الهلال يعود للتدريبات استعدادًا لمواجهة الشمال    المريخ يرتاح اليوم و ينازل لكصر وديا الأربعاء    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالفيديو.. قائد لواء البراء بن مالك يهدي الطالبة الحائزة على المركز الأول بامتحانات الشهادة السودانية هدية غالية جداً على نفسه إضافة لهاتف (آيفون 16 برو ماكس) ويعدها بسيارة موديل السنة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يحيي حفل من داخل مياه (حوض السباحة) وساخرون: (بقينا فاطين سطر والجاتنا تختانا)    494822061_9663035930475726_3969005193179346163_n    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    السعودية تستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا"    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان من تداعيات المفاصلة وانهيار التمكين ومعاناة الشعب..ماذا وراء الأكمة وماذا تخفي الأقدار؟
نشر في سودانيات يوم 18 - 02 - 2012


د. صابر عابدين أحمد
تشهد البلاد هذه الأيام ومع بدايات العام 2012 حراكاً سياسياً ومعالجات اقتصادية، وانتظاراً لما تسفر عنه، وهل تفضي إلى إصلاح حال البلاد والعباد، ام تستمر الأمور على ما هي عليه، ويتغلب الحرس القديم، من جوقة الانتهازية، والصفوة النخبوية، ولأن الوطن السودان في مهب الريح، والفساد ضرب مفاصل الخدمة المدنية العامة! وشركة الأقطان ما هي إلا نموذج ليس إلا، وفي هذا العهد ونتيجة لتطبيق مبدأ الولاء قبل الكفاءة انهارت المهنة وتحلل التخصص، ولذا فقد أعلن رئيس الجمهورية أن عهد التمكين قد انتهى في الخدمة المدنية، وهو يقصد الحركة الإسلامية تحديداً ومدارس الإسلام السياسي والمتحالفين معها من المجموعات الانتهازية والتي تعمل لصالحها وأحزاب الاستنساخ والتوالي، وبعد قرابة الربع قرن يقر الرئيس بأن (التمكين) لهم قد أدى إلى هذه النتيجة الوخيمة على البلاد، ويواصل بأنه شخصياً مستهدف من الجماعات الأصولية المتشددة مثل تنظيم القاعدة والتي تريد أن تجعل السودان مسرحاً للعنف وأعمال الاقتتال بين المسلمين أنفسهم كما يحدث في الصومال أو الفتنة الدينية بين المسلمين والمسيحيين مثلما تفعله جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وللحقيقة فإن كل الجماعات الأصولية المتشددة خرجت من عباءة الإسلام السياسي، ذلك بأنه تبرر وجودها بأنها ظهرت لفشل مشروع الإسلام السياسي وعجزه عن تطبيق الشريعة الإسلامية والرجوع للنبع الصافي ولا ندري أين هذا النبع الصافي! فالإسلام كنظام سياسي ونظام حكم استمر ثلاثين عاماً لا تزيد وبعدها تحول لملك عضوض، أما القيم الاجتماعية والروحية فما زالت موجودة في صدور الناس وعقول العلماء، وبل فإننا نجد أن هذه الجماعات أصلاً هي ضد الواقع المعاش وتريد أن تصادر واقع الناس وحياتهم وحرياتهم من أجل قيم مبهمة ويستحيل إنفاذها، وفي كثير من الدول هي التي أججت الصراعات واستباحت دماء المسلمين وغيرهم وعاقبت وجلدت النساء كما هو الحال أيام طالبان في أفغانستان والتي خرجت من عباءة الحزب الإسلامي وفي السعودية خرجت القاعدة من عباءة الوهابية، وفي باكستان خرجت من رحم الرابطة الإسلامية، وفي السودان خرجت من عباءة الحركة الإسلامية، ونتيجة لحكمها قرابة الربع قرن، خرج علينا هؤلاء يعادون الحركة الإسلامية ويعادون الوطن نفسه والمواطن لا ينجو منهم ولا الأجنبي يسلم منهم، فهم أصلاً ضد الدين الصحيح وضد الواقع نفسه.
