تعجبني فكرة رواية "المتشائل"، وهي رواية ساخرة من تأليف الروائي الفلسطيني إميل حبيبي، وبطلها هو سعيد ابي النحس المتشائل، وهو من عرب فلسطين. واستخدم حبيبي كلمة مشتقة من التشاؤم والتفاؤل، وورد في تعريف الرواية في الوكيبيديا "خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: من أنا؟ أمتشائم أنا أم متفائل؟. أقوم في الصباح من نومي فأحمده على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن "الأكره" منه لم يقع". هو حالنا اليوم في كل السودان، وفي الوسط الصحفي بشكل خاص؛ وما فرحة بعضنا بقرار رفع الرقابة الأمنية والقبلية على الصحف، إلا دليل على ذلك، مع أننا كلنا للأسف، نعلم أن خروج الرقابة عبر الباب، لا يعني أن رأسها القبيح لا يزال مطلاً عبر الشباك، ثم تعود مرةً أخرى، وبعد مضي أيامٍ قليلة عبر الباب والشبابك معاً. هذا غير؛ وجود عدد من الصحفيين والكتاب محظورين من الكتابة، و عدد من الصحف مغلقة، بعد سحب تصريح صدورها، وعلى رأسها "أجراس الحرية" ثم "رأي الشعب، والتيار وصحف انجليزية أخرى معطلة بقرارات سياسية وأمنية، وكثير من الزملاء في المهنة؛ يتناسون صحيفة مثل "أجراس الحرية" عند مطالبتهم بعودة الصحف المحظورة، أننا نفرح بانتصارات صغيرة، مثل ذهاب الرقابة، وهي لن تذهب، وستبقى بطريقة أو أخرى، بما في ذلك الرقابة الذاتية، ورقابة (الروموت كونترول)، والأجدى لنا هو أن نركز على تغيير كل البيئة التي تنمو فوق أرضها، وفي مناخاتها فيروسات الرقابة. ثم أن الغاء الرقابة في هذا التوقيت، يظل مسألة مثيرة للانتباه، لأن النظام يتعرض لهزائم عسكرية متوالية في جبهات القتال، والأزمة الإقتصادية تحاصره، والاحتقان السياسي والإجتماعي يوشك على الإنفجار، وهو ما يجعلنا نتساءل، كيف يلغي النظام الرقابة الأمنية على الصحف، في وقت يعلن فيه التعبئة، وحالة الطوارئ ؟. وكيف تختفي طبول الظلام "ضباط الرقابة" والليل يزداد حلكةً؟. إن قرار رفع الرقابة، هو "خطوة تكتيكية" لن تستمر طويلاً، مع بقاء الوسائل الأخرى مثل مصادرة الصحف بعد الطباعة، أو تقديم الصحفيين إلى المحاكم ببلاغات كيدية، بالإضافة إلى ضغوطات الإعلان، ومدخلات صناعة الصحافة، وكل ذلك، مربوط بتوازنات القوى داخل النظام. إن علي عثمان محمد طه، صاحب القرار، ومن معه من بعض الجيوب الأمنية التابعة لرئيس جهاز الأمن السابق صلاح قوش يريدون بقرارهم، في هذا التوقيت، تصفية حسابات مع الجناح العسكري بالسماح للصحف بتوجيه انتقادات للجيش، ولوزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وقيادة حملة ضده لإقالته، وهو ما يضعف الجناح العسكري الذي يقف فيه عبد الرحيم حسين وبكري ونافع علي نافع إلى جانب عمر البشير. ولكن ربما لا ينجح طه في مسعاه، وتعود الرقابة في أي وقت، أو يستعد الجناح الآخر لإدارة معركته بطريقة أخرى، وفي كل الأحوال علينا ألا نكون مثل سعيد أبي النحس، لو أغلق النظام صحفاً، قلنا لا تزال هناك صحف تعمل، ولو مُنع صحفيون من الكتابة، نقول أسماؤنا ليست بينهم، ولو رفعوا الرقابة حنبقى في هذا الهامش من الحرية، دون أن نتوقع مصادرة الصحف من المطابع، أو اعتقال الصحفيين، وقبل كل ذلك "اعتقال بلد بكامله".