البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغييب المرأة السودانية عن المشاركة في صناعة واتخاذ القرار السياسي
نشر في سودانيات يوم 17 - 08 - 2013


،
لندن، المملكة المتحدة
في البدء أحيي وأشكر "منبر السودانيين المهمشين " على استضافتي لتقديم هذه المساهمة المتواضعة مني في تطوير عمل المعارضة السودانية في المجال الذي خُصِّصَت له هذه الأمسية. كنت أتمنى أن تكن مقدمة هذه المساهمة من عناصر القوى المهمشة في السودان لأنها حينذاك ستطرح لنا، بالضرورة، تجربة أكثر خصوصية وغني بشأن تهميش المرأة أكثر من تجربة أي امرأة أخرى مثلي قد ينظر إليها على أنها منتمية إلى أهل المركز أكثر من أهل المناطق المهمشة. ذلك فضلاً عن أن هنالك الآن حاجة حقيقية لتدريب وتصعيد وتمكين العناصر الشبابية النسائية المنتمية لقوى التغيير المهمشة، خصوصاً.
مساهمتي الحالية تشتمل على أربعة محاور هي: 1. ماذا أعني بصناعة واتخاذ القرار السياسي؟ 2. ماذا تعني أحقيّة وصلاحية المرأة لصناعة واتخاذ القرار السياسي؟ 3. ما هي العوامل التي أدت إلى تغييب قطاع المرأة النوعي عن ساحة العمل السياسي والعسكري المعارض في السودان؟ 4. تقديم توصيات عامة أرى أنها ستساعد على معالجة إشكالية التغييب التي نحن معنيين بها اليوم.
ماذا أعني بصناعة واتخاذ القرار السياسي؟
القرار السياسي، عموماً، يتم اتخاذه، على مستوى التشريع، لصياغة برامج وسياسات واستراتيجيات وتكتيكات وأدوات عمل من أجل إنفاذ تلك البرامج والسياسات. ذلك يتم، بصورة دارجة، في سياق أي نظام ديمقراطي برلماني بدولة ديمقراطية. والمسؤول عن اتخاذ القرار السياسي في تلك الحالة هي مؤسسات الحزب السياسي الذي يستلم السلطة، عبر صناديق الاقتراع وبالأغلبية الميكانيكية، كحد أدنى. والطرف الآخر المعني باتخاذ قرارات سياسية تشريعية في معادلة النظام الديمقراطي البرلماني هو الحزب، أو الأحزاب، الحاصلة على الأقلية الغالبة من الممثلين لها في البرلمان. أما في الأنظمة الدكتاتورية الشمولية، مثل نظام الإبادة الجماعية الشمولي السوداني الحالي، فعادة ما تمثل المعارضة، في الواقع السياسي، أغلبية الشعوب المتسلطة عليها أمثال تلك الأنظمة. لذا يتخذ القرار السياسي للمعارضة السياسية، في أمثال تلك الحالات، أهمية قصوى حيث أنه يتوجب عليه، عندها، طرح بديل ديمقراطي مستدام ومؤسسي بمستطاعه إحداث تغيير شامل وجوهري يؤدي إلى إنجاز دولة ديمقراطية ومؤسسية حقيقية، ولو عند الحد الأدنى من ذلك وهو حد الديمقراطية الانتخابية البرلمانية الميكانيكية.
وعند الانتقال من هنا إلى الواقع السياسي السوداني نرى أن المعارضة السودانية، بشقيها السلمي والمسلح، تدعو، في الحد الأدنى، إلى تغيير النظام الحالي ببديل ديمقراطي لأنه أكثر رقياً وتمثيلاً وملائمة لتركيبة الشعوب السودانية، بكل ما فيها من تعددية نوعية واجتماعية وثقافية. ذلك، في رأيي، يُلزِم تلك المعارضة باتباع قواعد "الحكم الرشيد" المتمثلة في الشفافية والمحاسبة والتمثيل العادل، في كل ممارساتها، خاصة ما يتصل منها بصناعة واتخاذ القرار السياسي.
