يطالب المسلمون في دولة السودان الجنوبي الحديثة، والتي نالت استقلالها في التاسع من يوليو (تموز) الماضي، بتمثيلهم في الأجهزة التشريعية والتنفيذية، مع تأكيدهم على احترام علمانية الدولة ورفض التطرف الديني من أي جهة دينية. ويعتبر المسلمون أن صورة الحرب الجهادية التي أعلنتها الخرطوم خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب خلال الفترة من (1989 – 2005) عكست نظرة سيئة عن الإسلام لدى الجنوبيين الآخرين كادت تنسف صورة التعايش الديني الذي يشتهر به المجتمع في الجنوب. ويشدد كثيرون منهم على رفض التطرف الديني في بلادهم وأنهم مستعدون للدفاع عن الحدود ضد أي مجموعة متطرفة تستهدف الدولة واستقرارها باسم الدين. ويعيش في السودان الجنوبي نحو 31 في المائة من المسلمين من نسبة السكان ونحو 44 في المائة من المسيحيين، حيث دخل الإسلام حسب روايات مختلفة من المسلمين قبل قرون عن طريق التجار من شمال السودان وشرق أفريقيا، ولكن يظل التعايش الديني أحد المعالم البارزة في تلك الرقعة الجغرافية، حيث يعيش في بيت أي أسرة جنوبية مسلمون ومسيحيون ولا دينيين، ورغم أن جنوب السودان شهد حرب أهلية امتدت لأكثر من 21 عاما وانتهت باتفاقية السلام الشامل والتي تعرف باتفاقية سلام نيفاشا (منتجع في كينيا شهد المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية المتمردة السابقة) في يناير (كانون الثاني) من عام 2005، والذي أعطى للجنوبيين حق تقرير مصيرهم بعد 6 سنوات من الفترة الانتقالية انتهت في يوليو الماضي، وقد صوت الجنوبيون بمن فيهم المسلمون بنسبة (99 في المائة) لصالح الانفصال وإعلان دولة مستقلة عن الشمال. ويقول الدكتور سلام الحاج عبد الله باب الله عضو المجلس الإسلامي لجنوب السودان وهو باحث في الأديان المقارنة ل«الشرق الأوسط» إن الدستور العلماني الذي أقرته الدولة في السودان الجنوبي أعطى المسلمين حقوقهم كاملة. ويضيف «أنا كمواطن جنوبي قبل أن أكون مسلما فإنني أحد رعايا هذه الدولة والدستور العلماني أعطاني حقوقي كاملة ولذلك اكتسبتها من جهتين المواطنة والإسلام»، مشيرا إلى أن الدستور ينص على حرية الدين والعقيدة والدعوة لكل المواطنين دون تمييز، وتابع «إذا كان هناك قصور سيكون من المسلمين وليس من الدولة والدستور لم يمنع من نشر الإسلام ولذلك فإننا نفضل الدستور العلماني». وحول مشاركة المسلمين في حكومة الجنوب، يقول باب الله إن رئيس الدولة ونائبه ورئيس البرلمان والوزراء جميعهم من المسيحيين ولا يوجد تمثيل للمسلمين، ويتساءل «هل لا يوجد في الحركة الشعبية الحاكمة مسلم من بين أعضائها ليتولى أي منصب وزاري وهذا السؤال أيضا موجه للأحزاب السياسية الجنوبية الأخرى». ويضيف «إذا كانت الدولة علمانية ينبغي أن يتم تمثيل كل أصحاب الديانات واللادينيين فيها كما يحدث ذلك في كينيا وأوغندا والدول الأوروبية». ويتفق نائب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الأمين العام للزكاة في المجلس الإسلامي لجنوب السودان حامدين شاكرين مع ما ذهب إليه سلفه. ويقول ل«الشرق الأوسط» إن المسلمين في دولة السودان الجنوبي لديهم تعايش ديني بصورة كبيرة قد لا توجد في أي دولة مجاورة. ويضيف أن التعايش الديني موجود في الأسرة والقبيلة والدولة وممارسة الشعائر الدينية في البيت الواحد من الأمور المألوفة