كان صوت الإمام القوي ينساب مثل مياه النهر المتدفقة ويملأ جنبات الحرم علي سعته ورحابته كما هي حاله في رمضان من كل عام وموسم الحج، فقد توافد إليه الحجيج والمعتمرون من كل فجاج الأرض ليشهدوا منافع لهم في مكة . جلسن بالقرب مني ، نسوة تركيات ذوات أعمار مختلفة، وكن جميعهن ينصتن بخشوع وتركيز شديدين إلي الإمام وهو يتحدث بلسان عربي مبين. عندما انتهي الإمام من خطبة الجمعة، وبدأنا جميعا نصطف مستويين للصلاة، قلت لأقربهن إلي بلغة عربية فصيحة محاولة تجاذب الحديث والرأي معها، "كانت خطبة الإمام رائعة واحتوت علي معاني وموضوعات قيمة" لكنها تطلعت إلي وكأنها لم تسمع ما أقول، وفوجئت بها تتحدث بلغة لا أفهمها. تحيرت فقد لاحظت أنها كانت شديدة التركيز والانتباه لحديث الإمام وقلت في نفسي" ألم تفهم شيئا مما قاله ؟" . التفت يمنة ويسرة، وجدت نسوة من باكستان، و من نيجيريا وماليزيا ، واوروبا وكل أجناس الأرض، وسألت نفسي هل كلهن لم يفهمن شيئا من حديث الإمام ؟ . انتهت الصلاة ولم ينته ما هممت به. تخيلت أشواق الحجاج وهم ينوون حج البيت الحرام، وزيارة مسجد رسول الله (ص) ،وهم يدخرون الأموال ،وهم ينجزون العشرات من الإجراءات حتى يحطوا رحالهم في مكة ثم المدينة . وحز في نفسي أنهم لا يفهمون ما يقوله الإمام، سواء في خطبة الجمعة أو العيدين أو في مسجد نمرة أو حتى عندما يقرأ الإمام القرآن الكريم في الصلوات الخمس ولا حتى الدعاء لهم. و تساءلت ربما لا يمكنهم تعلم العربية، ولكن هل يمكن أن يحظوا بترجمة فورية لكل ما يقال؟ . مؤتمر دولي: يصف كثير من المسلمين الحج، بأنه مؤتمر دولي، ويقصدون بذلك أنه يجمع أناس من دول وأجناس عدة. وعلي الرغم من أنهم يؤدون ويفعلون تقريبا نفس الشعائر ويقولون تقريبا نفس الأحاديث و الأشياء، إلا أنهم لا يتشاركون في الغالب فهم ما يقال في الشعائر أو العبادات التي تجمعهم سويا داخل الحرم المكي او في الخطب وبالتالي لا يتحاورون ولا يتناقشون حول القضايا والموضوعات التي سمعوها، إلا القلة منهم أو صفوة المتعلمين أو المفكرين الذين تجمعهم لقاءات خاصة . وتعتبر منظمة التعاون الإسلامي ثاني اكبر منظمة حكومية بعد الأممالمتحدة وتضم في عضويتها سبعا وخمسين دولة عضوا موزعة علي أربع قارات. وبحسب أخر إحصاءات لمنظمات مختلفة فإن عدد المسلمين في العالم يبلغ حوالي 1.5 مليار نسمة أي حوالي 23% من سكان العالم. منهم 25% في قارة آسيا بالتركيز في الجنوب الشرقي من تلك القارة و15% في إفريقيا جنوب الصحراء و20% في الشرق الأوسط ويبلغ تعداد العرب منهم حوالي 339 مليون نسمة . مدير العلاقات العامة والأعلام بالرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام، أحمد المنصوري، أعتبر - عبر مكالمة هاتفية مع سونا - أن فكرة خدمة الترجمة الفورية، لها العديد من الجوانب الايجابية بالنسبة للمسلمين، وتشكل حاجة ضرورية لأولئك الذين لا يعلمون العربية، وبالتالي لا يعرفون ما يقوله الإمام أو الخطيب في المسجد . وبين أن أدارة المسجد الحرام في سعيها لتحقيق أقصي فائدة للمسلمين عامة وللحجاج خاصة تعمل حاليا على تأسيس موقع على الشبكة الدولية للمعلومات بلغات عدة يحتوي على الخطب والمعلومات المتعلقة بهذا المنسك الهام لعامة المسلمين . وأكد أن سلطات المسجد الحرام ستفكر في هذه المسالة وتخضعها للدراسة إذ أن فكرة المشروع ترتبط بها العديد من الجوانب الشرعية والفنية حتى يكون التنفيذ سليما ولا يسبب أية أضرار . فكرة جديدة: المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيس مجلس أمناء منظم الدعوة الإسلامية - مقرها الخرطوم- يقول: ينبغي أولا التأكيد على إن السلطات السعودية لا تألو جهدا في خدمة الحرمين الشريفين والحجاج الذين يحجون إليهما علي مدار العام. وقد قامت بتوفير ترجمات للقرآن الكريم وعلومه والشعائر بل والعلوم الإسلامية بلغات مختلفة وعديدة سواء للحجيج أو غيرهم في بلدان المسلمين . ويستدرك قائلا: ولكن فكرة توفير خدمة ترجمة فورية للخطب والقراءة في الصلوات وما يدور داخل الحرمين فكرة جديدة ورائعة ومفيدة ولم يفكر فيها احد من قبل ويمكن تنفيذها . ويضيف : فائدتها تكمن في ضرورتها وقابلية تطبيقها ، ويمكن توظيف