مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    وزير رياضة الجزيرة يهنئ بفوز الأهلي مدني    مخاوف من فقدان آلاف الأطفال السودانيين في ليبيا فرض التعليم بسبب الإقامة    سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    ريجيكامب بين معركة العناد والثقة    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سأحكي لكم، قليلا، عن استيلا قايتانو، الطويلة!!
نشر في سودانيات يوم 24 - 08 - 2013

(هل رحلت شخوصها عن الخرطوم، أيضا؟)..
كم هو عجول، خيالي، في خلق صور في الذهن، لمن نحب ونوقر، يهم بالعبور، قبل أن يصل الجسر، تصورها خيالي، طويلة، سأرفع قامتي، بلا شك، كي أصافحها، لما سكن الحنايا، من الطول الفارع لأبناء الجنوب.
حين قابلتها صدفة، قبيل سنوات، ولا صدفة في مجاري الدهر، لكل واقعة أجل مسمى، فللدهر فتنة، في نسج الحكايات، والأقدار، كما يريد، بيده هو، وليس أنت، كأنه يصر أنه صاحب الكلمة، في تقرير مصيرك، ولقاءاتك، بل وميلادك، وشكلك، والحروب التي يهيئها لك، قبل أن تولد، كعادته دوما..
ألتقيتها في جامعة الخرطوم، أختار القدر ، (كما قلت) عمدا كلية الصيدلة، بل وتمادى في تحديد قضائه، كي نحس بأنه يرتب أدق التفاصيل بمهل، قبلا، فأختار مقعد حجري بسيط، كانت تجلس عليه، قبالة البوابة الجنوبية للكلية، في عصر شتاء بهيج، وجدتها قصيرة، نحيفة، حين قامت لمصافحتي، تنحني لها، في سجود سلام، كما تنحني في الصلاة، وكلاهما سجود مبارك، تجني مسراته، في التو، واللحظة..
لم أكن في موعد معها، القدر هو من رتب هذا اللقاء السعيد، كمفاجأة لي، وكي أحسن الظن به، بعد جفاء صغير معه، كانت تراقب، بشغف، علبة بيبسي فارغة، تجري هنا، وهناك، قربها، في حشد عظيم، في احدى احتفالات كلية الصيدلة، لغط وصراخ وأغاني، ومعارض، لم تجد، وهي تجلس في قلب هذا الحدث، سوى أنيس جميل، (نسيم وعلبة)، ما أعجب الكتاب، فوران خيالهم، يجعلهم كالمجانين؟ أم الشعراء؟ أم الرسل؟ أم الحكماء اللذين يصافحون الاشجار والحصى.
تجري العلبة سعيدة، قربها، وهي تتقلب على بطنها، كأنها برميل صغير، (أهناك نملات يلعبن به، مثل شقاوة طفولتنا؟ كلنا أمم، النمل والقمل، ونحن)، يتدحرج "برميل" الببسي الصغير جدا، في البلاط القديم، ثم يسبقه النسيم، ويعود به دون ملل ،قربها، ثم يفرا، معا، وكأنهما خافا من أسد، أو نمر (حدقت في حذائها، كان من البلاستيك، وليس جلد أسدا، أو نمر)، لم هربا سريعا؟ لا شك أحسوا بأنها تعرف لغتهم، وخجلا من كلمات الغزل بينهما،..
كانت سارحة معهما، هل رات فيهم طفل جنوبي عاري؟ سعيد؟ من يدري، بما يجول في خيال كاتبه ماهرة، وصادقة حد البكاء..
(بعدة مدة من اللقاء، قالت لي بأن هذه الأشياء "وهي تشير إلى العلبة والنسيم، وشاركتهم ورقة a3 اللعبة، حينها"، يمكن أن تلهما قصة، حين سألتها عن طقوس الكتابة، وكيف تحس بها، وينتابها ألق، ومخاض الكتابة؟)..