سأركز هنا، لمصلحة البحث، على تقديم إيضاح موجز لمفهوم "التمثيل العادل". التمثيل العادل يعني التمثيل النسبي لكل القطاعات الحية الموجودة في الواقع الموضوعي لمجتمع ما أو آخر، بحسب ثقلها، في الأجهزة القيادية المعنية بصناعة واتخاذ القرار السياسي. ولأن قطاع النساء يشكل مكوناً نوعياً أساسياً من تلك القطاعات ينبغي، إذاً، تمثيله، بحسب ثقله الواقعي، في تلك الأجهزة. وذلك هو الوضع المثالي الذي تتفاوت مختلف الدول في مقدار بلوغه.
وفي حالة السودان هنالك مواثيق مكتوبة لبعض قوى المعارضة السودانية تنص على تخصيص نسب معينة لمشاركة المرأة في هياكلها كلها، خاصة أجهزتها القيادية. ونأخذ هنا مثالاً لذلك الشق السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان الذي حدد، في مواثيقه، نسبة 25% كحد أدنى للمشاركة النسائية في أجهزته المختلفة. ذلك على أن يترك مجال المنافسة الحرة، للنساء، على بقية المناصب، مفتوحاً، كل على حسب مقدراته وخبراته السياسية. غير أنه في واقع الأمر يبقى كل ذلك قائماً على مستوى التنظير وليس الممارسة الفعلية. والدليل على ذلك أنه في كثير من الأحيان يتم تكوين الكيانات التنظيمية عن طريق التعيين وليس الانتخاب الديمقراطي الحر. وحتى في تلك الأحوال لا يراعي التعيين تخصيص النسبة المتفق عليها بشأن النساء (25%) فيتم تجاوزها بحجة أنها "أمر شكلي" فقط وبالتالي ليس له قيمة أو أهمية كبيرة، الشيء الذي يشي لنا بالكثير عن طبيعة موقف تلك القيادات الحقيقي والفعلي تجاه مبدئي الممارسة الديمقراطية والتمثيل العادل للنساء في الهيئات المختلفة، خاصة ما كان منها على صلة مباشرة بصناعة واتخاذ القرار السياسي. وحتى من بعد كل ذلك كله يتم إظهار بعض الشخصيات النسائية، التي ليست لها علاقة بالعمل السياسي اليومي الدؤوب وتفتقر إلى التجربة السياسية الناضجة، من أمثال ربيكا دي مابيور وتابيتا بطرس، كممثلات للنساء عند منعطفات النضال السياسي للحركة.
وفي مثال آخر للمعارضة السلمية نجد أنه ليس للحزب الشيوعي السوداني شيئاً موثقاً بشأن نسبة محددة لتمثيل النساء في مواقع صناعة واتخاذ القرار السياسي إذ أن الحزب المعني يرى، ضمنياً، أن مبدأ التمثيل العادل للنساء ينبغي له أن يترك للممارسة التنظيمية المرتكزة على مبدأ "الديمقراطية المركزية". ذلك، في الواقع الموضوعي، يفتح المجال واسعاً لتحكم عناصر خارجة عن سياق مبدأ "الديمقراطية المركزية"، مثل العلاقات الشخصية والوضع الاجتماعي والانتماء العرقي والثقل الفئوي والجماهيري، في تصعيد بعض العناصر النسائية إلى مراكز قيادية بالحزب. وقد ثبت لي، من نظرة تحليلية وتجربتي الشخصية، أن تلك العناصر نفسها قد بذلت أقصى جهودها الفردية على سبيل بلوغ مناصب قيادية تستطيع، من خلالها، المشاركة في صناعة واتخاذ القرار السياسي الحزبي. ومثال على ذلك حالة د. سعاد إبراهيم أحمد التي تمكنت، بفضل تأهيلها العلمي والتخصصي، أولاً، واستقطابها لقيادات المجموعات النوبية في السودان، ثانيا، ولفئات المتعلمين والمثقفين، ثالثاً، من بناء ثقل سياسي جماهيري كبير في أوساط الحزب وأوساط المتعلمين والمثقفين السودانيين وأوساط جماهير الشعب النوبي. وبالرغم من وجود د. سعاد إبراهيم أحمد باللجنة المركزية للحزب إلا ، ذلك قد كان، في الواقع، "أمراً شكلياً في معظم الأحيان" وذلك لأنه عند لحظات صناعة واتخاذ القرارات السياسية المصيرية عادة ما تُستبدل برجل آخر لتمثيل الحزب لا يملك لا مقدراتها ولا معارفها ولا تجربتها في الحياة السياسية السودانية. وأضيف هنا أن القيادات النسائية التي تمكنت، في تنظيمات سياسية عدة، من الانفلات من شبكة الحصار الذكوري ومن ثم الوصول إلى مراكز قيادية تعرضت، بدورها، إلى كثير من التحرشات واغتيال الشخصيات وغير ذلك من أشكال العقبات والتغييب والعزل مما أدى إلى التأثير، سلباً، على أدائها، وصعوبة تدريب كوادر نسائية تخلفها وعدم اتاحة الفرصة للأجيال المستقبلية للاستفادة المثلى من خبراتها وتجربتها ومعارفها الثرة.
