أعلن البشير رسميا عن موقفة تجاه محاولة مشار" الانقلاب " على حكومة سلفاكير في جنوب السودان ووقف بجانبه ضد محاولة الانقلاب العسكري عليه، وحين بلغ الخبر بأن حكومة سلفاكير تواجه هجمة انقلابية مرتدة عليه كانت متوقعة منذ فترة، أجرى الرئيس البشير اتصالاً هاتفياً مع الفريق سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان اطمأن خلالها على الأوضاع الأمنية. وبهذا الاتصال تكون الخرطوم قد ودعت موقفاً واضحاً يساند استقرار نظام سلفاكير، وهو بالقياس العام يعد موقفاً عملياً جديداً يعبر عن يقين الخرطوم برهانها الكبير على استقرار نظام سلفاكير بعد تصفيته أهم كبار قادة الحركة الشعبية من نوابه ومساعديه. وكان الموقف واضحاً ومقصوداً بمعناه وبرسالته السياسية والاستراتيجية، ورغم أنه موقف صعب وحساباته معقدة لكن الخرطوم حسمت أمرها باكراً وقررت مغادرة مربع الحياد، لأن جوبا هي العاصمة الوحيدة الموجودة داخل كل ملفات الأمن القومي في السودان، وهذا أول سبب يجعل البشير يفكر ملياً في أمن بلاده وحكومته فموقفه تجاه سلفاكير ناتج عن المصلحة الشخصية البحتة. ومن الواضح أن الخرطوم باتت مطمئنة لعلاقتها مع نظام سلفاكير، ولها حلولها التي تعرفها حال تصاعد الظن والاشتباه في تجدد واستمرار دعم وإيواء سلفاكير للحركات الدارفورية والجبهة الثورية، ومن الواضح أيضاً أن تعامل الخرطوم مع "كاتيوشا كادوقلي" التي تطلقها ميليشيات الجبهة الثورية لم يعد محسوباً بتلك الحساسية القديمة، فحين كانت الجبهة الثورية تطلق رصاصة عدائية فيكون رد الفعل الرسمي متجاوزاً الشك باليقين أن حكومة سلفاكير هي التي تعبء خزانات الوقود وخزانة الرصاص. ومن المفترض أن تكون الخرطوم لها تصرفها بعيداً عن الشكوى والاستنكار لو تكرر عليها الأذى من نظام سلفاكير بعد كل هذه المواقف الكبيرة؛ لأن هذا الموقف الرسمي السوداني المبكر في مؤازرة سلفاكير يعتبر موقفاً أبعد من مستوى المطلوب الروتيني المفترض بين دولتين ليس بينهما عداء حاليا،ً ولكن وفي نفس الوقت ليس بينهما تحالف أمني أوعسكري واستراتيجي ساري المفعول فكل اتفاقيات التعاون الأخيرة بين السودان وجنوب السودان تطمح على الأقل الآن إلى مستوى وقف مظاهر العداء والتعاون في ملفات المصالح المشتركة. وهناك فرق بين وقف العدائيات وبين التحالفات أو الاتفاقيات الأمنية المتقدمة أكثر والتي تسمح بدرجات ومستويات أخرى أبعد من مجرد تفقد الأحوال والاطمئنان المتبادل بين البلدين، لذا فقد حسبها البشير بشكل صحيح، حيث من المفترض أنه ليس مسموحاً لسلفاكير أخلاقياً بعد هذه المواقف أن تعاوده نوبة حماقة بتغذية التمرد العسكري وميليشيات الجبهة الثورية العنصرية في السودان، وربما بعد موقف البشير تجاهه يكون التفكير الحالي هو الانتقال في العلاقة الأمنية بين البلدين من مرحلة التعاون إلى مرحلة الدفاع المشترك. وما جعل البشير يساند سلفاكير هو أنه على ثقة تامة بأن سلفاكير سيقضي على محاولة الانقلاب فمن مصلحته مساندة الجانب المنتصر، خاصة بعد مشكلة السودان وجنوب السودان الأخيرة بسبب تصدير النفط والتي منع من خلالها مشار تصدير النفط للسودان مما تسبب في مشكلة حقيقية بين البلدين لكن تداركا الوضع وانتهت المشكلة، وصرح سفير السودان لدى جوبا"مطرف صديق" أن تغييرا قد طرأ على المفاهيم التى كانت تحكم علاقات السودان وجنوب السودان، وأن مباحثات الرئيسين البشير وسلفاكير في نطاق هذه المشكلة جاءت نتيجة لذلك التغيير. وأكد "صديق" وقتها أن البلدين اتضح لهما أن بترول الجنوب لا يعني شيئا إن لم يتم استغلاله وتصديره، والبنية التحتية من مصافى وخطوط أنابيب إضافة إلى منتجات السودان لا تعني شيئاً إذا لم تصدر أو تستهلك، مضيفا أن هناك تكاملا طبيعيا للبلدين. وأضاف "كان البعض يظن أن السودان بإمكانه أن يعيش لوحده بعد انفصال الجنوب، وتوقع آخرون ازدهار الجنوب أكثر بعد الانفصال" ومن جانب آخر، فمن مصلحة البشير دعم موقف سلفاكير أيضاً لن البشير يمر بظروف مشابهة داخل السودان من خلال الحركات المعارضة لحكمه والتي تهدده بالإطاحة يومياً، وبهذا الموقف يضمن أنه إذا مر بنفس الظرف المشابه لسلفاكير سيقف بجواره أيضاً ضد أي حركة انقلاب عليه إذن موقف البشير تجاه سلفاكير خطوة فرضها الواقع، وليس إنجازاً مكتشفاً أو خارق للعادة. فالمصلحة في هذا التعاون هو الذي فرض على البشير موقفه، حيث تعتبر صفحة جديدة في علاقات البلدين وبحثاً من البشير على دعم خارجي يسانده ضد كل المخاطر التي تحيط به وتهدد بالإطاحة به.