تتسم العلاقات السودانية المصرية بالتواصل عبر الازمان والحقب التاريخية المختلفة، وظلت تتأرجح ما بين الصعود الى اعلى درجات التعاون والتنسيق في كافة القضايا التي تهم البلدين، ثم تعود لتعيش في اجواء التوتر احيانا ، تبعا لانظمة الحكم في البلدين. وبعد اندلاع الثورة الشعبية في 25 يناير بمصر ونجاحها في ازالة نظام مبارك ، توجهت القيادة المصرية الجديدة التي خلفت النظام البائد بعد اول انتخابات ديمقراطية في مصر، لتصحيح العلاقات مع الدول في المحيطين الاقليمي والدولي، وكان السودان من بين اهم دول تنظر اليها هذه القيادة لتكون السند والعضد خاصة في الفترة الاولى لتولي الرئيس المنتخب زمام الامور . وفي المقابل يرى السودان في مصر الشقيقة التي ظلا معا على الدوام يتأثران ببعضهما منذ عهد ممالك النوبة والفراعنة مرورا بفترة الاستعمار والحكومات الوطنية عقب الاستقلال . وكانت زيارة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير للقاهرة يومي 16- 17 سبتمبر الحالي محطة مهمة في هذا الاتجاه، . ومن ابرز علامات واشارات اهمية الزيارة الوفد الوزاري الذي رافق السيد الرئيس والذي ضم وزراء القطاع الاقتصادي فعلاقات مصر الاقتصادية التكاملية مع السودان لابد ان تمر عبر وزارة الزراعة حيث الاراضي الخصبة الشاسعة، والمياه الوفيرة والمناخ الملائم بالسودان اضافة الى مسألة حوض النيل وما ادراك ما حصص الدول من المياه . وكان وزير الصناعة المهندس عبد الوهاب عثمان حاضرا في الوفد بمشروعاته التي يمكن ان تكون لمصر ادوارا بارزة في تطويرها، كما ان الثروة الحيوانية التي يذخر بها السودان تظل محل اهتمام كبير من الدول غير مصر، ويشكل السوق المصري محطة مهمة لمصدري اللحوم السودانية . الدبلوماسية والتنسيق في المحافل الدولية والاقليمية من ابرز اهتمامات القيادة في البلدين اذ ان التحركات الديلوماسية بالاضافة الى التعاون الامني، اصبحت ذات ضرورة وأهمية للجانبين لانهما يشكلان الحائط الآمن للتعاون الاقتصادي مهما كان شكله وموضوعه . وشملت زيارة البشير للقاهرة مباحثات مهمة انتجت محاور غاية في الاهمية تقود بالمتابعة والتنفيذ الى علاقات مثمرة ومفيدة للطرفين، فعلى صعيد الزراعة اتفق وزيرا الزراعة السوداني والمصري علي تكوين مجموعة عمل سودانية مصرية مشتركة تقوم بالطواف علي مواقع الانتاج الزراعي في السودان للوقوف علي ظروف وبيئة الانتاج الزراعي بالبلاد . وتوقع د. عبدالحليم المتعافي وزير الزراعة ان تصل مجموعة العمل المصرية الي السودان في نهاية اكتوبر القادم ، موضحا ان قيادة البلدين ركزتا خلال مباحثاتهما المشتركة علي اهمية اعطاء الاولوية لقضية الامن الغذائي وانتاج الغذاء مشيرا الي ان الموسم الماضي تم فيه اجراء بعض التجارب السودانية المصرية خاصة في مجال زراعة القمح بالولاية الشمالية بجانب توسيع نطاق التعاون في انتاج الحبوب والانتاج الحيواني . عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة قال لسونا انه لمس خلال مباحثاته مع نظيره المصري رغبة قوية لتطوير العلاقات الصناعية بين السودان ومصر مبينا ان الجانب المصري أبدي الرغبة في انشاء مناطق صناعية مصرية بالسودان ستسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين . واوضح وزير الصناعة انه وعد الجانب المصري بتوفير مواقع لهذه المناطق في ولايات الخرطوم والنيل الابيض ونهر النيل وشمال كردفان مشيرا الي رغبة المستثمرين المصريين للاستثمار في السودان في مجالات الصناعات الغذائية والجلود واللحوم . اما د. فيصل حسن ابراهيم وزير الثروة الحيوانية والسمكية فقد كشف عن عدد من المشروعات الاستراتيجية بين السودان ومصر في مجال اللحوم مشيرا الي مشروع للحوم وهو شراكة بين المؤسسات التعاونية العسكرية في البلدين ويقع في ولاية النيل الابيض . واوضح د. فيصل انه تم اختيار بيت خبرة سوداني لاعداد الدراسة لهذا المشروع ومن ثم الشروع في تنفيذه مبينا ان هناك مشروعاً مشتركاً لانتاج اللحوم بين وزارة الزراعة المصرية ووزارة الثروة الحيوانية وسيكون موقعه في منطقة ام بنين بولاية سنار . واضاف ان هناك ايضا مشروعا للاستزراع السمكي في ولاية نهر النيل عبر اقامة مزرعة نموذجية في مساحة 200 فدان وهو هدية من الحكومة المصرية . فيما أكد وزير الكهرباء والسدود أسامة عبدالله ونظيره المصري المهندس محمود بليع أنه تم الإنتهاء من دراسة الجدوى الإقتصادية لمشروع الربط الكهربائى السوداني المصري على الجهد 220 كيلوفولت كمرحلة أولى تمهيداً للربط على الجهد 500 كيلوفولت فى المرحلة التالية . وفي ذات الاتجاه يشرف الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء المصري د.