تمر علينا هذه الايام ذكري غزوة بدر الكبري ونحن نقوي بتمسكنا الاجتماعي والديني ونكون اكثر قوة من قبل في توجهنا الحضاري وتأصيل المجتمع وتنزيل معاني القرآن الكريم على ارض الواقع حيث تمثل بدر بالنسبة للامة السودانية نوع من انواع ارسترجاع الذكري والاستفادة منها في الدروس والعبر وذلك بالحفاظ علي قيمنا وموروثاتنا الدينية والتي تمثل ثقافة الامة السودانية . وتجرى الاحتفالات بهذه المناسبه الدينية الكبرى في السودان باقامة الندوات علي مستوي الاحياء وفي المساجد والساحات العامة والتي غالبا تكون عقب صلاة التراويح حيث يقوم العديد من علماء الاسلام بالبلاد بتقديم معلومات ضافية عن موقعة بدر وما فيها من ايجابيات تعين المسلمين علي مواجهة التحديات التى تواجه المسلمين . وتولى الدولة هذه المناسبة اهتماما خاصا وذلك باقامة احتفالات يشارك فيها المسئولون والطرق الصوفية والمنظمات والجمعيات الدينية حيث دأبت وزارة الشئون الدينية والاوقاف باعداد برامج دينية من ضمنها الاحتفال بغزوة بدر الكبرى حيث تنظم اليوم ندوة بالخرطوم عن غزوة بدر الكبري واستفادة المسلمين من احداثها ومآلاتها . وتسترجع امة الاسلام فيها تاريخ دينهم وما وجدوها فى سبيل انتشاره من عنت ونصب وابتلاءات أطاعة لامر الله، وكيف انهم هاجروا من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة بعد أن اشتد الأذى والتعذيب عليهم، وتركوا ممتلكاتهم وأموالهم من ورائهم الا ان النبي الصادق صلى الله عليه وسلم، وعدهم أن الله تعالى سيعوضهم ويخلف عليهم.وكان كفار قريش قد استولوا على هذه الأموال والممتلكات وذهبوا بها إلى الشام ليتاجروا بها، ثم عادوا إلى مكة في قافلة محملة بالكثير من الأموال ووصلت أخبار هذه القافلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة وصحابته الأبرار من المهاجرين والأنصار الذين اشتد ساعدهم وزادت قوتهم وتعبأت نفوسهم لمجاهدة عدوهم وكان ذلك في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة المشرفة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على رأس جيش من الصحابة المقبلين على الجهاد بقلوب قوية واثقة، متوكلين على الله تعالى، وكان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والأعلام والبيارق حولهم ترفرف وتعلو وبلغ خبر خروج المسلمين للقتال القافلة التي كان على رأسها أبو سفيان ابن حرب وهو أحد رؤوس الكفر في ذلك الوقت، فبعث برجل اسمه "ضِمضِم" إلى مكة يستنجد بأهلها ووصل "ضمضم" إلى مكة صارخا مولولا طالبا النجدة، فأسرع كفار قريش بتجميع قواهم وجندهم وسلاحهم ومضوا إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلم. في هذه الأثناء غير أبو سفيان مسيرة القافلة بين الشام ومكة، وابتعد عن الطريق المعهود إلى ناحية البحر، ولم يعلم المسلمون أن كفار قريش خرجوا لمساعدة القافلة،حتى وصلوا إلى ما قبل "بدر" وهي اسم ناحية فنزلوا هناك وأرسلوا ثلاثة أشخاص للاستكشاف فعادوا وقد قبضوا على غلامين خرجا لجلب الماء لمعسكر كفار قريش، فعلم عندها النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته بخروج قريش لمقاتلتهم وأن عددهم يقارب الألف مقاتل واستشارالنبي الأعظم صحابته، فقاموا وتكلموا فأحسنوا وأجادوا، وابدوا استعدادهم لكل ما يطلب منهم الرسول الكريم وكان منهم سيدنا "سعد بن معاذ" الذي أخبر النبي أن الأنصار لن يخذلوه أبدا ولو أمرهم بخوض البحر لخاضوه معه ونزلوا قرب بدر ذات المياه الكثيرة وكان كفار قريش قد بلغهم أن القافلة التي خرجوا لحمايتها قد نجت ووصلت إلى مكة، ومع ذلك رفضوا العودة وأصروا على مقاتلة النبي حقدا منهم عليه وعلى دعوته الإسلامية العظيمة وكراهية لصحابته الكرام وبعث الله تعالى المطر الخفيف فصار التراب تحت أقدام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة جامدا يسهل المسير عليه، وأما الكفار فقد صار الرمال من تحتهم وحلا مزعجا تغوص فيه أقدامهم وأقدام بعيرهم مما أعاقهم وأخرهم وأحاط المسلمون بتلال مطلة على بركة ماء كبيرة في بدر، وتقابل الجيشان، جيش المسلمين وفيه الصحابة الأفاضل الشجعان الذين يريدون إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وجيش الكفار الذين أشركوا بالله ويريدون قتل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم والقضاء عليه وعلى دعوته المباركة وكانت خطة المسلمين على ما أشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبدأوا القتال حتى يحيط بهم الكفار، عندها يظهر الرماة المختبئون على التلال المحيطة بمكان المعركة ويرمون ظهور الكفار برماحهم، وهكذا كان واقتتل الناس قتالا شديدا وتضاربت السيوف ولمعت الرماح وتطاير الغبار وعلت التكبيرات الصادحة وكان المدد الكبير فقد أمد الله تعالى جيش النبي صلى الله عليه وسلم بمئات والاف من الملائكة الكرام أتوا على خيولهم يحاربون ويقاتلون يتقدمهم سيدنا جبريل عليه السلام على فرسه وفي نهاية المعركة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب ورمى بها قريشا وقال: "شاهت الوجوه" وقال لأصحابه: "شدوا عليهم"، فكانت هزيمة المشركين وقتل منهم الكثير وأسر الكثير كان بين قتلى المشركين رأس الكفر أبو جهل لعنه الله، وأمية بن خلف وهو الذي كان يعذب سيدنا بلالا الحبشي رضي الله عنه، وعندما أرادوا طرحه في بئر القليب كان قد تقطع فوضعوا عليه من التراب والحجارة ما طمره وعاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء منتصرين معززين، ولهم في غزوة بدر الكبرى عبرة أن الفئة القليلة قد تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله، وشهد رمضان نصرا كبيرا للمسلمين سجله التاريخ بسطور من نور .