هي لم تعرفني، ولم أخبرها، وددت أن أعرف، كيف تعامل قرائها، والمعجبين، قرأت لها الكثير، ورأيت صورتها الباسمة دوما، وضحكت ملء قلبي، وبيكت معا، حين غرقت في (بحيرة بحجم ثمرة الباباي)، قسوة الوصف، وصدق البناء الفني، وسخرية حب، لاذعة، لنا، ولجدتها، ولثمرة الباباي، ولأثداء حبوبتها، التي تشبه الأيدي، من طولها، وكأن لها أربعة أيدي، أنها مرارة الحكي الصادق، البرئ، الجرئ، المبارك، الذي يلقي بك في أتون الحدث، بلا رتوش، وهل في الحزن رتوش؟ أرأيت ثكلى صادقة تتجمل وتتميكج في حزنها، (دعك من أحزان التمثيل والثياب البيضاء، أو السوداء في المأتم)، فالنائحة الثكلى، ليس كالمستأجرة، واستيلا، كانت ثكلى، بكل حزن، وموت، وتشريد، يجري لأهلنا في الجنوب، وفي قلب الشمال الحزين..
كان معي كتاب (زهور ذابلة)، كتبت الإهداء بخط جميل لم نحب الإهداء؟ (سمح الكلام في خيشم سيدو)، لأني رجعت اقرأ الكتاب بصورة مغايرة، أعمق، وأتم من مقابلتي لها، لأنها كانت صادقة، ومحبة للإنسان المظلوم، نائحة ثكلى، وليست مستأجرة، كما حكيت...
دفنت رأسى في أرض الأسى، وأنا اطلع على (خرائط لعوالم مجهولة) وفي "ليلة قمرية"، وحين أنهيت الكتاب، أنكرت نفسي، وأدركت بأني لا أعرف الجنوب، وتلكم طامة، كبرى، شعرت بأن الادب، يشعرك بعوالمه، أكثر من ألف كتاب في السياسية، والفكر، فلم أشعر بقضية الجنوب، ومآساه أهلها، إلا من فرنسيس ديقن، واستيلا، ونفر من كتاب، من دولة الجنوب الحديثة، بل القديمة، فقد كانت مبتورة عنا، قصدا، وعمدا، من حكام أجهل من بعير، وبارك الله في جون قرن، فقد صنع، ومع سرب من منضالين كبار، لوطنه حلما، وفتح لهم باب الرقى والحرية، وحسن الظن بالغد، شعرت بأن "جزء عزيز من السودان"، نال حريته، ليت الاقليم الآخر، يحس، ويقطف جهاد بنيه وصبرهم على الأذى، طوال عقدين نصف.
تمنيت، أن أحكي عنها، كما تحكي هي، وهيهات، بمهارة عن شخوصها البسطاء، تعرف عطسهم، وتشم عرقهم، من ألف ميل، وميل، حين كان السودان طويلا، وعريضا، "حليك يابلادي القديمة"، نحن لها، مثل ما حن سائق قندران عتيق، كتب على ظهر "قلابه"، (الله أكبر )"القديمة"، وهو يعرف ما جرى لهذه الكلمة الطيبة، من طمس، وكبر مقت، الآن، فحن قلبه للقديمة، التي كانت تعمر قلوب العباد والبلاد، والحكام، وليس ألسنتهم، والقلب منها براء، (وكبر مقتا عند الله، ان تقولوا ما لا تعلمون)!!..