ماذا تعني أحقيّة وصلاحية المرأة لصناعة واتخاذ القرار السياسي؟
لم يعد ينظر للمرأة على أنها الإنسان الضعيف الذي يغوي الرجال بل أضحت تعد المرشد والملهم بالنسبة للرجل منذ قرون عديدة. وقد قال أحد المفكرين القدامى، في تصوره لكيفيات تقبل أي فكرة أو حقيقة علمية جديدة تخص المرأة، إن هنالك ثلاث مراحل تتصل بذلك. المرحلة الأولى من تلك هي مرحلة كيفية نظر الرجال الذكور في المجتمع المعني لتلك الحقيقة. أما المرحلة الثانية فهي تتصل بقبول الأديان لها. والمرحلة الثالثة، والأخيرة، تتعلق بمدى تعرف الفرد عليها. لواستخدمنا هذا التصور في مجال فكرة حقوق المرأة المتساوية يمكننا أن نرى كيفية تطور فكرة مساواة المرأة بالرجل عبر القرون. وقد ذكر عالم آخر، في هذا السياق، أن التقرير السنوي الخاص بقياس التحصيل العلمي المدرسي لدى الفتيات بالمقارنة بالصبيان يمكن استخدامه كمقياس حقيقي لمدى قدرة المرأة على الاستيعاب في تلقيها للمعرفة مقارنة بالرجل وذلك، في رأيه، أفضل مقياس من أي نظرية، أو تشريعات سماوية، لتحديد ما هو المناسب بالنسبة لها وفي ماذا يمكن توظيفه اجتماعياً. إن يكن ذلك هو الحال بالنسبة لمقدرة المرأة في مجال التحصيل الأكاديمي فمن باب أولى عليه الانطباق على مقدرات المرأة في كل المجالات الأخرى. كما ويمكن، في معظم الأحيان، أن يستخدم الإنسان العادي حسه المشترك لإدراك تلك الحقيقة. فمن الممكن لكثير من الناس، عند إعمالهم لحسهم المشترك في تقييم التعليم المزدوج، إدراك أن عدد الحاملات للجوائز التشريفية من البنات قد يفوق، في بعض الأحيان، عدد حامليها من الأولاد. كما ويمكن لأي إنسان التوصل إلى ذلك بمجرد متابعة أداء بناته التعليمي مقارنة بأولاده. ليس هنالك، إذاً، ما يثبت، في الواقع الموضوعي، أن مقدرات المرأة الذهنية تقل عن مقدرات الرجل. عليه نقول إن أي إنسان عاقل، حتى ولو كان بسيطاً في تعليمه ومعرفته، يمكنه، بأقل الجهد، إدراك أن مقدرات المرأة الذهنية والعقلية مساوية تماماً لمقدرات الرجل. بناءً على ذلك كله يغدو قبول الرجال لحقيقة مساواتهم بالنساء من صميم واجبهم تجاه الإنسانية جمعاء. ذلك فضلاً عن أنه ينطوي، في الحقيقة، على تحقيق لمصالحهم كرجال، لو هم أدركوا ذلك.
