المصدر: صحيفة «ريا نوفوستي» الروسية تؤكد أحداث مصر أن تحقيق التوازن بين مؤيدي النظام العلماني ومؤيدي "الإسلام السياسي"، أمر صعب لا يمكن أن يتحقق إلا عبر صدامات مؤلمة. فالخلافات بين التيارين ليست خلافات سياسية، وليست مجرد صراع على السلطة، كما أنها ليست مجرد خلافات أيديولوجية وفكرية، إنها حتى ليست مجرد خلافات، بل هو صراع حضاري وصدام تاريخي على جغرافية واحدة. وهو ليس مجرد صراع ثقافي، بل هو بالدرجة الأولى صراع اجتماعي بين فئتين يصعب التعايش بينهما في إطار اجتماعي واحد، حيث إن تصور كل منهما للمجتمع يختلف ويتناقض كثيرا مع تصور الآخر. ولهذا فإن التوازن والتنسيق والتفاهم بين التيارين شبه مستحيل، ومن الخطأ التصور أن المشكلة بين الأديان والأفكار العلمانية، وبالتحديد في مصر، حيث لم يكن الدين في حد ذاته محل صراع على الساحة السياسية، بل كان مشاركا دائما لكافة التيارات السياسية والأيديولوجية الأخرى، وكان دائما قريبا من السلطة السياسية. ولهذا نرى أنه من الخطأ تشبيه الصراع في مصر بالصراع بين الأفكار العلمانية والدينية الذي شهده الغرب في القرون الماضية، ولكن جوهر المشكلة في مصر يتمثل في "الإسلام السياسي" الذي هو بعيد عن جوهر وروح الدين الإسلامي الذي يعرفه الجميع في مصر، مسلمون ومسيحيون. في الساحة السياسية المصرية الآن 4 لاعبين أساسيين، هم الجيش، وفريق الليبراليين العلمانيين، وفريق الإسلاميين المعتدلين (جماعة الإخوان المسلمين)، وفريق السلفيين، وتقف وراء الفريقين الأخيرين دول وجهات أجنبية محددة ومعروفة للجميع، وهذه الدول والجهات هي الراعي الأساسي لما يسمى بالإسلام السياسي، ولهذا لاحظنا أن التطور الأخير في الأحداث في مصر بعد سقوط حكم "الإخوان"، قد لقي قبولا وترحيبا من دول عربية وإسلامية، بينما لقي رفضا واستهجانا من دول إسلامية وعربية أخرى، وهذا يؤكد لنا أن الدين في حد ذاته ليس محل الصراع. سقوط حكم "الإخوان" في مصر ليس حدثا عاديا، وليس مجرد فورة من فورات الربيع العربي، لقد دشن هذا السقوط لمرحلة جديدة من تاريخ مصر ومنطقة الشرق الأوسط عامة، لن يواصل ما يسمى بالإسلام السياسي نموه فيها، بل قد يتراجع ويتقهقر. ولا شك أن ما حدث في مصر سيكون له تداعياته وتأثيره الكبير على دول المنطقة كافة، وخاصة الدول التي ينشط فيها الإسلام السياسي وجماعات الإخوان المسلمين، ولا شك أن ما حدث سيكون له تداعياته أيضا على مسار الأحداث في سوريا، حيث يواجه النظام الحاكم هناك طوائف كثيرة من الإسلام السياسي، ومنها الإخوان المسلمون. ميزان القوى بين العلمانيين والإسلاميين في بلدان الشرق الأوسط اليوم هش وقد يشهد تقلبات. ولكي تتجنب هذه البلدان الوقوع في أتون الحرب الأهلية المماثلة لما تشهده سوريا، يجب أن تتوصل الأطراف المتنازعة إلى اتفاق، يحول أو يخفف عملية المخاض المؤلمة.