من حكاياتها، الكثر، ومن عوالم (زهور ذابلة)، شعرت بأني لا اعرف الجنوبيون، حق المعرفة، وهم قربي، في تخوم المدينة، رجال ونساء وأطفال، أقرب من حبل الوريد، حسا، وأبعدهم نبضا، صورت بقلمها أوجاعهم، وهموهم، وصورت بشاعة الحكام، والأنظمة، والقوانين، وسوء الحكم القائم على الهوس الديني، وجبروته، وظلمه الشنيع، لأخوة في الوطن، وشركاء قبة سماء عظيمة، تدثرنا معا، ونيل كرم، طويل، يشق صدر دراهم، وبطن درانا، دون من أو سلوى، يتوضأ على ضفيته المسلم، والمسيحي، وأصحاب الأديان الكريمة، على طول سهله، وضفيته البارعة الحسن، الطيبة القلب، ولم يسألهم يوما، من أنت؟ ولم تدينون بهذا الدين، أو ذاك المعتقد، بل يفتح صدره، وموجه، لكل قارب، وكي يشربوا، ويرووا حقولهم، ودوابهم، وعروقهم، فما أحكم النيل، وما أطيب قبة السماء، التي جمعتنا معا، لحكمة بلغية، الإخاء النبيل، ولكن فشل حكام الحكم الوطني "مجازا"، من حقب الاستقلال، وتجلى في أبشع صورة، في حكم ما يسمى "الأنقاذ"، هذه الحكومة المنبتة، دينا،وعرفا، كأنها جاءت من عصور سحيقة في الاستبداد والجهل، والعناد المكابر، وهي تصعق كل يوم، بصوت كالرعد، لأنها كاذبة، فالصدق، لو همست به، يصل لقاع الأرض، وعنان السماء (تزول الجبال، وكلامي لا يزول)، كما قال المسيح، وقد همس به، أنه شاعر عظيم، يسوع النبي..
أغلب شخوصها، متفرجين فقط، لا حول لهم، ولا قوة، وعلى أي شي يتفرجون؟ على جلاديهم، وعلى اخوتهم، وعلى حزنهم، وأوجاعهم، يتفرجون على عدو يرفع سيفه، وقوته، وبطشه، وهم في غلبة وتمرد داخلي عظيم، يتفرجون على الكشة، وعلى الضرب والاعتقال، وعلى هزيمة نمط معيشتهم، وطرائق سلوكهم، ورقصاتهم، كل شئ محرم عليهم، حتى اللون، يسخر منه، ويمقت، أي قهرا هذا، أن كان نمط حياتي كله مرفوض، وممنوع؟ كله...
أناس، من ظلال كاليل، في قلب النهار، من الغابات المحيطة بهم، لنهار ساطع، صحراوي، قاحل، ومع هذا، لا رحمة من المناخ، ولا الحكام، حرائق لبيوتهم البسيطة، خيش وخشب، وكراتين، كلما أمر بالجريف غرب، أرى كشة، لهم، عجبى من دين لا يرحم الفقراء، والنازحين، والأسرى، من حكايات "زهور ذابلة"، رأيت الانفصال رأي العين، بل لابد منه، ولو كان كالكي، لوطن يحن للوحدة، والاشتراكية والحرية، والمساواة..
شعرت بأهمية الأدب، في التعريف بأحوال الشعوب، والاقاليم، أظنه أقرب للصدق والعمق، من السياسة، فالفن والأدب، الجاد منهم، والأصيل، يحكي قصة الشعب، كما هي، وليس كما يتراءى، ويحكيها كلها، أنين الجوعى، وخلجات العشاق، وكأن جسر الأدب، ينقل لك وصف ما يجري في القلوب والعقول، والبيوت، والضلوع، وليس نتف من تحليل، قد يطوف بك الخاطر للأوجاع، وأنت تتطلع عليه، ولكن ليس كعمق الأدب، حين تطلع عليه، وتغمرك حيوات ما تقرأ فيه،كأنه واقع، حيث العقل والقلب، ساهما في رسم الرواية، وليس العقل، منفردا، مثل ما يجرى في التاريخ المدون، من المؤرخين، فالأدب تاريخ، أكثر عمقا، وشرحا، وتأويلا، فالتاريخ يؤل، كالشعر، لأن أغلب الانفعالات البشرية، قد تأتي من اللاشعور (ألم يقل عمر لرجل، لن أحبك، حتى تحب الأرض الدم المسفوك)، فقال له الرجل، أيمعني هذا من عدلك؟ أن جئتك في مظلمة؟
فقال عمر لا، ورب الكعبة،..