من كل ما سبق تبيينه آنفاً يتضح أن المرأة قادرة على صناعة واتخاذ القرار، سياسياً كان أم غيره، شأنها في ذلك تماماً كشأن الرجل. وقد عملت كل المنظمات الحقوقية النسائية، المحلية والعالمية، على تثبيت ذلك الحق البديهي للمرأة في كل مجالات النشاط الإنساني العام وذلك حتى تسترد حقوقها المسلوبة في العمل والأجر المتساوي للعمل المتساوي والتعليم والانتخاب والتصويت وحق المواطنة المتساوية دون أي تفرقة بسبب النوع أو العنصر أو الطبقة أو السن أو الدين أو الخلفية الثقافية. ولئن ننتقل، من هنا، إلى موضوع مشاركة المرأة السودانية في العمل السياسي- المدني والمسلح- والحقوقي في السودان سنرى أنها قد شاركت، بفعالية وجدية ونكران ذات، في كل ذلك قبل وبعد الاستقلال. لكن المشاركة في صناعة واتخاذ القرار السياسي ظلت دوماً بعيدة عن متناول يدها. وبالرغم من نجاح بعض الشخصيات النسائية السودانية في تولي بعض المناصب القيادية في السودان إلا أن ذلك النجاح جاء إما بمجهودات فردية أو ضربة حظ عشوائية أو نتيجة لضغط المنظمات النسائية والحقوقية السودانية. وللأسف الشديد حتى تلك النجاحات المحدودة وذات الأثر الضعيف لم تشمل، في عمومها، عناصر نسائية من الشعوب السودانية المهمشة، الشيء الذي حصر جل الأمر في نساء المركز. ذلك مع ملاحظة أن كل تلك الشخصيات النسائية القليلة التي وصلت إلى مناصب قيادية في السودان قد تم تعيينها وفق شروط محددة أهمها أن يكن غير مصادمات وسهلات القياد والإخضاع وذوات علاقات متينة في أوساط الشرائح الطبقية البرجوازية أو المجموعات الصفوية من المتعلمين والمثقفين أو علاقات شخصية بقيادات التنظيمات السياسية السودانية. على ضوء ذلك أضحت العناصر النسائية القيادية الحقيقية توصف بأنها "عصية على الإخضاع وغير مناسبة للتنظيم"، كما وتغتال شخصياتهن عبر تكتيكات ماكرة وتآمرية عدة تعمل جميعاً على اقصائهن عن المشاركة في صناعة واتخاذ القرار السياسي.
ما هي العوامل التي أدت إلى تغييب قطاع المرأة النوعي عن ساحة العمل السياسي والعسكري المعارض في السودان؟
هنالك عوامل متعددة أدت إلى ذلك من أبرزها عامل المجتمع وعامل السلطة وعامل الدين وعامل المفاهيم الذكورية السائدة. فالمجتمع والأسر لا تقبل، عرفياً، عمل النساء في السياسة وتنظر للعاملات في المجال السياسي نظرة دونية تتهمهم بالانحلال الأخلاقي وذلك لخروجهن للعمل العام واختلاطهن بالرجال مما استتبع إطلاق شائعات مغرضة بخصوصهن تزعم أنهن من خلفيات أسر مفككة لا أصل ولا قيم لها مما قد يؤدي إلى اتهامهن بالافتقار إلى الأخلاق والمثل والأعراف الحميدة ومن ثَمَّ إلى عزلهن اجتماعياً وحرمانهن من حقوقهن الإنسانية الطبيعية في الزواج وتكوين أسر لها شرعيتها واحترامها. واغتيال الشخصية هذا يؤدي، في حالات كثيرة، إلى تعرضهن للإهانات الشخصية والقذف والتحرش الجنسي من قبل ناشطين في المجال السياسي السوداني وفئات أخرى من المجتمع السوداني الذكوري. وحتى أسرهم نفسها تتبنى، في أحيان كثيرة، تلك النظرة الاجتماعية السلبية ضدهن خشية من أن تعزل عن المجتمع وتلصق بها شتى الاتهامات والشتائم. ذلك يدفع بتلك الأسر إلى تضييق الخناق عليهن وتقييد حركتهن في المجتمع وعملهن الجماهيري. ذلك هو الحال، عموماً، في القطاع الحضري المدني فما بالكم بالقطاع الريفي القروي والمناطق المهمشة المقفولة؟!