ويستبشر الشعب المنهك بفعل حكم الإسلام السياسي ومراعاته من أجل السلطة بانهيار عهد تمكين الحركة الإسلامية، ولكن هل يفي الرئيس وعده؟ ويبعد عن الخدمة العامة، جوقة الانتهازية وحارقي البخور لمن في يده السلطة؟ ومن كل هذه السنين؟ وهل يبعد ذوي القربى والعشيرة وأهل المعشر المقربين، وثم الأسر العريقة والبيوتات الكبيرة والتي تسيطر على جهاز الخدمة المدنية العامة منذ الاستقلال وإلى بدايات التمكين حينما أقصتهم الإنقاذ أو ذابوا فيها وآخرين انتظروا ريثما تمر عاصفة الإنقاذ، والآن سوف يرفعون رؤوسهم ويلجون إلى السفينة الغارقة بعد إعلان قبطانها بأنهم ضلوا الطريق، ولتبدأ مرحلة جديدة، كانت أولى مؤشراتها دخول أبناء السيدين عتبات القصر الرئاسي، هل يستطيع الرئيس فعلاً أن يعيد الأمور إلى نصابها، وليدخل شرائح الشعب المختلفة إلى لب وعمق الخدمة المدنية؟ صحيح أن الرئيس له صلاحيات واسعة ولا محدودة، وتجري بين يديه مقاليد حكم بلاد النيلين، ولكي يوظف عامة الشعب المستضعفة، لابد من مؤسسة لجعل هذا التنظير واقعاً معاشاً، والمؤسسة الفاعلة الآن والمتداخلة مع المؤتمر الوطني هي الحركة الإسلامية، لذا فإن الوضع يتطلب اتخاذ أصعب القرارات، وهل يمكن للرئيس اتخاذ القرار الصعب؟ ألا وهو الابتعاد عن أو إبعاد الحركة الإسلامية عن شئون الحكم والرجوع للشعب ولو مرة، فإذا كان شيخ الترابي رفيق دربه في طريق الإنقاذ الوعر والذي امتد وأدلهم ليله، ولم يبشر يصبح، قد نفض يديه من خطيئة انقلاب الإنقاذ وتاب توبة نصوحة لله تعالى أن لا يساند ولا يدعم الانقلاب والحكم العسكري، فهل يمكن للرئيس البشير مثلما ابتعد عن شيخ الحركة الإسلامية؟ هل يمكنه وهل في وسعه أن يبتعد عن ما يسمى بالحركة الإسلامية ويعلنها داوية وأن لا يجعلها مرجعية له ولحزبه؟ بل هل يمكن أن يحاسب أصحاب المذكرة مسئولاً مثلما استنكر عليه د. الطيب زين العابدين (من يحاسب من؟)
فالحركة الإسلامية وكما يقول أقطابها بأنها هي التي رعت الإنقاذ وساندتها ولولاها لما نجح الانقلاب أصلاً، ولولاها لما استمر عمر البشير رئيساً! والآن تتراجع عن ذلك، وتصدر جيوب فيها المذكرات وتسعى لتقويم تجربة الإنقاذ وتعمل لوراثتها كما ورثت نظام مايو نميري، خاصة بعد زلزال ثورات الربيع العربي، والذي تحول لحفل تنصيب للحركات الإسلامية الشبيهة وتولي أنظمة الحكم هناك، فما دام يمكنها الوصول للسلطة ديمقراطياً وعبر صناديق الاقتراع وبمباركة ودعم الغرب وأمريكا فلماذا الانقلاب العسكري؟ والحركة الإسلامية في السودان يصدق فيها المثل القائل (تشرك وتَحاحِي)، ولكن هل تتحول الأماني والرغبات إلى برامج ومناهج وتخرج الحركة من خطأ الانقلاب ودعمه لتحكم ديمقراطياً، لا أظن ذلك فالحركة الإسلامية في السودان قد خسرت رهانها مع التاريخ، فبعد أكثر من عشرين عاماً من الحكم الشمولي المتواصل، صار لا فرق بينها وبين أي من أنظمة القومية العربية والتي أطاحت بها ثورات وانتفاضات شعبية، ومارست الحركة الإسلامية في ثوبها المبتكر المؤتمر الوطني كل البشاعات لشأن الشعب السوداني وأذاقته الويلات وسقته الأمرين وتنكرت لشيخها، فما هو الفرق بينهم والأنظمة التي انهارت، ولذا فلقد شعر الإسلاميون بأن الدور جاي عليهم، فشهد الآن الحركة الدؤوبة لاستصدار المذكرات في حين يتساءل القيادي الإسلامي والمنظر الإسلامي للحركة الإسلامية حالياً د. الطيب زين العابدين في مقاله بالصحافة عدد 12 فبراير 2012 عن محاسبة الإسلاميين الذين كتبوا مذكرة تطلب تصحيح الأوضاع ويقول (يا سبحان الله من يحاسب من؟ فقد كتب هؤلاء الشباب بصفتهم أعضاء في الحركة الإسلامية ولا سلطان لقيادة المؤتمر الوطني على الحركة الإسلامية). ويقول إن الحركة الإسلامية ما كانت ترغب في اللجوء إلى انقلاب عسكري رغم أنه قال في بداية مقالته (أنها هي التي دبرت وصنعت الانقلاب العسكري بعناصرها المدنية والعسكرية وأعطته السند الجماهيري وتسلمت المسئولية التنفيذية في الدولة وقيادة مؤسسات الخدمة المدنية المختلفة).
وفعلاً الشينة منكورة، فالحركة الإسلامية دبرت الانقلاب وكانت لا ترغب فيه لاحظ التملص هنا وكأنما أجبرتهم قوى مجهولة غير معروف كنهها لكي يقوموا بالانقلاب!، وسيطرت على مفاصل الخدمة المدنية وباعتراف الدكتور، وبالمناسبة تم حل الحركة الإسلامية بعد تكوين الحزب الوريث المؤتمر الوطني، ولكن ماذا كانت النتيجة، فشل تام بل وانهيار كما يثبت الرئيس، فمن يتحمل المسئولية، وفي نهاية المقال والدكتور يتنسم أجواء النسيم العربي وفي حالة مزاجية متفائلة يطالب الحركة الإسلامية بأن تبرز مرة ثانية للوجود مسجلاً ومعلناً ومستقلاً وهذه الململة السائدة حالياً في أوساط الإسلاميين علامة صحة وعافية وعليهم أن يقطعوا الشوط حتى نهايته، ولكن الدكتور لم يوضح كيف ستكون العلاقة بين الإسلاميين التنظيم الجديد والسلطة؟ وما هو وضع من هو في السلطة حالياً ومتنفذ؟ خاصة مع رياح التغيير في أوصال التمكين، التي تتبرأ من الإنقاذ، بالرغم من تمجيد فكرة الانقلاب وكونهم السباقين لانجازه لا تريد الحركة الإسلامية أن لا تتحمل وزر السنين وما عاناه الشعب الكريم من ضيم وظلم وتعذيب وجوع وتشريد وفساد، وبالرغم من الحديث عن أن ألف أخ قد وقعوا على المذكرة، ولكن لا يعرف أحد من الموقعين، سواءاً من القيادات أو القواعد، وهكذا حتى لا يريدون أن يتحملوا مسئوليتهم لا عن فترة الحكم التي سيطروا عليها ولا حتى عن مجرد توقيع، قد يدفعهم للمحاسبة كما صرح رئيس الجمهورية بأنهم سوف يحاسبون أصحاب المذكرة ويخافون من مصير شيخهم وهكذا يستمر السجال فيما بينهم، كما يقول الشاعر:
الليالي حبلى .. كل يوم يلدن جديداً
وما نراه هذا ونلمسه، هو الخوف من مصير القادة والزعماء العرب والذين تركوا كراسي الحكم الوثيرة، ليصبحوا لاجئين بين المنافي ينتظروا صدقة المحسنين، وخيرهم من لقي حتفه على أيدي الثوار، ونقول هذا واضعين في الذاكرة تاريخ الشعب السوداني وانجازه لثورتين عظيمتين، عندما كانت الشعوب العربية ترزح تحت وطأة الديكتاتور وقيادات الربيع العربي في رحم الغيب، وثم الآن قد طفح الكيل، وباعتراف الرئيس أن (التمكين) قد سبب انهيار الخدمة العامة، وكما طفحت رائحة الفساد وعفونته وصارت لا تطاق وكما يقول المثل (هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟) والفساد في عهد الإنقاذ أمره عجيب، وصارت له شركات أصحابها موظفون كبار في الدولة وبعد أن برأ وزير العدل المستشار مدحت عن تهمة الفساد تساءل الأستاذ ضياء الدين بلال لماذا لا يتم عمل إبراء ذمة لمدحت تيمناً برئيس الجمهورية؟ ويا أستاذ ضياء شئ جميل بأن يقوم الرئيس إبراء ذمة ولكن حتى تقديم إبراء ذمة للآخرين هي مسئولية الرئيس والذي من حقه مطالبة وزير العدل وغيره بتقديم إبراءات الذمة.