في الجنوب. ويعتبر أن مشاركة المسلمين في الأجهزة التنفيذية أمر ضروري. ويضيف «يجب أن يتم إعطاء المسلمين حقائب وزارية وفي القضاء والأجهزة الأخرى»، ويتابع «لا أعتقد أن حكومة الجنوب والحركة الشعبية ستتجاهلان تمثيل الجنوبيين في كل أجهزة الدولة». ويقول «نحن جزء من شعب الجنوب وقبلنا باستقلالية الدولة وبالحكومة التي تحكم وبالدستور العلماني وما نريده أن يتم وضعية لنا في الأحكام الخاصة بالأحوال الشخصية». ويدور جدل حول إمكانية تأسيس حزب إسلامي في الجنوب، لكن دستور الدولة يمنع تشكيل أي حزب على أساس ديني سواء كان إسلاميا أو مسيحيا. ويقول شاكرين إن أعدادا كبيرة من المسلمين منضوون في الحركة الشعبية. ويضيف «تشكيل حزب إسلامي قد يكون حديثا سابقا لأوانه، حيث إن دستور الدولة يحرم قيام حزب على أساس ديني». غير أن الدكتور سلامة الحاج عبد الله باب الله يعتبر أن هناك وجودا للجماعات الدينية مثل أنصار السنة المحمدية والطرق الصوفية الأخرى، وإنها تعمل بصورة طبيعية، ويقول إن الحركة الإسلامية السياسية ظهرت في الجنوب في أواخر الستينيات وأوائل السبعينات وإنها تمكنت بشكل واضح في فترة حكومة الرئيس السوداني عمر البشير التي قال إنها قامت بتجنيد الطلبة الجنوبيين في الجامعات المصرية بشكل كبير. ويضيف «عندما استولت الحركة الإسلامية على السلطة في السودان عينت كوادرها من الإسلاميين الجنوبيين أمثال موسى المك كور وعبد الله دينق نيال وآخرين في الوزارات والولايات»، لكنه وجه انتقادات لإذاعة للكوادر الإسلامية من أنباء الجنوب، حيث قال «كانت عناصر الحركة الإسلامية من الجنوبيين صغارا في السن وعديمي الخبرة والتجربة وتعاملوا مع الآخرين من إخوتهم الجنوبيين بازدراء وتعال». لكن الشيخ حامدين شاكرين يعتقد أن الجهاد الذي أعلنته الخرطوم في حرب الجنوب لم يكن جهادا حقيقيا، ويقول إن كثيرا من جنود القوات المسلحة الحكومية غير مسلمين. ويضيف «عراب نظام البشير نفسه الدكتور حسن الترابي أعلن على الملأ أنه لم يكن هناك جهاد في الأصل وفق الميزان الشرعي». وشدد بالقول «أنفي تماما أنه لا يوجد مسلم جنوبي كان ينادي بالجهاد ولا توجد مثل هذه الأفكار وسطهم». وينادي المسلمون في الجنوب بوضع مناهج تدريس الدين في المناهج التعليمية في المدارس الابتدائية والثانوية. ويقول باب الله إن الدولة سمحت بتدريس التربية الدينية المسيحية والإسلامية في المدارس الابتدائية بواقع 6 حصص في الأسبوع وفي المدارس الثانوية بواقع 5 حصص، ويضيف أن رئيس الدولة ونائبه يشجعان هذا الاتجاه. وتابع «لقد قال سلفا كير إنه لولا ممارسات دولة الشمال لكان الإسلام هو دين الجنوبيين». من جانبه يقول حامدين شاكرين إن مطالب المسلمين في الجنوب تتمثل في إيجاد سلطات قضائية تتولى قضايا المسلمين في الزواج والميراث والأحوال الشخصية الأخرى. ويضيف أن المسلمين يحتاجون إلى تعاليم دينهم واللغة العربية وأن تلتزم الحكومة بتعيين المدرسين وتشييد المدارس الخاصة للمسلمين والمسيحيين. وينتظم المسلمون في السودان الجنوبي تحت مظلة المجلس الإسلامي لجنوب السودان، لكن نشبت خلافات داخل المنظومة بسبب المناصب والمواقف السياسية والقبلية والنزاع حول الأوقاف، وقد احتدم الصراع الذي أدى إلى مقتل أحد الشيوخ واسمه فؤاد ريتشارد الذي قتل في ظروف غامضة قبل إعلان دولة الجنوب.