ترجع أهمية تناول التجربة الماليزية في عالم المال والاقتصاد الاسلامى لكون ماليزيا دولة متعددة العرقيات، سكانها الأصليون 58 بالمائة، والصينيون حوالى 31 بالمائة، والبقية هنود وعرقيات أخرى، واستطاعت أن ترفض إملاءات البنك الدولي عام 98 ، متخذة إصلاحات اقتصادية عكس ذلك، فخاضت تجربة إسلامية في عالم المال والاقتصاد متبعة المبادئ الرئيسة الإسلامية، حولت فيها الإخفاقات إلى نجاحات؛ ممّا جعل خبراء الاقتصاد في العالم ينبهرون بالتجربة الإسلامية، مطالبين بتطبيقها لتجاوز الأزمة العالمية، فالفلسفة التنموية الماليزية استندت على المساواة في الدخل من منطلق أن التطور الاقتصادي يجب أن يعود بالنفع على المواطن، وتحسين معيشته، وتوفير الضروريات له، كما يقول الدكتور رفعت العوضى في تقديمه لكتاب الباحثة نوال عبدالمنعم "التجربة الماليزية وفق مبادئ التمويل والاقتصاد الإسلامي" أن العصر الذي نعيشه الآن قد ظهرت فيه صنوف المعاملات وألوان التجارة والشؤون الاقتصادية بطرق لم تكن معروفة من قبل. فإننا كمسلمين مطالبون بحكم شريعتنا أن نأخذ بكل أسباب التقدم بقدر ما نحن مطالبون بالتمسك بمبادئ ديننا الحنيف، والإسلام جاء بمنهج شامل للحياة ينظم الجانب المادي في حياة الإنسان بمثل ما ينظم الجانب الروحي، ذلك أن تعاليم الإسلام تنطلق من مبادئ كلية عامة، وردت بالقرآن الكريم، والسنة النبوية لتحكم جميع النشاطات الإنسانية بشكل يتسع لكل جديد يطرأ على المجتمع من التجربة إلى التطبيق. الكتاب يكشف أيضًا أهمية قراءة ما جاء في القرآن لفهم ما يحدث بنا، وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حلت بنا الكوارث والأزمات الاقتصادية، بل يستشهد في الكتاب بما قال رولاند لاكسين رئيس تحرير صحيفة" لو جارنال دى فينانس "فى مقال له افتتاحيًّا عن هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت. فلا شيء أكثر بساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، كما أن الفرنسى جاك أوسترى وهو المتخصص في الاقتصاد انبهر بشدة بالاقتصاد الإسلامي ومواءمته وتوفيقه بين المصالح الخاصة والعامة، وأن هناك طريقًا ثالثًا راجحًا هو الاقتصاد الإسلامي، وبأنه ليس الاقتصاد محصورًا بين اقتصاديين معروفين هو الرأسمالي والاشتراكي. أعدت الباحثة نوال عبدالمنعم في كتابها مجموعة من الأوراق البحثية تتخلل التفاصيل التجربة الماليزية من مرحلة الأخذ بمبادئ الاقتصاد الإسلامي ثم أسلوب ومجالات تطبيقه وعرض لأهم التطبيقات في مجال المصارف الإسلامية وأسواق رأس المال الإسلامية وشركات التكافل وصناديق الاستثمار الإسلامية، وتحاول الباحثة الربط بين نجاحات ماليزيا وبين تطبيقها لمبادئ الاقتصاد الاسلامي على قطاعاتها المالية والمصرفية ومدى التزامها بتطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي وإمكانية استفادة بقية الدول من التجربة. المذهب الاقتصادي. الباحثة قسمت الكتاب إلى الإطار النظري لمبادئ الاقتصاد الإسلامي من خلال تناولها لاهتمام الإسلام بالنشاط الاقتصادي يتناسب مع مكانتة في حياة الناس من خلال العلاقات المتبادلة والمتشابكة، وتقنين تلك العلاقات ووضعها في أطر أخلاقية تحكم تصرفات تلك المعاملات، وهو ما أطلق عليه "المذهب الاقتصادي الإسلامي"، تلك المبادئ وردت صريحة في القرآن الكريم في العديد من الآيات منها، "وأحل الله البيع وحرّم الربا" سورة البقرة، وقوله تعالى "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، واسترشدت تلك المبادئ إلى سلوك ومعاملات الرسول، والخلفاء الراشدين، والسلف الصالح. وتناولت الباحثة في هذا الباب الملكية المزدوجة والحرية الاقتصادية بضوابط الشريعة والعدالة الاجتماعية، وتحريم الربا، وتبرر الباحثة أهمية التجربة الماليزية من خلال استقرائها للخطط الخمسية التي حققت بها ماليزيا تلك النجاحات ببناء المجتمع الماليزي منذ رحيل الاستعمار الإنجليزي عن البلاد برؤية طموحة فقد سعت إلى القضاء على الفقر بين المجتمع والقضاء على اشكالية العرقية، وان الجميع يسكن في وطن واحد، والقضاء على موضوع التمايز بين