فقال الأعرابي (أنما تخشى عدم الحب النساء)، ومضى، في سبيله، فالتاريخ حينا، يكون إملاء نفس، وشعور داخلي، ويحتم علينا في قراءته التريث، بل الإلتفات إلى الحدس، أيضا، في القراءات، وإلأ، كانت البطن، وملذاتها، وعضة جوها، هي أس التحليل، بل هناك تاريخ روحي، وعقاب إلهي، مثل عاد، والريح الصرصر، حتى تتعجب كيف يمضي التاريخ وقافلته، وماهي الأيدي الخفية التي ترسمه، وتصغيه، (ولكم في القصاص حياة)، فحين اتأمل مثلا (كنت نبيا، وآدم بين الماء والطين)، ألا يدل على يد خفية، قديمة، تستدرج القافلة، في شكل قوانين طبيعية، ونفسية، وروحية صارمة؟ ثم قول يوحنا، حين هم به الناس مخلصا، فقال قبيل ظهور المسيح (يأتي بعد، لأنه كان قبلي وسيكون أمامي)، فتأمل قدما، يتجاوزا حاضرا، وماضيا، ثم أتم علاقته بالمعلم، الذي لم يظهر بعد، فقال: (ولن أكون أهلا لحل سير حذائه)..
أعجب، من فتاة، أصلها من أقليم، وتولد في أقليم آخر، في ذات البلاد، وتتقن لهجته، ثم يأتي أطفال السياسة، فينزوعون جذور ذكراتها المكتسبة، إلى بلاد ذكرياتها الموررثة، ومن عجب حن قلبها لرجل من أقليم الشمال، فتزوجته، وسكنوا أقليم الجنوب معا، بل دولتهم الفتية، "جنوب السودان، حفظها من كل شر، وغل، وأسعدها، وأسعدنا بها..
لا أدري أبطال قصصها، الساكنون حكايتها، هل يؤمنون، رغم صراخهم ومقتهم لقهر الشمال، بأنفصال الجنوب؟.
وهم كانوا صرخة، وإنذار مكبر، عن الأنفصال، أو سودان جديد، أم يسخرون كعادة الشخوص الروائية، من جهل الساسة، وهم يحدقون في غيم يحج من سماء الجنوب الملبدة، إلى سماء الشمال، ونهر، تمسك كل موجة فيه بيد الآخرى، وطيور، تدخل وتمر في سموات البلاد القديمة، بحرية شخصية، حرمت منها أبنا السودان القديم، أما النسيم، صيفا، وشتاء، فهو أعظم كائن وحدودي في الدنيا، يفتح قلبه العظيم لأي شيهق في جوبا، والدامر، واو، والفاشر وطوكر، ودنقلا، ساخرا، من بني آدم، وهفواتهم، في خلق الظلم، والاستغلال، والاستعلاء، والاستبداد.
يباغتني السؤال، هل (رحلت شخصوها الروائية عن الخرطوم أيضا؟)، الشخوص التي ولدت منها، من أوجاع الخرطوم، ومسراتها القليلة، هل طردتهم قوانين الانفصال الجائرة؟ أم كأي فنان، مخلوق من مادة الحلم، رفضوا الانصياع، لأنهم لا يرون سوى أرض يشقها النيل، وتغطيها السماء، ولا أثر لزحزحة الارض عن بعضها، ولا أثر، لهواء جنوبي، وأخر شمالي، كعادة الأدب العظيم، في حب بني آدم، مطلق بشر، للحق آراهم هنا، في محطات البنزين، وفي السجون، هم هم، لم يرحلوا، رغم الجور، والهوان، وهم يحلموا بسودان أخضر، ولو بعد حين، فالأدب يؤمن بالمعجزات، كعادة ومسلمة، كل أبطالها، لا يزالوان في الخرطوم، ويحنون لخالقتهم القصيرة، الطويلة، استيلا، فمتى تعود؟ لجوبا، والخرطوم، معا؟ تلكم الحرية المطلقة.
