يتساءل مراقبون سياسيون في السودان عن مغزى إطلاق الحكومة سراح نحو ستين معتقلا سياسيا غالبيتهم من إقليم دارفور، واستثناء آخرين يواجهون تهما بتقويض النظام أو التخابر مع دول خارجية أو محكومين بسبب حملهم السلاح. وبدا لبعض المراقبين أن الحكومة رمت من خطوتها تلك إلى التقرب لحركة العدل والمساواة بإطلاق عدد من منسوبيها بمن فيهم الأخ غير الشقيق لزعيم الحركة خليل إبراهيم، الأمر الذي اعتبره محللون ومراقبون ازدواجية في معايير السياسة الحكومية، مشيرين إلى وجود ناشطين وصحفيين ضمن الذين لم يفرج عنهم بعد. وعلى الرغم من تبرير جهاز الأمن السوداني لبقاء المنتظرين من المعتقلين، صحفيين كانوا أو غيرهم، بوجود تهم كبيرة في حقهم، فإن قانونيين يعتقدون أن إطلاق سراح من حمل السلاح في مواجهة الحكومة أعظم شأنا من إطلاق نشطاء وصحفيين لم يثبت تورطهم أو إدانتهم بعد مادة تساؤل واعتبروا أن توجه الحكومة الذي أعلنه الرئيس عمر حسن البشير سيشكل مادة للتساؤل حول ما إذا كان سينجح في فتح الباب أمام التلاقي الوطني أم تقف بعض الإجراءات حائلا دون نجاحه. وعلى الرغم من ترحيبه بالقرار، يرى الناشط القانوني مقرر هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أن الأمر ما زال ناقصا "بل لم يلمس حقيقة الأزمة ومعالجاتها الأساسية"، معتبرا أن إطلاق مجموعة لا يعني بالضرورة إقناع الجميع بهذه الخطوة. وقال للجزيرة نت إن عددا من مواطني دارفور من المنتمين للحركات المسلحة وغير المنتمين لا يزالون يقضون فترات عقوبات سياسية بالسجون، وقال "كان من الأجدى واستشرافا للعهد الجديد أن تعلن الحكومة عفوا عاما"، مشيرا إلى أن ذلك سيفتح بابا واسعا للحوار الجاد بينها والأطراف الأخرى. ولم يستبعد الصادق علي حسن أن تواجه وثيقة اتفاق السلام بالدوحة عقبات كثيرة "رغم إطلاق سراح أكثر من ستين شخصا ينتمي معظمهم لدارفور وللحركات المسلحة". خطوة إيجابية أما عضو آلية الخرطوم لتجمع قادة دارفور إدريس يوسف فيرى أن إطلاق المحتجزين يمثل خطوة إيجابية ضمن خطوات أخرى على الحكومة اتخاذها لحسم المشكلة بدارفور، داعيا إلى إطلاق كافة الحريات بالبلاد، خاصة بعد ذهاب الجنوب وظهور مشكلات أخرى ببعض الولايات. ويؤكد إيجابية الخطوة بغض النظر عن أسبابها وما ترمي له الحكومة من ورائها، مشيرا إلى ما أسماها "المرحلة الجديدة" التي تتطلب توافقا عاما بين مكونات المجتمع السوداني كافة. ويقول إدريس يوسف إن الجمهورية الجديدة تتطلب أن يعيد فيها السودان جميع حساباته لأجل تأسيس شكل جديد لحكم البلاد، محذرا من "التهاون بشأن بعض القضايا أو بعض المجموعات الصغيرة لربما كبرت قبل أن تجد الدواء الناجع". قضايا قومية ولم يستبعد إدريس يوسف ارتباط خطوة إطلاق السراح بسلام دارفور المنتظر التوقيع على وثيقته بالعاصمة القطرية غدا الخميس. لكنه أشار إلى إمكانية ارتباطها بقضايا قومية أخرى. أما الخبير القانوني نبيل أديب فقال إن إطلاق المعتقلين لدى جهاز الأمن يأتي في "إطار حكم القانون" الذي يتحدث عن عدم وجود معتقلين بيد الجهاز، متسائلا في الوقت ذاته عن استعداد الأمن للتنازل عن سلطات الاعتقال التحفظي التي تخالف الدستور. ورأى أن إقحام جهاز الأمن في مجال الصراع السياسي الداخلي خطأ كبير، داعيا إلى أن يكون القرار مقدمة "رغم أنه ليس كافيا" لتحولات حكومية أكبر تجاه القوى الأخرى.