أما سلطة نظام الإبادة الجماعية في الخرطوم فتركز، أساساً، على تحقير وإذلال وانتهاك حرمات النساء وذلك بوسائل الاعتقال والتهديد والوعيد والتعذيب والاغتصاب وترويج الشائعات بشأن سمعة الناشطات السياسيات والحقوقيات السودانيات المعارضات، الشيء الذي أدى إلى كتم أصوات العديد من أولئك من بعد عقود من التجارب المريرة المتراكمة في سجون ومعتقلات السلطة القمعية الظلامية وابتعاد أخريات كلية عن مجال العمل السياسي المعارض. فضلاً عن ذلك تفنن النظام الإبادي في تنظيم حملات تفتيشية وهجومية انطوت على إذلال وتحقير كبير وإهانات شخصية مقذعة لاحق بها النظام نساء المناطق المهمشة وذلك لا لسبب سوى خلفياتهن القبلية واتهمتهن، وما تزال، بالانتماء للحركات المسلحة السودانية. ذلك أدى إلى التغييب القسري لنساء المناطق المهمشة، خصوصاً، عن المشاركة الفعالة في العمل السياسي المعارض بالسودان. كما ووسع الهوة بينهن وبين بقية النساء السودانيات وخلق جواً من عدم الثقة بين الطرفين، مما أدى إلى تفتيت منظمات وتحالفات عدة كانت تشكل أدوات نضال الحركة النسائية السودانية، كما وإلى افتقار كثير من مجموعات قوي التغيير الحية إلى وجود عناصر نسائية مهمشة في أوساطها. وقد تسبب مجمل ذلك الوضع في إضعاف الصوت النسائي المنادي بضمان الحقوق المتساوية للمرأة مع الرجل. ومن المآسي المفجعة، في هذا السياق، استخدام الانتهاك والاغتصاب، كسلاح حربي ونفسي، ضد الشعوب السودانية الأفريقية، بمختلف أعراقها وقبائلها، بهدف إذلالها وكسر شوكتها، على المستوى الاجتماعي والثقافي، وتقليص حجم المكون الأفريقي في النسيج الاجتماعي السوداني.
وحين ننتقل إلى الحديث عن استغلال عامل الدين الإسلامي في السياسة وأثره السلبي في النظرة إلى المرأة، عموماً، والمشتغلة بالعمل السياسي، خصوصاً، نجد أن جل النصوص الإسلامية الخاصة بالمرأة قد تم استغلالها لقهر وتهميش وتغييب دور المرأة السودانية في المجتمع والسياسة، معاً، إذ لا يزال ذلك التصور القائل إن المرأة إنسان ضعيف وغير قادرة، بالطبيعة، على صناعة واتخاذ القرار السياسي والاجتماعي سائداً في عموم المجتمع السوداني. وفكرة "الأنثى التي تقوم باغواء الرجل وإخراجه من الجنة" ما تزال تعشعش في أذهان الكثيرين من السودانيين حتى بعض من ينشطون منهم في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي. كما أن الفكرة الزاعمة أن "ولاية المرأة هي خزي للأمة" ما تنفكُّ تُرَوَّجُ في كل ساحات العمل العام. إن حصر المنظور الديني لدور المرأة في نطاق تلبية رغبات زوجها وإنجاب وتربية أطفالها فحسب قد أعاق الكثيرات من النساء السودانيات عن المبادرة والمشاركة في العمل العام وأفقدهن الثقة في أنفسهن وفي قدرتهن على صناعة واتخاذ القرار، عموماً، والقرار السياسي، خصوصاً. ذلك الوضع قد أوقع الخوف والارتعاب من "لعنة السماء" في نفوس الكثيرات من النساء اللواتي كان بإمكانهن أن يصبحن كوادر نسائية ناشطة وجادة ومؤهلة لصناعة واتخاذ القرار السياسي في السودان. ونلاحظ، فيما يخص عامل الدين، أن التعصب والتشدد المتصل بذلك العامل منتشراً، بصورة أوسع، في مناطق الريف وبعض المناطق المهمشة أكثر منه في المركز. كما ونلاحظ هنا كذلك أن الإسلام السياسي قد أفقر وعي الكثيرين ودفع بهم إلى تبني أفكار قدرية تقلل من قيمة وجدوى الفعل الإنساني وأدى بالكثيرين إلى الهوس والانهماك في الخرافات والدجل الديني كوسيلة متوهمة للخلاص من هذا النظام الإبادي بدلاً عن العمل الثوري الإنساني الجاد على سبيل التغيير.
