مثلما تختبر الأجيال في استحضار ماضيها وعض النواجذ في حفظ إرثها، كذلك تظل هذه الأجيال عرضة للمساءلة في حضرة التاريخ عماذا فعلت إزاء حاضرها وما استبصارها للمستقبل وما ينبغي أن تدخره للأجيال القادمة.. فالوطن ليس مجرد قطعة أرض تظلها سماء .. نفيد من خيراتها..نحترب فيها أو نصطلح. لو كان الأمر كذلك لاستبدلنا الوطن الملتهب عشقه بين ضلوعنا في أولى المحاط التي توفر لنا الغذاء والدواء والأمان! لكن فلسفة الأوطان تظل عصية على الإدراك، شيء هو الإلفة وطقوس تقترب من طقس العبادة. ونحن –أبناء وبنات الأجيال الحاضرة- شاء قدرنا أن نرث العاصفة ، وأن نحلب ضرع المستحيل غذاء لنا وللأجيال القادمة. ورثنا حرباً يشنها جيش وطني – هكذا يقال – على مواطنيه طوال خمسين سنة إلا من هدنة عشر سنوات ريثما تستحضر فيها حيلة سياسية جديدة في فن تخدير الشعوب ، وتكف فيها المدافع عن الدوي ثم يعود القصف، وتعود حروب الإبادة من جديد. الإخوة والأخوات قادة وأعضاء الجبهة الثورية السودانية .. إسمحوا لنا أن نحييكم بفرح العاجز، ونشوة من يعرف حين يراكم ويلقى خبر معارككم العسكرية والسياسية أن الخط الذي سرتم وتسيرون عليه هو الطريق الذي يجب أن نسلك لكي تعود الروح إلى شعبنا على ما تبقى من تراب وطنه الأم. إن الرصاص وحده لن يمحو جوعا ولا مسغبة ، ناهيك أن يبني الرصاص مدرسة أو مستشفى. لكن رصاصة يحرسها الوعي ، وتوجهها حنكة عمل سياسي مقتدر ستصيب الهدف حتماً، وتجعل شعاع شمس فجر الحرية يكسو الوهاد. وأنتم بدأتم من حيث انطلقت الثورات الكبرى في عصرنا..بدأتم من حيث الكم العريض للإنسان صاحب المصلحة في قيام الثورات..بدأتم من حيث أقعي الظلم وجثم..بدأتم من الهامش، من حيث المظلمة والجوع والعطش والجهل والمرض. وأول ما ترثونه – وحتماً إنكم ورثتموه – محبة الملايين من أهلنا في الهامش : جنوب قديم وآخر جديد..غرب عرف حرب الإبادة وصمد في وجهها ، شرق إنسانه أقوى إرادة من شم جباله وشمال ووسط فتحت أذرعها للقادمين إليها هربا من الجحيم. وطنكم كله صار هامشا.. وعليكم أن تحسنوا فن القيادة. أنتم الآن تديرون دفة حرب الدبلوماسية بحنكة آسرة!! لذا وجب أن نفرح بثورة في طريقها لسن الرشد إن لم تكن قد بلغتها بالتأكيد. معكم نحن في ميدان المعركة – وإن نلتم أنتم شرف أن يحمل المرء روحه في كفه هدية للوطن تحت وابل الأنتنوف! معكم نحن في معارككم الدبلوماسية التي تخوضونها اليوم من غرب الأطلنطي (بلاد العم سام) مرورا بالقارة العجوز (أوروبا) وانتهاء بنا ، نحن الفخورون بما أنجزتم من مكاسب في السياق الدبلوماسي ستجعل تجار الحروب في بلادنا يفكرون ألف مرة قبل أن يقصفوا من عل أطفالا يستذكرون الدرس في كهف بجبال النوبة أو رهط صبايا يحتطبن ما تيسر من حطام قرية آمنة بدارفور جعلوها أثرا. وأخيرا..هل يفهم البعض هذه الكلمات على أنها تنحو منحى التحريض؟ إجابتي: وما دور الكتابة في ما نحن فيه من مذلة وتعاسة وغيبوبة وهوان إن لم يكن دورها التحريض؟ تحية ..وإن تأخرت قليلا بفعل سوء خدمات البريد..أقول لهؤلاء: الإخوة: مالك عقار، عبد العزيز الحلو، ياسر عرمان ،د. جبريل إبراهيم ، عبد الواحد محمد النور ، نصر الدين الهادي المهدي ، التوم هجود. محمد أبو آمنة ومني أركو مناوي..كله تمام يا فندم!