عدد من المترجمين يقومون بهذه الخدمة داخل الحرمين ويمكن البدء باللغات العالمية الخمس التي تعتمدها الأممالمتحدة وتستخدمها في مؤتمراتها الدولية التي تجمع عددا كبيرا من سكان الأرض وهي اللغات الإنجليزية والفرنسية والاسبانية والروسية بجانب العربية . ويمكن من بعد ذلك وفقا لما يقوله المشير سوار، إضافة العديد من اللغات الأخرى تدريجيا. وحتى يتم تنفيذ هذه الفكرة بمستوي عملي يمكن توفير أجهزة ترجمة لاسلكية صغيرة وسهلة الحمل، يستطيع الحاج شراءها بأسعار مناسبة تكون ملكه وفي حوزته . عدة تقنيات: خبير هندسة الصورة و الصوت المهندس حاتم سر الختم يقول: الفكرة غير مستحيلة ولكنها قد تكون مكلفة بعض الشيء . ويضيف إن الترجمة بالطبع تحتاج إلى جهازين أحدهما للإرسال والأخر للاستقبال ووفقا لهذا فهناك ثلاثة طرق يمكن تطبيق هذه الفكرة عن طريقها. الفكرة الأولي وهي الصورة التقليدية للترجمة في المؤتمرات، وهي توفير نظام متكامل فيه أجهزة إرسال للترجمة الفورية داخل الحرم وفي ذات الوقت توفير أجهزة استقبال لدي جميع الحجاج والمعمرين لتلقي خدمة الترجمة . ويبين أن هذه الطريقة مكلفة جدا إذ أن سعر سماعة الاستقبال الواحدة ، قد يفوق 500 دولار أمريكي، وبالتالي تعد مكلفة جدا، في حال ما قررت السلطات السعودية توفيرها لجميع الحجاج، وأيضا بالنسبة للحاج إذا ما قرر شراءها بنفسه . التأثير السيئ على الأذن احد مخاطر استخدام هذا النظام، بحسب ما قاله المهندس حاتم، وذلك في حال كثرة عدد اللغات وقنوات الترجمة، إضافة إلى إن هذا النظام يكون فعالا في حدود 4 لغات فقط. كما إن جهاز الاستقبال الواحد يرسل إلى 50 سماعة فقط وكذلك تشكل سهولة اختراق موجات إرساله البعيدة خطرا لهذا النظام حيث يمكن إرسال رسائل غير مرغوب فيها بجانب التشويش للإرسال . ويقول: إن شاشات ضخمة للقراءة بمقاس 3 في 4 أمتار، توزع داخل الحرم وفي منطقته، هي الوسيلة الثانية التي يمكن استخدامها و هي اقل تكلفة من الطريقة الأولي كما لا يمكن اختراقها ولا تسبب أي أذى بيئي أو جسماني للعين أو الأذن . ولكن ما يعيبها وفقا للمهندس حاتم سر الختم، هو أن الذين يستفيدون منها هم المتعلمون الذين يجيدون القراءة. ولا يستفيد منه الأعمى و ضعيف البصر والشخص الذي لا يجلس في الاتجاه الصحيح للشاشة . أفضل وسيلة: ويفضل المهندس حاتم، الطريقة الثالثة لخدمة الترجمة الفورية، وهي استخدام الإذاعة عن طريق الموبايل، ويوضح أنها تمتاز بعدة ميزات أولها أنها أقل تكلفة مادية إذ يكفي فقط استخدام محطة أذاعه FM، لتغطية كل المنطقة داخل الحرم وخارجه بل حتى منطقة مني. ويمكن تمديد مدى ارسالها المكاني حتى عرفات بإضافة جهاز إرسال مثل محطة التلفزة ، كما يمكن للحجاج استخدام هواتفهم النقالة ولا يكلفهم الأمر إلا تحديدهم لرقم القناة الإذاعية التي تبث لغاتهم . ويقول: انها لا يمكن اختراقها كما لا يسبب استخدامها أي أذي للحاج أو البيئة حوله، ويمكن بث أكثر من خمس عشرة لغة من خلالها. ويضيف: الجميع يمكنهم الاستفادة منها ما عدا شريحة الحجاج الصم، وهم نسبة قليلة مقارنة بعدد الحجاج الذين لا يعانون من هذا النقص في قدراتهم الصحية . ويؤكد إن جودة توفير خدمة للترجمة الفورية ، تتحكم فيها بمستوى عام الكثير من العوامل، ولكن أهمها جودة الأجهزة المستخدمة أولا وأخيرا، فهناك نطاق واسع من الأسعار يبدأ من بضعة دولارات إلى الملايين منها، لذلك يجب مراعاة اختيار الأجود دائما حتى تدوم هذه الخدمة لعشرات السنين ولا تتعرض للأعطال . وأخيرا .. هل يأتي اليوم الذي يحظي فيه الحجاج الذين لا يفهمون العربية بخدمة الترجمة الفورية ليفهموا كل ما يسمعوه. ويستطيعوا تبادل الحوار والرأي، فيما يقوله أئمتهم. وربما تزيدهم هذه الخدمة أيضا خشوعا في صلاتهم، حيث يمكنهم أن ينصتوا ويتابعوا معاني آيات القرآن، تتلي عليهم بلسان مبين فيتدبرونها . ويسعدوا أيضا بفهمهم للدعوات الطيبات المباركات التي يدعو بها الأمام الذي تشمل دعواته ملة الإسلام جميعها؟ وهل تؤدي هذه الخدمة إلي إثارة قدر كبير من الجدل الفقهي على المستوى الشعبي لقضايا الأمة تعين المسلمين علي إحداث نهضة فكرية تجدد وتعيد إسهامهم الحضاري الفذ في تقدم حياة البشر؟.