(فايز الشيخ السليك) (يا عوض افتح البلف )، هل انتهت الأزمة ما بين الخرطوموجوبا بمرور نفط الجنوب عبر مضخات وموانئ الشمال ؟. وهل استطاع الفريق أول سلفاكير مياريدت والمشير عمر البشير طي صفحات الماضي القريب، وانهاء سنوات القطيعة والتوتر ؟. هي اأسئلة تفرض نفسها بعد أن أنهي ميارديت زيارته إلى الخرطوم بعد ارتفاع جبال جليد التوتر والقطيعة بين البلدين. وخروج لقاء كير والبشير بتعهد بالتعاون المشترك والاتفاق حول القضايا الخلافية، وهي تعهدات في وجهة نظر المراقبين لا تخرج عن المفردات البروتكولية المعروفة، وجملها المحفوظة ؛ بتعهدات والتزامات لا تخرج من سياق العلاقات العامة. و كان رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت قد عبر عن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة لعلاقاتها مع الخرطوم وإغلاق الصفحة القديمة بتنفيذ كل ما اتفق عليه الطرفان في مصفوفة التعاون التي وقعا عليها العام الماضي في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا. في وقت أكد فيه البشير تراجعه بمرور النفط الجنوبي عبر أنابيب الشمال وميناء بورتسودان في تراجع هو الثاني من نوعه خلال العامين الماضيين . وقصة تراجع البشير وقبوله بمرور النفط ، أصبحت طرفة يرويها الناس في الشوارع، ومادة للسخرية من قبل رسامي الكاريكاتير " على طريقة عوض أقفل البلف، عوض أفتح البلف " في إشارة إلى وزير النفط عوض الجاز الذي تلقى تعليمات مباشرة وعلى الهواء الطلق من المشير البشير في يوليو الماضي بعد أن اتهم الجنوب بدعم محاربي الجبهة الثورية السودانية خلال هجماتها على أم روابة وأبو كرشولة. ثم مدد البشير المهلة لأسبوعين ثم اسبوعين آخرين . .لتنتهي الحكاية هذه المرة بالسماح النهائي، مع أن المراقبين لا يستبعدون حدوث منعطفات ومفجآت الطريق الشائك ، وتقلبات البشير، وتأثره بالضغوطات العاطفية من قبل المقربين منه، مثل خاله الطيب مصطفى رئيس (منبر السلام العادل ). مشيرين إلى أن البشير سبق أن ألغى اتفاقاً وقعه مساعده نافع علي نافع ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار في يونيو 2011 بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا بعد أن شن مصطفى حملات عنيفة على الاتفاقية ، ليليغيها البشير من فوق منبر مسجد والده بحي كافوري في أسوأ صور طرق إدارة الدولة واتخاذ القرارات ، وهو ما يقودنا إلى تلك القرارات التي أعلنها البشير من فوق المنابر لكنها تراجع عنها .. مثل قرارات القوات الدولية، واستمرار الحرب مع الجنوب، ورفضه للسلام مع جوبا ، لكنه سرعان ما يتراجع عن تلك القرارات. ورأى البشير أن زيارة سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان للسودان وضعت علامة فارقة في العلاقات بين البلدين ، وقال – في الكلمة التي ألقاها عصر الثلاثاء في ختام المباحثات التي جرت بين دولتي السودان وجنوب السودان- (تمكنا واتفقنا على إزالة كل العقبات التي تواجه العلاقة بين البلدين وذلك بالالتزام الكامل بتنفيذ كل اتفاقيات التعاون بصورة متكاملة والانطلاق بها إلى آفاق أرحب وتطويرها في كافة المجالات). وفيما تشتمل الاتفاقات الموقعة في أديس أبابا في سبتمبر الماضي على تسع ملفات ، إلا أن المراقبين يشيرون إلى تركيز البشير على القضايا الإقتصادية والتجارية واهمالها المتعد للقضايا الأخرى التي لا تقل أهميةً من القضايا الإقتصادية، فيما يتكهن مراقبون بأن البشير يتطلع إلى تأثير الاتفاق على الحرب في كردفان والنيل الأزرق، و أكد البشير أن هذه الاتفاقيات تتضمن انسياب نفط جنوب السودان عبر السودان والمنشآت السودانية وميناء التصدير إلى الخارج . وأضاف البشير إننا طلبنا