العرقيات وبات الماليون سكان ماليزيا يدخلون كشريك فى الاستثمار الأجنبي كشريك، بل سعت إلى زيادة شركات القطاع العام حتى تكون للدولة يدها، وتوفير فرص عمل للشباب بما يضمن زيادة الانتاج والنفع ممّا حدّ من الفقر خاصة للشعب الأصلي الماليون بتوليهم المناصب والارتقاء بهم في المهن بعد أن كان غالبيتهم يعملون بالزراعة، في حين كان التفوق في مهن الطب والتجارة والهندسة والمحاماة والمحاسبة لصالح الصينيين. فماليزيا لم تنتهج ما انتهج الآخرون من بيع بعض المصانع إلى الأجانب، بل باعتها إلى سكان البلد، وماليزيا، وجهت كل طاقتها في الانفتاح على الشرق مثل اليابان باعتبار أن هناك هوة بين المعايير الغربية، وماليزيا وهو ما انطلق من توجهات مهاتير محمد في محاضراته وخطته، ويرجع التوجه بالنظر إلى اليابان، باعتبار أن اليابان تجاوزت كارثة ودمار الحرب العالمية الثانية بفتح باب الاستثمارات اليابانية في ماليزيا، بل حاولت إلى إدخال الصناعات الثقيلة كعملية نهضوية اقتصادية وبالتالي ماليزيا فتحت أسواق لها خارجيًّا، وحققت مراكز متقدمة في العالم. ولكن كيف لماليزيا اتخاذ الاقتصاد الإسلامي نموذجًا للنهوض تقول الباحثة إن الإسلام في ماليزيا منهجًا وطريقة حياة ومن هنا بات الحاجة الملحة في غرس قيم وتعاليم الإسلام في كل جوانب الحياة بما فيها المعاملات المصرفية والتمويل، وقد توافقت رغبة المواطنين مع رغبة القيادة والرغبة في إحياء مجد الإسلام، وهي سعت إلى الاستفادة من عقد المؤتمرات والندوات حول الإسلام والاقتصاد الإسلامي بإنشاء المنظمات الإسلامية فهي شرعت الأخذ بمبادئ الاقتصاد الإسلامي والأخذ بمبادىء الإسلام، والعمل على تدريب العمالة المسلمة والقضاء على الفقر بين الشعب الماليزي من منطلق رعاية الإسلام للمواطنين و ساعدت على إنشاء بنوك إسلامية، ومصارف إسلامية، وشركات تكافل وتأمين إسلامية خالية من المحظورات، وأدار خبراء مسلمون تجربة فريدة فيما يسمّى بصندوق الحج، وهي ودائع مواطنين في هذا الصندوق من أجل إتاحة الفرصة للمواطن لكي يحج دون نفقات باهظة كما استحوذت ماليزيا على أكبر سوق للصكوك في العالم مستثمرة بالنظام الإسلامي. الكتاب يبرز إن التجربة الماليزية تجربة فريدة من نوعها استطاعت ماليزيا أن تحتل مكانة بارزة يشار لها بالبنان فقد حققت أعلى معدلات في حين كان الاقتصاد العالمي يتهاوى ودول كبرى تتساقط. بهذا نؤكد ان الشعب الماليزي قد حقق "معجزته" بالفعل، وأنه تمكن من تحويل بلاده الفقيرة إلى ورشة عمل هائلة خلال فترة حكم قائده مهاتير محمد البالغة اثنتين وعشرين سنة فقط، انتقلت خلالها ماليزيا من دولة زراعية بدائية إلى دولة متقدمة تحتل المرتبة التاسعة عالميا بين الدول المصدرة للتقانة العالية, وذلك بمعدل نمو سنوي يناهز الثمانية بالمائة، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم. وعمل السودان على دراسة تجربة دولة ماليزيا والاستفادة منها ونقلها وتطبيقها حيث اوضح الاستاذ عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة في تصريح (لسونا) ان الوفد الماليزي الذي زار السودان مؤخرا برئاسة الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق . قدم لهم شرحا مفصلا عن تجربة زراعة جوز الهند والمطاط في ماليزيا والتي ساهمت في خفض الفقر من 50 % منذ استقلالها في الخمسينيات الي 3 % فقط حيث اهتمت دولة ماليزيا بتنمية وزراعة جوز الهند وتطويرها لزيت النخيل وتدريب الناس وتأهيلهم في كيفية الاستفادة من هذا المنتج الهام والذي ساهم مساهمة فاعلة في تطوير اقتصاد ماليزيا ، واكد وزير الصناعة علي انه سيتم الاتفاق مع مجلس الصمغ العربي بالتنسيق مع وزارات البيئة والغابات ، الصناعة و التجارة للعمل علي دراسة تجربة دولة ماليزيا والاستفادة منها ونقلها وتطبيقها في السودان علي محصول الصمغ العربي والمحاصيل الاخري في البلاد وذلك عبر الفنيين من تلك الوزارات بتكوين لجان ودراسة تلك تجربة وشرحها للمزارعين والاستفادة من التجربة الماليزية وانزالها علي ارض الواقع من اجل دفع الاقتصاد الوطني الي الامام وازالة الفقر .