ذلك المناخ المقبض أعان، بدوره، على تكثيف تفشي مفهوم الذكورية في التعامل مع المرأة الذي لا يرى في المرأة سوى مجرد أداة لخدمة الرجل وتلبية رغائبه وليس إنسانة مستقلة بذاتها وقادرة على صناعة واتخاذ القرار السياسي. وقد استغلت بعض القيادات السياسية المعارضة ذلك الوضع استغلالاً شنيعاً مما أدى إلى اقصاء الكثير من الكوادر النسائية الجادة والمبادرة والمؤهلة عن الساحة السياسية في السودان ووصمهن بأنهن "عصيات على الإخضاع" وذلك بالمعنى السلبي لذلك التعبير. عليه أضحى أنموذج المرأة التي يتم تصعيدها لمناصب قيادية، صورية وشكلية، في كثير من المجموعات السياسية المعارضة هو أنموذج المرأة الخنوعة الضعيفة، شخصياً وفكرياً وسياسياً، غير المستقلة برأيها وقرارها. وفي ذلك السياق قدم الكثير من النساء أجسادهن قرباناً للتقرب من تلك القيادات الذكورية عساهن ينلن مكاسب مادية أو عينية أو معنوية من ذلك، الشيء الذي أدى إلى تحول فضاء صناعة واتخاذ القرار السياسي المعارض في السودان إلى ساحة مزدحمة بالذكور وبعض الإناث الديكوريات. وينبغي علينا أن نشير هنا إلى أن هنالك بعض الظواهر المشرقة في هذا المجال المتمثلة في تولي بعض النساء السودانيات مراكز قيادية في تنظيمات سودانية حديثة معارضة مثل تنظيم حركة "حق" والحزب الديمقراطي الليبرالي السوداني وحزب الخضر وحركة "التغيير الآن". غير أن ذلك انطوى، بدوره، على تأثير ذي حدين، إيجابي وسلبي، على مشاركة المرأة السودانية في صناعة واتخاذ القرار السياسي المعارض في السودان. فما هو إيجابي في هذا السياق هو تقديم البرهان، للجميع، على أن المرأة قادرة على صناعة واتخاذ القرار السياسي. أما الجانب السلبي في ذلك فهو اكتفاء المعارضة بأولئك واعتبارهن ممثلات لجميع النساء السودانيات، باختلاف منطلقاتهن الفكرية والسياسية والطبقية والعرقية. ذلك الوضع أدى إلى نزوع أولئك القادة السياسيين المعارضين نحو التخلي عن مسؤلياتهم المتصلة بتصعيد وتمكين عناصر نسائية حزبية لها حق المشاركة الحقيقية في صناعة واتخاذ القرار السياسي المعارض. ذلك بالنسبة لحركات وتنظيمات النضال المدني السلمي. أما الجبهة الثورية فقد اكتفت، في هذا الإطار، بتصعيد رجال إلى مناصبها القيادية ولم تنشغل، بالمرة، بأمر ضرورة المشاركة الحقيقية للمرأة في أجنحتها السياسية الصانعة للقرار السياسي الثوري إذ هي لا تصعد سوى مجموعتين من النساء: مجموعة يضعونها كواجهة ديكورية فقط ومجموعة ثانية لا توكل لها إلا مناصب تخصصية خدمية مثل شؤون المرأة والطفل. وفي ذلك اقرار ضمني بأن المرأة السودانية غير صالحة وغير قادرة، في الأصل، على صناعة واتخاذ القرار السياسي في تنظيمات المعارضة السودانية المسلحة.
عاش نضال المرأة االسودانية وعاش نضال المرأة المهمشة وعاش نضال الشعوب السودانية...