من وزيري الخارجية في البلدين رعاية التعاون بين الوزارات حتى لا نحتاج إلى أي دعم خارجي لتطوير علاقاتنا) ,. ويرى المراقبون أن البشير يهدف إلى الحصول على عملات أجنبية من نفط الجنوب، ووقف الحرب المؤرقة لنظامه دون تقديم ثمن لوقف الحرب، أو حل القضايا المرتبطة بالحكم والديمقراطية وقضايا التهميش، وتشمل تلك الملفات ( اقامة منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود غير المرسمة والمختلف عليها ، استئناف تدفق النفط بين الشمال والجنوب لقاء رسوم تدفع الى الخرطوم لاستخدام انابيبها، و حركة الناس والبضائع عبر الحدود الدولية، أوما اتفق عليه الطرفان باسم ( الحريات الأربع). ويرى المراقبون أن ظروفاً وملابسات ، وتطورات داخلية، وضغوطات هي ، التي دفعت الطرفين إلى تفاهمات حول استمرار تدفق النفط الجنوبي شمالاً مع تفعيل نشاط الحركة التجارية بين البلدين، تتمثل في : - 1 – الضائقة الاقتصادية التي مرت بها الحكومتان ؛ ففيما تعتمد حكومة الجنوب على نسبة 98% من اقتصادها على النفط، فإن الشمال يعتمد على نسبة 75% من عائدات العملة الصعبة على النفط قبل انفصال الجنوب، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي مع تراجع الصادرات ، وانهيار الصناعة، والزراعة مع وجود خلل كبير في الموازنة بارتفاع الواردات مع تدني عائدات الصادرات . إلا أن ما تم الاتفاق حوله لن يجاوز نسبة (20% ) في أحسن الأحوال مما كانت تتحصل عليه الخرطوم في السابق. وحذر مراقبون من انهيار الدولتين ، في غياب دخل النفط ، وكان الجنوب قبل التوقيع على اتفاقية النفط في نسختها الأولى في العام الماضي علي مرمي أسابيع من إعلان انهياره ماليا، وفقا لحسابات قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي قالت عن هذا الإفلاس انه كان سيقع بين شهري أغسطس وأكتوبر من العام الماضي، وهو ما لم يحدث، إلا أن التكهنات لا تزال تتوقع الانهيار لو توقف النفط للمرة الأخيرة . فيما ينشط تجار وسماسرة المؤتمر الوطني في الدفع في العلاقات التجارية بين البلدين، ولا يخفي المراقبون تأثير التطورات في مصر على تلك الحركة نحو الجنوب، لارتباط بعض القيادات في المؤتمر الوطني بعلاقات تجارية واقتصادية ومالية مع قادة الأخوان المسلمين في مصر، وهو ما سيفتقدونه بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم. 2 – الاحتقان الشديد في كابينة قيادة البشير حول السلطة وإدارة البلاد، والتي سوف تزيد الأزمات الإقتصادية من تأجيجها، و من اتساع مساحة مواقف الأطراف المتشاكسة ، في وقت لم تسلم فيه جوبا، هي الأخرى من خلافات رفقاء السلاح، بعد أن بدل سلفاكير الوجوه القديمة والمعروفة بصراعاتها مع المؤتمر الوطني ومواقفها السياسية والفكرية والتاريخية ، وكأنه بذلك يريد ارسال رسالة إلى الجنوبيين فحواها أن التعديل الجديد سوف يمتص غضب كثيرين على الحكومة ، ولسوف يحل الضائقة المعيشية، وأن القدامى هم سبب تلك الحالة البائسة التي ظل يعيشها الجنوبيون . 3 – تطورات اقليمية ودولية تمثلت في سقوط النظام الإسلامي في مصر ، وصعود تيار مصري يرى أن وجود الإسلام السياسي في السودان سيظل مهدداً لأمن مصر ونصيراً لجماعة الأخوان المسلمين، وهو ما جعل البشير يهرول نحو اتفاق يكسب به الجنوب من جهة، ويتقوى بها مستقبلاً في وجه العواصف الشمالية المحتملة . 