ولقد أبدع المهندس عثمان ميرغني في إخراج وثائق توضح كل شئ، وإجابات عن سر تردي الخدمات الزراعية وفشل المواسم الزراعية في كل السودان وزيادة الجباية والضرائب والجازولين؟ وزيادة المديونية على المزارعين، وتهديدهم من البنك الزراعي بحبسهم لحين السداد، وصار حالهم من بؤس إلى بؤس، والسادة الكرام يلعبون بملايين الدولارات والتي تخفي تغطية المدخلات والمدخرات للموسم الزراعي، من غلو التمويل ويجار الشكوى من أسعار السماء، والجازولين، وحتى المياه التي تعطيها له الدولة (في حوض السليم بالشمالية يتم دفع المديونية مائة وخمسين جنيهاً للفدان الواحد سنوياً) ومع هذا الدفع المديونية والغلاء في كل شئ، يتم استيراد الثوم من الصين ومصر والفول المصري من أثيوبيا وسوريا، ولمصلحة من؟ وحسن فعل المهندس عثمان فلقد كشف الغطاء عن المخفي، يقول عثمان ميرغني في عموده حديث المدينة 7 فبراير 2012 وهو يحكي عن المهندس عبد الجبار حسين وهو المسئول الوحيد الذي مد بصره إلى عورة شركة الأقطان وجاهر بالنهي عن المنكر، وبعد أسبوع واحد من خطابه تم فصله (في دولة يحكمها الإسلام والشريعة .. النهي عن المنكر والأمر بالمعروف أطاح به من المنصب الحكومي وظل في الشارع لأكثر من عام)
وتقول د. سعاد إبراهيم عيسى في مقالها الأسبوعي بصحيفة الصحافة عدد 7/1/2012 وتحت عنوان (تسريبات التيار هل تصلح المسار؟( (أن جميع الأنظمة الحاكمة وفي أي صور حكمها ديمقراطياً كان أم عسكرياً لا يقود إلى انهيارها إلا الفساد، وفي أي من صوره اقتصادياً كان أم اجتماعياً أو سياسياً ويحتل الفساد المالي المركز الأول في عملية الانهيار) وتواصل د. سعاد في ذات المقال (أن الفساد لم يبلغ هذا الحد من الجرأة وعدم الاكتراث في ممارسته والذي نسمعه ونقرأ عنه اليوم إلا أن الحكومة عملت على تغطية وستر عوراته منذ بداياته بإخراس أي صوت يرتفع مشيراً إليه).
وهكذا ينبري الصحفيون المخلصون وكتاب الأعمدة والمقالات ويشكلون خط دفاع ضد الفساد والنهب وضد انهيار الدولة السودانية، ولأنه في عهد تمكين الإنقاذ توقفت عجلات السكك الحديدية عن الدوران وتوقفت مصانع النسيج في أنحاء القطر، وتهددت زراعة القطن، وأصاب الكساد المواسم الزراعية المروية والمطرية، لنقص مدخلات ومدخرات الإنتاج، واستقوت الآفات الحشرية والحشائشية على المزارع ولحقت زراعته (أُمات طه)، ولأن الحكومة ووزارة زراعتها لا تنشر السبل الكفيلة بمحاربة الآفات، أو الإرشاد بكيفية استخدامها ولا تبعث فنييها للمهمة، نتيجة ذلك أصبح المزارع نهباً لأمراض فتاكة أقلها الفشل الكلوي وأعلاها السرطان نتيجة لسوء استخدام هذه المبيدات، هذا إن لم يحدث خلط بين هذه وتلك فيؤدي إلى حرق منتوجاته.
