منذ أسابيع والسودانيون يتظاهرون. بدأوا في جامعات الخرطوم، ثم اتسعت دائرة احتجاجاتهم تدريجياً لتشمل جميع أنحاء البلاد ومختلف فئات المجتمع. خبر وتحليل إعداد سليم بدوي حركة الاحتجاجات الراهنة هي الأهمّ والأقوى في تاريخ نظام الرئيس عمر البشير منذ ثلاثة وعشرين عاماً. "إنها الثورة" – تقول مريم الصادق المهدي – فالنظام لم يواجه – برأيها – من قبل مثل هذا التصميم الذي يتحلّى به متظاهرو اليوم. ولكن، وإن كانت التظاهرات السودانية لم تبلغ بعد عددياً حجم الانتفاضات المصرية والتونسية مثلاً، إلا أنها تحمل في طيّاتها كلّ أعراض الربيع العربي. شعبٌ يتظاهر وشرطة تقمع ومعارضة تطرح مشروعاً انتقالياً بينما رأس النظام يسخر ويتوعّد. نعم، وحده الرئيس عمر البشير الذي لم يقتنع بعد بأن الشعب السوداني، لا بعض "الخلايا التخريبية النائمة"، هو الذي يطالب "بإسقاط النظام". وحده الرئيس عمر البشير الذي لا يزال يعتبر، ساخراً وجازماً، بأن لا وجود للربيع العربي في السودان. وأما الأجهزة الأمنية فمهمتها قمع المحتجين بعناية فائقة وتوقيف الصحافيين وإبعاد المراسلين الأجانب، لكي لا يرى العالم، في ما يحدث للسودان ونظامه، فصلاً من فصول ربيع العرب. وكأن السودانيين لم ينتفضوا من قبل، لا في العام 1964 ولا في العام 1985 ضدّ نظامين عسكريّين استبداديّين. وكأن السودانيين لم تحبطهم هزيمة انفصال جنوب السودان، أو لا يقلقهم السلام المفقود شرقاً وغرباً وجنوباً. وكأنهم لا يعيشون إفلاساً اقتصادياً لا بل ما يشبه اقتصاد الحرب. وحده الرئيس عمر البشير الذي لا يتوقع للحركة الاحتجاجية الاستمرار. وأما توقعات العارفين في الشأن السوداني فهي أن يصمد البشير ويقاتل حتى النهاية، لأن لا خيار آخر أمامه. فالمنفى الوحيد الذي ينتظره هي لاهاي حيث محكمة الجزاء الدولية.