كتب الصديق عثمان عامر هذا النص، الذي هو في الأصل عبارة عن رسالة شبه خاصة، قبل ثلاثة أشهر تقريبا. أنشره-أنشرها هنا بمناسبة مرور عام على مغادرتك الجسدية لنا يا أحمد. تلخيص الحديث:- (1) صَعقنِّي نَبأ موته، فلم أكن أعرفُ أنه، كَابدَ السرطان وقاومه بِعنادِ باسلِ. (2) الصاعِقة الساحقة، كانت مِنْ نِعم الإله عَليَّ، فأنجانيِّ بها مِنْ عِبءِ جَدل إحتمالات الموت والحياة، حِينَ يدورا حول بُرجّ السرطان. الله وحده يعلمُ، كم طال إنتظاري وإحتمالي، ثُمَّ تفجُعي برحيلِ أحبابي اللذين تسللوا - في زمن السرطان- مِنْ بين قبضة روحيِّ، إلي الأبد. كما كانتَ صاعقة، مِنْ، الإبتلاء المباغت، لم أتهيأ له وأستعدُ. (3) بعد موته، سمعتُ كلام اللذين حضروا طقس تشييعه. ثم قرأتُ المراثي الصادقة، الهائلة المهولة، التي توافدتَ مٍنْ كل أركان الارض، فوخزتني أسنِّة الغيرة والغيظ. كان إغتياظي، حين ظننتُ أنيِّ وحديِّ مَنْ إكتشف عبدالمكرم، فلقيتُ أن هناك الكثير معي. وأحسست بالغيرة عندما إكتشفتُ أنه لم يخصني وحديِّ بفيضِِ مَودتِّهِ، فتسآلتُ حينها: هل كان أحمد يخداعنا -جميعاً- بإضفاءِ بعض مكنون ذاته الخاصة فوق سطح مشروعه العام؟! أمْ كان يعلم، أن ينابيعيه الدفاقة، ستَرويِّنا جميعاً! شجن الحديث :- للوجدِّ والتذكر، شَجن لئيم، يطعنك بأسنِّةِ الحسرة، عندما يغمرك الحبور. وحين يُدثرِّك الأسىَّ، يُلوِّح لك بمناديل السعادة! فترتج خطاك وترتبك. هذا حدثَ لي في اليوم الذي مات فيه احمد. يوم نعاه لي، نزار عتيق، كتبتُ له أقول: أني قبل يومين، كنتُ أقرأ (أمل دنقل) بلا مقصد محدد، وصادفَ ذلك، مرثيته الحزينة، التي تذكَّر فيها صديقه، يحيى الطاهر عبدالله، وفي تلك اللحظة، تذكرتُ عبدالمكرم، الذي لم يكن قد مات آنها، وما كنتُ أعلمُ، أنه يحتضر. تذكرتُه، لِفرط حُبِّه لِهذه القصيدة، المرثية القصيرة الحجم، الكثيفة المعاني :- ليتَ "أسماء" تعرفُ أن أباها صعد لم يمت هل يموت الذي كان يحيا كَأن الحياة أبدْ ! أتذكرُ أنه، إقتطف هذه الأبيات، في ذِكرى رحيل الشيخ الجليل، محمود محمد طه. بقرينةِ، تستشف منها، سِعة الذكاء والوجدان. و(ليتَ)، أسماء محمود محمد طه، تعرف، أن عبدالمكرم قد رثا أباها، بما يستحق، في ديار الوهابية السعودية، حينما كانت صحيفة الخرطوم، تقرأ هناك. عبدالمكرم، حينما أفتتن بقصائد امل دنقل الأخيرة ( أوراق الغرفه 8)، تلك الغرفة التي أنبتتَ أجمل أزهار الشعر، وأعمقها جِذراً في جدل الحياة والموت، كمِثل الرياحين التي تطلع فوق التُرَب. حين أحب تلك الأشعار، كان في كاملِ عافيته وفُتوته. وكان- للذين لم يروه- عملاقا في طوله وحجمه. ولطيفاً في تعامله مع الناس. وقطعاً، ما كان " يعرف" أنه، سيكابد مثله، وعثاء المرض. مضى أحمد، قبل أن نلتقي ثانية، مرتَّ نحو عشرة أعوام لم أقابله فيها، وما هَمد شوقي إليه. عثمان عامر