هشام قنديل الذي بدأ زيارة رسمية للسودان مساء اليوم الاربعاء فى الساعة التاسعة من صباح غد افتتاح البنك الاهلى المصري ( الخرطوم ) بحضور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المصري ورئيس اتحاد بنوك مصر والاستاذ طارق عامر رئيس البنك الأهلي المصري، ونائبه هشام عكاشة وعدد من الصحفيين المصريين بوسائل الاعلام المختلفة . وأوضح ( لسونا ) دكتور صابر محمد حسن رئيس مجلس إدارة البنك الاهلى المصري ( الخرطوم ) ان أهداف البنك تتمثل في ممارسة الأنشطة المصرفية من خلال خطة مصرفية تعمل على توفير خدمات مصرفية متميزة لعملاء المصارف إلى جانب المساهمة في مساندة المستثمرين المصريين والسودانيين لإقامة مشروعات استثمارية في البلدين إضافة الى تنمية عمليات التجارة الخارجة البينية بين مصر والسودان من خلال أدوات تمويل عمليات التجارة المختلفة ومعاونة المستثمرين المصريين المتواجدين بالسودان فى دعم استثماراتهم القائمة من خلال تحسين المناخ الملائم لعملية الاستثمار . وفي اطار الزيارة أكد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أنه بعد شهرين من الآن ستكون هناك 3 طرق أساسية (أسفلتية) للربط بين مصر والسودان من أجل تسهيل حركة البضائع والمواطنين، وهي طريق ساحل البحر الأحمر وهذا مكتمل تماما، وطريق شرق النيل وهذا ينتظر قيام المباني الإدارية، وطريق غرب النيل والذي سيكون مكتملا خلال شهرين . وأشار الرئيس البشير خلال مقابلة في برنامج "اتجاهات" بالقناة الأولى بالتلفزيون المصري إلى أن هناك تخطيطا لربط السكك الحديدية مع مصر، منوها في الوقت ذاته إلى المشكلة التى وضعها الإنجليز عند تصميم خط السكك الحديدية وهى أن خط السكك الحديدية في مصر واسع وفى السودان ضيق وبه منحنيات بحيث لا تتلاقى مصر مع السودان، وذلك حتى لا يتم التواصل بين البلدين، مؤكدا أن الجانب السودانى سيقوم بالعمل على معالجة تلك المشكلة، وبالنسبة للطرق النهرية هناك عوائق الشلالات . ولفت رئيس الجمهورية أنه بانتهاء هذه المشروعات سيكون هناك العديد من المشروعات الإستثمارية بين البلدين وخاصة في مجال الزراعة، وقال أنه "ومن منطلق استشعارنا بأهمية الشراكة مع مصر، قمنا بتوقيع اتفاقيات الحريات الأربع وتشمل (حركة المواطنين والإقامة والتملك والعمل) لأنها تزيل العقبات أمام القطاع الخاص بالأخص . ولم تغفل مباحثات الرئيسين البشير ومرسي قطاعات التكامل المشترك على صعيد توسيع نطاق تبادل الخبرات بين البلدين وذلك عبر اقامة مراكز تدريب متخصصة تعزز من قدرات الموارد البشرية في البلدين بحسب تصريحات ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية . وجاء قرار اطلاق سراح جميع السودانيين المحتجزين بسبب عبورهم الحدود المصرية بحثا عن الذهب الذين تم نقلهم الى الخرطوم عقب مباحثات المشير عمر البشير مع نظيره المصري د. محمد مرسي، وتخصيص طائرة من السلطات المصرية لنقل السودانيين الى الخرطوم عرفانا من الجانب المصري، لحسن تعامل السلطات السودانية مع كل الاحداث التي تقع في هذا المجال والمجالات الشبيهة، كما انه يبين الاتجاه اصحيح في التعاون الامني السوداني المصري مع الكثير من الدبلوماسية . ونقرأ من كل ما جاء اعلاه ان الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية الى القاهرة كانت مهمة ومفيدة للجانبين ويبقى التنفيذ هو التحدي الكبير علي طريق الصدق في تطوير وتعزيز العلاقات الازلية بين السودان ومصر . ع و