم بأضلاع مثلث دمار الشعوب من الجهل والفقر والمرض حسب الطلب ليظل كل شئ محلك سر كسكون الشعب الفضل. تحجيم الإمدادات الفكرية والمعرفية التى تغذى العقول لتتبكم، وقطع ألسنة العقول التى تتحدث. فهذا التجهيل المتعمد والمقصود للشعب هو منهج من مناهج الإسلاميين للتمكين والذى طبق فى عهدهم الإتقاذى. إستراتيجية بعيدة المدى لتعضيد كوادرهم وتلقينهم أفضل أنواع العلوم ليتميزوا هم ويرموا بقية الشعب بفتات التعليم وكامل التعتيم وبغاث تأليمهم ليقبع في بساطته وعنفوان استكانته. ضحية من إحدى ضحاياهم يمشون في جنازاتها من مؤتمرات وسمنارات وغيرها. العقل السليم فى الجسم السليم، حكمة لكن قبلها العقل الحر فى الجسم الحر. فالتعليم ليس هبة أو تصدق ولا منة أو تشدق؛ التعليم يأتي من الحرية أولا؛ فلا تعليم بلا حرية. "مدينة زويل الثورة وصقيعة زول الإنقاذ"... لقد تحدثت من قبل عن "مدينة زويل الثورة وصقيعة زول الإنقاذ". فرغم ما تعانيه مصر الثورة من عدم إستقرار تام وتدافع عاشقين ومدمنين ومرضى ومجانين السلطة على مركب الحكم فإن الحرية والديمقراطية ستقدم التعليم للجميع بالمساواة. فمن أهم ثمارها هو إطلاق الحريات وإتاحة فرصة النقد والإلهام لأفكار جديدة لبناء الإنسان وذلك لإقامة دولة صحيحة ترتكز فى التقدم على الإنسان أولا. فالعلم هو المحك وهو أساس النهضة والطريق الصحيح لتحقيق تنمية حقيقية وإزدهار مستدام. ان مشروع مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا الذي تحدثنا عنه من قبل يسير على قدم وساق ليكون منارة علمية في مصر وجسر للأجيال الناشئة ليواكبوا من خلاله تطور العالم و ينطلقوا بعدها إلى شمس المعرفة. المشروع من بنات أفكار العالم المصري أحمد زويل الذي حاز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999. أما نحن فى عهد الانقاص فمنذ 23 عاما يتعرض الإنسان السوداني لأكبر كارثة بتجويع عقله بعد إرهاق بدنه بالجرى وراء لقمة العيش، وإفقار مخه قبل إفراغ جيبه بالغلاء، وذلك كله لتكبيل عينيه وجعل شفتيه ذابلتان فى حقول العلوم ومستسلمتان فى معارك المعرفة حيث أقصى أمانيه الإبتهاج بالرقص على أشلاء الثقافة. قفلت فى هذا العهد المشئوم مدارس عريقة كانت منارات ومدن زول مثل خورطقت وحنتوب وخور عمر تختلط فيها كل الأعراق والإثنيات السودانية من غير جهوية ولا قبلية ولا عنصرية لتنصهر هذه السحنات وتتشكل صيغة من معدن قومى يسمى أنا السودان. حتى النشأ لم يسلم. 140 ألف طالب في مرحلة الأساس في العاصمة "المثلثة" فقط - ناهيك عن الأقاليم - لا يتناولون وجبة الفطور!!. لماذا تترك الحكومة (التى جاءت غصبا) المسئولية لمنظمات لإطعامهم. إذا كانوا هؤلاء الطلاب لا يجدون ما يسد الرمق فما بالك من جوع العقول. وإذا افترضنا أن بينهم نوابغ فهل سيجدون فرصة ليشقوا دربهم فى العلم فى هذه الظروف!!. حكا صديق لي إن أول الشهادة السودانية في أوائل التسعينات وكان من احد الأقاليم يدرس بكلية الطب وكان نابغة وعبقري ولكنه يقضى يومه كاملا على "سندوتش" واحد فقط!!. فبالتأكيد كان بتمها موية!!..الموية بت نقط!! وبالطبع قبل الجمرة الخبيثة. أما الجامعات فحدث ولا حرج. لايهم النوع المهم الكم، لا يهم الجودة المهم الدعاية، لا يهم مستوى الطلاب المهم تأهيل الكوادر. تدنى مستوى الخريجين وبالرغم من ذلك إستمرت السياسات. فتحت كميات من الجامعات الهوائية التى شيدت بأصوات قيقم وشنان لتضاف لرصيد الإنجازات الفراغية والمشاريع الفارغة، فصارت فى بيتنا جامعة كما بكل لفة. والمال أصبح سيد حيث يأتى إليه العلم وليس العكس. لا معيار إذا للنجاح و التفوق والتميز، المعيار هو كادر إسلامى موالى لركوب الموجة والإلتحاق بسوق الوظائف أو يبعث للخارج لأوربا وبرطانيا لزيادة التأهيل. أما البقية، إلا ما رحم ربى، فهى جيوش من العاطلين تتخرج سنويا تركت فى صقيعة الجهل للمتدنى من التعليم ان لم يكن أرذله ومن ثم صقيعة البطالة، فالمحظوظين منهم الذين يجدون حافلة او ركشة يمتطونها. ولكن العلم يرفع بيتا لاعماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف... ألا توافقونى الآن أن الطغمة الإسلاميين الأطهار التى تحكمنا غصبا جاءت بافحش أنواع السياسات برمى الشعب فى صقيعة الجهل ومن ثم صقيعة البطالة، وزجه فى نصف الكوب الفارغ من المعرفة لتسطيحه بهدف ضمان إستكانته وعدم إنتفاضه و ثورته. فإذا بماذا تفسرون الشعب الذى خرج عام 1964 و1985 لم يخرج حتى الآن..!!. لاحظ معى تزايد عدد حاملى الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراة وبرفسورات (على شاكلة خريطة السودان بقت أجمل بعد إنفصال الجنوب). فالجاهل عدو نفسه ونصف المعرفة أخطر من عدم المعرفة أصلا. إذا عملية سجن العقول و قتل التفكير وتغييب الأفكارونفى البحوث هو تخطيط ممنهج للإسلاميين لرمى الأذهان فى بيوت أشباح الجهل وتجريدها من أسلحتها ومن ثم جلدها بالأفكار المسمومة لتفزيعها. وذلك كله لإزكاء روح الخمول الذهنى ليترك حبل العقل على غارب الأوهام والدجل، فيسهل خداعه والتحكم فيه وبالتالى يضع الشعب نفسه فى خانة الشعب الطيب الصبور، وهو المطلوب إثباته. ستذهب الإنقاذ بإذن الله ولكن سيبقى إرث الجهل الحضارى والتخلف الشامل فى كل المناحى ملازم لنا وذلك ليأتى من جديد سفهاء أحلام وشذاذ أفق آخرون بإسم الإسلام يخدعون هذه العقول التى ضربت عليها المسكنة. ولذا فإن حرية العقول هى المفتاح وقوة الفكر هو النجاح وزيادة المعرفة هى السلاح والتعليم كلمة السر وطريق الصلاح لينتشر الوعى ويعم الفلاح. فالنحرر أنفسنا من شاطئ القهر ومرسى الإستبداد ونفرد أشرعة التفكير لنبحر بسفن العلم والمعرفة للخلاص من فتنة الإسلاميين وظلمة الإنقاذ.