توصيات عامة بشأن معالجة إشكالية التغييب
1. السعي نحو تجميع كل قوى التغيير النسائية في المعارضة السودانية في جبهة معارضة موحدة هدفها هو العمل على إسقاط النظام الحاكم في السودان والحرص، في برنامجها، على تأكيد تأسيس دولة المواطنة المتساوية الحقوق كبديل له.
2. الدعوة إلى إقامة ورش عمل تتابع وتناقش كل السياسات الخاصة بوضعية المرأة السودانية الحالية والمستقبلية.
3. تدريب وتمكين العناصر النسائية الشبابية والمهمشة وتأهيلها لقيادة التغيير السياسي في السودان وذلك عبر تأسيس منظمات مجتمع مدني جديدة تُعنَى بالدفاع عن حقوق المرأة والمرأة المُهمَّشَة تتعاون، في ذلك، مع المنظمات النسائية والحقوقية الموجودة على الساحة السودانية المعارضة.
4. تكوين مجموعات ضغط إعلامية نسائية تُبَصِّر بضرورة المشاركة الفعالة للنساء في صناعة واتخاذ القرار السياسي السوداني المعارض وتدفع بالمعارضة السودانية، بمختلف الوسائل الإعلامية الحديثة، نحو اتخاذ خطوات جادة وحقيقية على ذلك السبيل.
5. تكوين مجموعة نسائية خاصة برصد ومتابعة وتوثيق الانتهاكات الحقوقية للنساء في مناطق الحرب والمناطق المقفولة وتقديم المساعدات العاجلة للنساء والأطفال في تلك المناطق، كما وخلق قنوات اتصال مستدامة معهم والعمل على تنظيم زيارات ميدانية إلى مناطقهم.
6. القيام بحملة تثقيفية، من قبل الحادبين على مشاركة النساء الفعالة في صناعة واتخاذ القرار السياسي السوداني المعارض، لقيادات وقواعد كيانات المعارضة السلمية والمسلحة تهدف إلى رفع وعيهم بقضية التمثيل العادل للمرأة في مواقع صناعة واتخاذ القرار السياسي السوداني المعارض وتبصيرهم بما ينجم عن تغييبها عن ذلك من إضرار بالمسيرة المستقبلية لقوى التغيير في السودان.
وقد أوصى المؤتمر الألكتروني ل"منبر السودانيين المُهمَّشين"، الذي عقد في مساء يوم 11/8/2013م، بإضافة توصيات جديدة لما سبق وهي:
7. توجيه رسالة، من "منبر السودانيين المًهمَّشين"، نيابة عن حضور المؤتمر الإلكتروني، إلى كل الفعاليات السياسية السودانية الرئيسة، بجناحيها السلمي والمسلّح، تطالبهم بطرح رؤاهم، في صيغ مكتوبة وموثقة، بشأن موضوع التمثيل العادل للمرأة السودانية في هياكلهم التنظيمة القيادية، خاصة تلك التي لها صلة مباشرة بصناعة واتخاذ القرار السياسي.
8. حث منبر السودانيين المهمشين على استيعاب قطاعين من المهمشين بين صفوفه هما قطاعا النساء وغير المسلمين من أقباط ولا دينيين وملحدين وذوي ديانات أفريقية عريقة.
9. إقامة "منبر السودانيين المهمَّشين" لسلسلة من المؤتمرات الإلكترونية بهدف مناقشة ومعالجة إشكاليات التغيير السياسي في السودان والقيام بدعوة قيادات المعارضة السودانية، بطرفيها السلمي والمسلّح، للمشاركة في الحوار السياسي السوداني والإدلاء بآرائها حتى لا تتفاقم عزلتها عن قواعدها وجماهير الشعب السوداني العريضة، على أن توثق تلك المؤتمرات.
10. إقامة مكتبة توثيقية، إلكترونية وورقيّة، خاصة ب"منبر السودانيين المُهمَّشين"، تعنى بحفظ وتوثيق ونشر كل محتويات سلسلة مؤتمراتها الإلكترونية الخاصة ب"إشكاليات التغيير في السودان".
قدمت هذه المساهمة في مؤتمر إلكتروني ل"منبر السودانيين المهمشين" بتاريخ 11 أغسطس 2013م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.