وفي عهد تمكين الحركة الإسلامية تردت الخدمات التعليمية والصحية بالبلاد، فصارت مجانية التعليم والعلاج والسكن والإعاشة والحليب مع الباسطة ووجبة الاسبشل من بقايا الماضي وحكاويه السعيدة، وصار المواطن يدفع الغالي والنفيس ولا يجد علاجاً، ويموت المرضى لانعدام أجهزة الأكسجين والشفط بحوادث المستشفيات أو تحول حالات الكلى والقلب نسبة لعدم وجود قسطرة قلب وهذا ما أورده الكاتب الصحفي الأستاذ الطاهر ساتي في عموده بالسوداني عدد 8/1/2012م، وكيف أن المستشفى الصيني بأم درمان تعاقد مع إحدى الشركات المحلية لاستيراد جهاز قسطرة قلب ودفع نصف المبلغ حوالي المليار ونصف المليار بالقديم وقامت الشركة باستيراد الجهاز وعند وصوله لمطار الخرطوم، أبلغت الشركة إدارة المستشفى الصيني لإتمام العملية، إلا أن وزارة الصحة تدخلت وطلبت من الشركة تركيب الجهاز بمستشفى الخرطوم وفعلاً تم إنزال الجهاز بفناء مستشفى الخرطوم وكما يقول الطاهر ساتي فإن الجهاز ما زال إلى الآن بفناء مستشفى الخرطوم مع النفايات و مأوى القطط ولم تفِ الوزارة ما عليها من مبلغ وبعد ثلاث سنوات تنظر إدارة المستشفى في إمكانية استجلاب سجناء لتنظيف الجهاز!!
فضلاً عن ما قاله الصحفي اسحق فضل الله في عموده آخر الليل وهو يضع تفاصيل سيناريو الحرب القادمة بين دولة الجنوب ودولة الشمال، ويشير إلى أن هناك عدواً آخر أشد خطورة من دولة الجنوب، وهو من داخل دولة الشمال، وليس كذلك فقط بل هو على رأس الخدمة المدنية والإدارة المتنفذة، ولذا فهذا العدو الداخلي ضرب مشروعات (الخبز المحسن) ومشروع تصنيع الصمغ العربي الخ، ولمعلومية السادة القراء فإن هذا الكاتب ليس كاتباً معارضاً وإنما هو أحد أعمدة صحافة الإنقاذ، وهنا هو لا يقصد بأية حال الطابور الخامس مثلما يفعل كل مرة وإنما يقول إن سبب فشل كل هذه المشروعات لعدم وجود مراكز للدراسات! طيب في جهة لديها متعلمين ومراكز أكثر من الحركة الإسلامية في هذا البلد، وما مدى ما يقوله اسحق وما أعلنه رئيس الجمهورية من أن التمكين سبب انهيار الخدمة العامة! هل يتناقض معه أن ينسجم وفي ذات الخط؟ وهل يقصد الكاتب الحركة الإسلامية أم يقصد مجموعة أخرى؟ وما هي هذه المجموعة؟
وحدث في أيام التمكين أكبر الخطايا في التاريخ السياسي وانقسام ثلث الوطن الجغرافي، وقيام دولة جديدة في الجنوب، وكما بدأت حروب الأطراف والهامش ضد المركز، وتدق طبول الحرب من جديد الآن بين الدولة الوليدة والدولة الأم، وبدأ التشاكس من أيام الفترة الانتقالية، وتم ترحيل القضايا العالقة والتي لم يجدوا لها حلولاً في أضابير الاتفاقية الموقعة، مثل ترسيم الحدود وأبيي والجيش الشعبي في الشمال بين الدمج والتسريح وثم تأتي الآن كبرى المعضلات وهو البترول ويحدث هذا التصعيد الخطير، لأن هناك عقليات وخاصة في السودان الشمالي تفكر بعقلية القرون الوسطى، ولا