الجزائر، لندن - حسين بوصالح، سليم كرم تقدمت مالي، أخيرًا، بعد أسابيع من التردد، إلى الأممالمتحدة بطلب المساعدة والدعم لتمكينها من استعادة سيطرتها على المناطق الشمالية في البلاد، والتي تسيطر عليها حاليًا الجماعات الإسلامية بأسلحتها الثقيلة، وتحظى تلك المبادرة بدعم فرنسا، فيما بدأت السلطات الأميركية التفكير في توجيه ضربات جوية على معاقل إمارة الصحراء إلى تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي في شمال مالي، بواسطة تقنية الطائرات من دون طيار. وتقول صحيفة "غارديان" البريطانية، إن هذا القرار الذي اتخذته مالي يفتح المجال أمام أعضاء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارًا باسم "إيكواس" لإرسال ما يقرب من 3300 مقاتل إلى مالي. ويوم الاثنين الماضي، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن الرئيس المالي المؤقت ديونكوندا تراوري قد طلب من سكرتير عام الأممالمتحدة بان كي مون استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح لقوة دولية "بمساعدة الجيش المالي في استرداد المناطق المحتلة شمال مالي". وكانت الحكومة في العاصمة باماكو إلى وقت قريب تتطلع إلى الحصول على مساعدات خارجية، ولكنها لم تسمح لقوات أجنبية بالتواجد في العاصمة. إلا أنها اضطرت أخيرًا إلى الاستسلام لضغوط دول "إيكواس" التي عقدت العزم على عدم السماح لحالة التدهور والتفسخ التي تشهدها مالي بالانتشار في الدول المجاورة. غير أن إبرام اتفاق يسمح بهذا التدخل لم يكتمل بعد ولا يزال هناك الكثير المطلوب عمله لإنهاء هذا الاتفاق. وتواجه دول "إيكواس" صعوبات في توفير القوات المطلوبة، وذلك في ظل الشروط المالية القاسية التي تضعها الأطراف التي يمكن أن تشارك في تلك المهمة، كما أن الكثير من قوات تلك الدول تتحمل الآن ما يفوق قدراتها. وتريد حكومة مالي أن يلعب جيشها الدور الأساسي والبارز في العمليات العسكرية، ولكنه يعاني في الوقت الراهن من التمزق، بعد الخسائر التي تكبدها في أعقاب هجوم قوات المقاومة، الذي وقع في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي. ويرى بعض المراقبين أن الأمر قد يستغرق 18 شهرًا حتى يستطيع الجيش المالي أن يستعيد قوته من جديد. وهناك استنتاجات فرنسية تقول بأنه "من الصعب استعادة المناطق الشمالية من المقاتلين الإسلاميين"، الذين يقدر عددهم بحوالي ستة آلاف مقاتل، حتى ولو توافرت المساعدة الخارجية. ولهذا فإن مالي والدول المجاورة لها تعتمد على الكثير من أشكال الدعم من جهات أخرى، وبالتحديد من فرنسا، من أجل التدريب والخدمات الاستخباراتية والشحن والمعارك الجوية. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند دعا، الأربعاء الماضي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي، إلا أن الحكومة الفرنسية ما زالت غير مستعدة للقيام بدور أكثر نشاطًا، خوفًا من اتهامها بالتدخل بهدف الاستعمار الجديد، كما أن فرنسا لا ترغب في تفاقم أزمة الرهائن الفرنسيين الأربعة، الذين يحتجزهم تنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي، شمال مالي. ووفقًا لتقارير المجموعة الدولية المعنية بالأزمات، فإن الولاياتالمتحدة تتبنى في الوقت الراهن موقفًا حذرًا، إلا أن الحكومة الفرنسية تدرك أهمية الدعم الأميركي داخل مجلس الأمن الدولي، كما أن عليها أن تقنع الروس في هذا السياق، وفيما يتعلق بالموقف البريطاني فإن بريطانيا تعي تمامًا مخاطر عدم الاستقرار الإقليمي، كما أنها قلقة بصفة خاصة بسبب التهديدات التي تتعرض لها كل من نيجيريا وسيراليون، نتيجة انتشار الجماعات الإسلامية المسلحة. وبدورها، أكدت "واشنطن بوست" أن مستشار الرئيس الأميركي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان يجري حاليًا "تقييمًا للوضع في المنطقة، بالتعاون مع وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون، ويبحث إمكان تدخل أميركي لمكافحة امتداد تنظيم بن لادن في منطقة الساحل الإفريقي". وذكرت المصادر ذاتها، أنه يتم التباحث بشأن إمكان استعمال تقنية الطائرات من دون طيار، المستخدمة عادة في مواجهة التنظيمات المسلحة، وهذا ما فعلته أميركا مع "القاعدة" في مناطق عدة، كأفغانستان، وباكستان. في السياق ذاته، صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فيتور قائلاً "ليس من المفاجئ أن يعقد البيت الأبيض اجتماعات بشأن سلسلة من القضايا ومن بينها ملفات مكافحة الإرهاب، لقد أعلن الرئيس صراحة هدفه في القضاء على تنظيم "القاعدة"، ونحن نعمل على ذلك يوميًا". من جهته، أكد أعلى مسئول في قسم شؤون أفريقيا بوزارة الخارجية الأميركية جوني كارسون، "يجب أن يحدث في وقت ما عمل عسكري" ضد المتطرفين المرتبطين ب "القاعدة"، في بلاد المغرب الإسلامي، الذين يسيطرون على شمال مالي. وتأتي هذه الخطوة مناقضة لتصريحات قائد "أفريكوم" كارتر هام بعد جولته المغاربية الأخيرة، حيث أبدى رغبة أميركا في الحل السلمي عبر التفاوض مع التنظيمات غير الإرهابية في شمال مالي، ولم يتطرق هام إلى أي تدخل على تنظيم "القاعدة" في المنطقة، وترك هذا الأمر مفتوحًا على دول الجوار.