ملخص المشهد الآن...شباب أكملوا دراساتهم الجامعية يشعون طاقة تبحث لمن يوظفها ويستفيد منها،هؤلاء لا يحلمون بوظيفة متواضعة توفر لهم المأوى ولقمة العيش كالمعتاد أو الشيء الطبيعي الذي أصبح سقفا للترف،هؤلاء قفزوا إلى ما بعد ذلك يفكرون في الهجرة اليوم قبل الغد،ولم تكن الصورة كذلك قبل أقل من خمس سنوات،خريجون جدد لم يحملوا خبرات ولم يتلقوا تدريبا يقفون صفوفا طويلة في وكالات الاستخدام والهجرة،ومنهم من يقع في فخ الغش..الآن الكل يبحث عن مخرج من هذا البلد الذي ضاق بأهله.. مكاتب الاستخدام تشهد ما يشبه الهجمة من حملة الشهادات،من أصحاب الخبرة أو حديثي التخرج،لا يهم،المهم هو الحصول على فرصة خروج،هذا غير الذين تركوا وظائفهم عن رضا وهجروا البلد ليهاجروا ربما بلا عودة. السودان يشهد هجرة كوادر غير مسبوقة ولو أنه لم تُقدم دراسات إحصائية دقيقة حول أرقام الهجرة،لكن المعروف ان الدولة تشجع الهجرة بحجة اكتساب الخبرات والمهارات،إنها تنظر للنصف الممتليء وتتناسى النصف الفارغ،ليس بعيدا بالتأكيد أن يأتي يوماً لا تجد طبيبا،أو مهندساً أو حتى صحفياً ليكتب لك خبراً..إن كانت الهجرة اقتصرت على مر السنوات الأخيرة على الأطباء وبعض أصحاب التخصصات العملية،الآن الوضع اختلف بشكل جذري،ولم تعد تقتصر على الشباب الذين هم في بداية حياتهم العملية،حتى من اقترب من سن التقاعد بات يفكر في الهجرة..هناك اتجاه قوي من قبل الدولة لتشجيع الهجرة إن كان بجانبه المقصود بحجة كسب الخبرة،أو بجانبه الآخر،وهو سوء بيئة العمل وانعدام التدريب والتأهيل،وسوء الأوضاع الاقتصادية والمحسوبية في توزيع الوظائف، أياً كان الصورة التي أمامنا تؤشر إلى خروج جماعي من السودان،ولم تعد الهجرة مطلبا للشباب فقط بل حتى حمَلة الدرجات الكبيرة وذوي الخبرة العملية الطويلة،باتوا على قناعة ألا حلاً لأوضاعهم إلا الهجرة،خاصة بعد أن اقتنعوا أن نصف عمرهم راح في عطاء لا يُمنح قيمته الحقيقة،وليس من غرابة أن يقلل الأمين العام لوزارة التعليم العالي من هجرة أساتذة الجامعات كنوع جديد من الهجرة بعد هجرة الاطباء،فهو كغيره من المسؤولين يرى ما لا نرى،و هذا ربما يعكس سياسة الدولة تجاه هجرة العقول بشكل مجمل،آخر تقرير أعلنته وزارة الصحة كشف عن هجرة 3.000 طبيب سنويا كما كشف التقرير عن نحو 94230 سودانياً هاجروا خلال الفترة من 2012م مقابل 10032 عام 200،زيادة ضخمة في الأرقام لكنها أكثر من معقولة بقراءات الواقع الطارد،وكذلك آخر إحصائية حول هجرة الأساتذة الجامعيين بلغت "600" استاذ جامعي بمختلف التخصصات،وهذه لن تكون النهاية بل انها فقط بداية فعلية لهجرة جماعية،لا بد من إدراك حقيقة مهمة هي أن السودان لم يعد يحتمل غير فئة واحدة من بنيه..! الجريدة