تريد هذه العقول المتحجرة قبول فكرة أن تتعامل مع دولة الجنوب كدولة ذات سيادة، ولا تريد أن تتعامل مع مسئوليها معاملة ندية وبل جيران وأخوة وفي حين أنها دولة بها موارد ضخمة وبها آبار البترول، ويجب أن تتعامل معها بواقعية وعلى هذا الأساس، وتفتح معها أبواب الحوار ونوافذه مشرعة وأن يوضع كل شئ على الطاولة، وعى العكس فإن طريق العنف والاقتتال وعقلية (امسح وأكسح) لن تجلب على الدولتين سوى الدمار واستنزاف الموارد الشحيحة، خير للدولتين العيش في سلام واستقرار، وعلى الأخوة الكبار في الشمال أن يأخذوا بأيدي أخوتهم الصغار في الجنوب، لأننا مهما نعمل لن نجد أناساً أقرب إلينا من الجنوبيين، الجنوبيون هم من عاش معنا وتقاسمنا اللقمة والوطن، وهم الأقرب وجدانياً وطباعاً وسلوكاً، وأن نستلف ونقترض من الجنوب ونسهل لهم تصدير البترول وحتى لا يلجأوا لأية دولة أخرى لكي يمر البترول عبرها، وتستفيد الدولة المعنية، وتخسر دولة الشمال عائدات التصدير، وتخسر دولة الجنوب من تدفق النفط عبر أنابيب الشمال، وتستمر الحرب التي يتضرر منها المواطن والشعب في الشمال والجنوب، ويستمر تدفق النازحين بحثاً عن مأوى وعن أكل وشرب وسكن ويتضور الجوعى جوعاً والفقراء فقراً، ولمصلحة من هذه الحرب الجديدة ألا يكفينا ما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، ولماذا لا نصل إلى حلول مع دولة الجنوب ولتحل المشاكل العالقة بدلاً من تأجيج الفتنة، ولو حدث الحل والتوصل لنتائج مرضية ولو وصلت محادثات أديس أبابا إلى نهاياتها ولجنبنا الشعب ويلات الحريق، لأن البلاد تحتاج للاستقرار والأمن حتى تدور عجلات الإنتاج وتعمل المصانع المتوقفة من القرن الماضي، ولتحدث التنمية المستدامة، ويكفي ما عشناه من أوهام في ظل شعارات يائسة (المشروع الحضاري) (التمكين)، واليوم نأتي لكي ننظر إلى أيدي غيرنا، ولن تنفعنا ريالات قطر ولا دولارات أمريكا ولا شلنات الصين، إذا لم نتبن منهجاً وطنياً لا يقوم على عنصرية العرق ولا تميز الدين، أو صفوة المهنة أو جهوية الإقليم.
فالسودان دولة حضارية ضاربة عروقها في عمق التاريخ وله إرث وتراث مجيد، فإذا كان أجدادنا وقبل سبعة آلاف سنة قد بنوا الأهرامات وأشادوا هذه الحضارة التليدة، والتي ينبهر أمامها الغرب والشرق، وحتى اليوم يحاولون فكفكة مضامينها ومعرفة أسرارها، فبات العلماء الأثريون واللغويون والمهندسون وفي كل مرة يكتشفون سراً أعظم من سابقه، ونحن نسعى بين هذه الآثار ونعتبرها أطلالاً من الماضي ولا تخصنا! ماذا دهانا؟ وماذا حل بنا؟ حتى أصبحنا في ذيل دول العالم والأمم، وننتظر الإكراميات والقبول لليد العليا، حتى تنتهك سيادتنا، وفي حين أن الحلول بين أيدينا وأيدي القائمين على الأمر خاصة، والموارد والأموال موجودة لو أحسنا التفكير والتدبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.