الطبيعة تعشق بعضها، تجلس في حيميمة، الجبل مع الهواء مع البيوت، لا فراغ بينها، بل تكره الفراغ، لأنه جفاء، وحفاء، فهي تلتصق إلتصاق الجوارح في الجسم، وتحضتن بعضها، كعشاق،، وفلم قسم هؤلاء القلب السوداني؟ وأنفطر الفؤاد (قالت بأنها تبكي، حين ترى في الطريق إعلان قديم، عليه خارطة السودان القديمة)، الحديثة، بإذن الله، حين يتعالى الإنصاف والفكر والحب، بين أبناء الوطن الواحد..
الأدب، شجرة، تسقى من الدموع، والخمر، والإشراق، وأدبنا السوداني، مسقي من النيل، نيل الحب السابح بين الضلوع، في الصحراء والغابة، والسهل والجبل، أراقب أبطال استيلا، وأبطال بركة ساكن، وأبطال محسن خالد، وابراهيم اسحق، والزين، وعشمان الطرشاء، والشخوص المتعبة لأمير تاج السر، وأحس بأن تلكم الشخوص، هي الأصدق منا جميعا، في التعبير عن شكوى الباطن، وأمتعاض النفس، مما يجري، ولكن، مع هذا يجري في دخيلتها النيل، نيل الوحدة، العضوية، بين بني آدم، وبين بني آدم السمر، في بلادنا الحبيبة، يصغي الأدب دوما لموعظة النيل..
يالها من موعظة، للنيل، وسخريته المريرة من الساسة، والفقهاء، وتصوراتهم الواهنة، وأنت تتدفق بتواضع، وكرم منقطع النظير، من أعلى الجنوب، لأسفل الشمال، ورغم رشاقة قلبك، ومحياك، حفرت بمعول الرقة وادي عظيم، طويل، قديم، تحدثت عنه الركبان، وقامت على راحتي قلبك، قرى، ومدن وحضارات، وحقول، وحكايات، وأساطير..
ترى بقلبك، ولا تضل في الصحو والمنام، وفي الضوء والعتمة طريقك الأبدي، نحو العطاء، مدى الأفق..
تسقي الكلب، والفأر والغزال، والصراصير، والحقول، لا تنسى عشبة ضئيلة، وحيدة، في عتمة الليل، راع حنون، لا تحمل بيدك أي فانوس، ولا تقتفي أثر نجم، ومع هذا، حتى الجذور، في يبس الصلصال، تنغرس لها، برشاقتك الأسطورية، وتستل، برفق براعمها لبركة الحياة، ونور الشمس، بعد شهور من الانتظار الصبور، لا عجلة، أو تسرع، حريص على الإتقان، والكمال، مثل فنان أصيل.
بالأمس، رأيت طفلا من أطفالك، في أحدي قصصك الحزينة، والحزن رفيقك، في الاستتوب، يشحذ الناس، حزينا، بل أكثر حزنا، أن خالقته مضت بعيدا عنه، وتركته لجور الشمال.
من أين لك هذه الفراسة، في تفقد رعيتك، ليل نهار، وأبد الدهر؟ أيها النيل، وأيتها الاستيلا؟.
للحق عرفت الجنوب، وأحوالهم، من هؤلاء الكتاب، ونقع غبارها، شعرت بحلم الجنوب، الذي وهبه له البطل الإنساني جون قرن، ونسأل الله للجنوب مقاما محمودا، كي يعطي درسا للشمال، وعظة، وفأل، ويبعد عنه المتربصين، هنا، وهناك، من كاتبي مقالات، تضحك من غرضهم، واستعمال العقول بإلتواء سخيف، وبارك الله في سقراط الحكيم، حين قال (القانون هو العقل الخالي من الرغبة)، ليت العقول تعرف قدرها، ودورها، كي تزخرف الحياة وتخصبها، بدل أن تحيلها لجهنم أكاذيب، فالعقل هو أكسير الحياة، هو الحياة، في طبق من ذهب للقلب، المحب، الجميل...
وللحكي بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.