4 الضغوط الأمريكية على الجانبين، لأن واشنطن تريد استمرار البشير من جهة، مثلما تود استقرار الجنوب، لا سيما بعد خروج الحرس القديم من قادة الحركة الشعبية من الحكومة والفعل السياسي ولو إلى حين ، كما لا تخفي واشنطن اتهاماتها للرئيس سلفاكير ميارديت بالتخطيط لتغيير نظام عمر البشير في الخرطوم من خلال دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان والجبهة الثورية السودانية، في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ، بالإضافة إلى دفع الاقتصاد السوداني نحو الانهيار بوقف ضخ النفط الجنوبي عبر أنابيب وموانئ الشمال. ورغم كل ذلك، السودان . يقلل خبراء اقتصاديون من مساهمة هذا الاتفاق في وقف انهيار الاقتصاد السوداني ، لأنه سيعوض نسبة أقل من 20% من ما فقدته الخرطوم بسبب الانفصال، وتعاني السودان من عجز في موازنة العام الجاري يقدر بحوالي 10 مليار دولار في وقت يعاني فيه السودان من شح في العملات الأجنبية، فيما يبقى ملف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ماثلاً، لأنه ملف ( داخلي ) يهم الخرطوم في المقام الأول ، ولن ينتهي بتوقيع اتفاق مع جوبا ، ولو أعلن الجنوب عدم دعمه لرفاقه القدامى، لأن القضية ليست هي قضية ترتيبات أمنية وقتال على الحدود بقدرما هي قضية سياسية واقتصادية ، وهي قضية مطالب عادلة لسكان الهامش في تلك المناطق، مع الأخذ في الاعتبار قضية الديمقراطية والحرية وتغيير الحكم في المركز مع اعادة هيكلة الدولة السودانية، وفي غضون ذلك تبقى العديد من المفات تهدد اعلان سلفاكير والبشير بطي صفحات الماضي، ومن أبرز العقبات التي تواجه الطرفان:- . 1- ملف أبيي، وما صحبه من تصعيد وصل حد اغتيال ناظر دينكا نقوك السلطان كوال دينق وما خلفه من مرارات، في وقت تعلن فيه قبيلة المسيرية في الشمال عن حقوقها في المنطقة. 2- الحريات الأربع، حيث يرفض العنصريون في الخرطوم حدوث تقارب مع الجنوبيين على أساس التاريخ المشترك والمصالح المشتركة، التمثلة في وجود ملايين من الماشية تعتمد في حياتها على التنقل وعبور الحدود بين الشمال والجنوب، مع وجود مصالح لملايين الجنوبيين في الشمال من حلال عملهم السابق، أو اقامتهم، وممتلكاتهم في السودان، ووجود آلاف من الجنوبيين يتلقون تعليمهم في المدارس والجامعات الشمالية ، ولن يصمت العنصريون حتى ولو انحنوا لعاصفة الضائقة الإقتصادية والهرولة وراء فتات النفط . 3- الحدود المرنة بين الشمال والجنوب تواجهها عقبة الحرب في كردفان والنيل الأزرق حيث تسيطر قوات الجبهة الثورية على نسبة 60% من تلك الحدود، وهو أمر في غاية الخطورة لأن الحرب لن تتوقف باتفاق الشمال والجنوب، أو الحديث عن وقف الدعم اللوجيستي الجنوبي لمقاتلي الجبهة الثورية، حتى ولو كان حقيقةً، فهو أذا ما ألقى بظلال سالبة فسوف يؤثر في حيز محدود ، ولو إلى حين، مع الوضع في الأعتبار أن هناك عشرات من قادة الجيش الشعبي تربطهم علاقات دم ونضال وصداقات مع قادة الجبهة الثورية ، وهي علاقات لن تنتهي بجرة قلم، أو التوقيع على تفاهمات أو اعلانات رؤساء دول، مع ضرورة الإشارة إلى أن سلفاكير نفسه من الذين تربطهم تلك العلاقات مع قادة الحركة الشعبية، وليس أمراً سهلاً له بيع رفاق الأمس ، كما ان بقاء مقاتلي الجبهة الثورية سوف يحقق حزاماً أمنيا يقي الجنوب من أشرار المؤتمر الوطني حال تفجر الأوضاع ، وهو ما سيجعل كل طرف بابقاء أوراق ضغط في يده لاشهارها في الوقت المناسب . ومنذ أن استقل الجنوب عن الشمال في العام الماضي شهدت العلاقة بين السودانيْن أسوأ حالات توتراتها، لكن سرعان ما يتم الاتفاق على التهدئة، ثم تنفجر الخلافات من جديد مما يؤكد وجود عنصر فقدان الثقة بين الطرفين ، اللذان يعقدان الاتفاقات والتفاهمات على طريقة لعبة السلم والثعبان، وما أكثر الثعابين في الطريق، وما أطول السلالم، وما أكثر المنعطفات والمطبات !. وهو ما يجعل ( عوض ممسكاً بمفتاحه ما بين القفل والفتح،) إلى أن تحل كل القضايا الحقيقية، بما في ذلك قضية نظام الحكم في الخرطوم .