الرهد/جبل الداير/في 25/1/2013/سونا/ "نحن نحب هذا الجبل كما نحب نعمة البصر التي نتمتع بها ، نحب حجارته وأشجاره وحيواناته، حتى أننا ليخال إلينا أن سحناتنا وأشكالنا تشبهه في كل شيء . ولقد دمرناه طوال سنوات ودفعنا ثمنا غاليا. ولكننا وعينا درسنا ونحن نحرسه الآن بأعيننا" . بهذه العبارات المؤثرة بدأ إسماعيل أوجار أحد سكان قرية سدرة الجبل، بمحمية جبل الداير بمنطقة الرهد بولاية شمال كردفان، حديثه لأعضاء الرحلة العلمية التبادلية للجبل، من مجتمعات أحواض نهر أدنى عطبرةوالرهد والدندر ،الذين جاء بهم برنامج الإدارة المجتمعية للأحواض المائية التابع لمبادرة حوض النيل، بقصد التعرف على كيفية محافظة سكان الجبل لبيئته والتجارب التي يمارسونها من أجل ذلك . تعتبر محمية جبل الداير التي تبلغ المساحة الكلية لها 314,45 كلم بمحلية الرهد ابودكنة بولاية شمال كردفان، أول محمية محيط حيوي جبلية في البلاد . و تم إعلانها محمية قومية من قبل رئيس الجمهورية في العام 2010م ، وتهدف لحماية التنوع الحيوي والنظم البيئية والمصادر الوراثية وتمثيل البيئة الجبلية في السودان بالإضافة لحماية مصادر المياه ومحاربة الزحف الصحراوي وتطوير السياحة وضمان تقديم الخدمات البيئية للمجتمعات المحلية . ويبعد جبل الداير عن مدينه الرهد بحوالى 23ميل وعن مدينة الأبيض ب 61ميل. وتزخر منطقته بتنوع إحيائى وبيئي متفرد ، ويبلغ أعلى ارتفاع له 1416 قدم فوق سطح البحر. ويوجد بها 14 نوعا من الثدييات و17 نوعا من الطيور المستأنسة بالإضافة إلى 16 نوعا من الزواحف و25 نوعا من الأعشاب الطبيعة و9 انواع من الحشائش . ويوجد بالمحمية حيوان نادر جدا هو حيوان (النلت) المعروف ب (التيتل) الذي انقرض في كافه أنحاء السودان. كما توجد بها الشلالات والمجارى المائية الدائمة طول العام حيث توجد 9 عيون من الماء بالإضافة إلى 13 مسطحا مائيا تعتمد عليها الحيوانات البرية الموجودة بالمنطقة وتمتاز قمة الجبل بوجود السهول والرمال بالإضافة إلى العديد من الأشجار الغابية المتنوعة . وتقيم بالجبل 43 قرية و16 قرية كبيره ، تتمتع بأسواق متجولة ولها عائد كبير من المحصولات والحيوانات، و65% من سكان هذه القرى يزاولون مهنة الاحتطاب و16%يزاولون مهنة الصيد فيما يعمل أغلبهم أيضا في الزراعة . ويستطرد إسماعيل أوجار الذي يسكن قرية سدرة بجبل الداير، ويعمل معلما بمرحلة الأساس بالقرية: الجبل حياتنا كنا نستهلك أشجاره ونباتاته وحيواناته ونزرع في أرضه كان يمدنا بكل شيء ولم نكن نعطيه شيئا. وطوال الثلاثين عاما الماضية كانت النيران التي نشعلها لأغراض مختلفة مستمرة وتدمر كل شيء . ولكننا صحونا فجأة لنجد أن موارد الجبل نفدت من أيدينا. وصارت حياتنا أكثر فقرا ومعاناتنا من أجل كسب العيش أصعب وأقسى . وكان السؤال الطبيعي الذي يردده الجميع أين ذهبت موارد الجبل؟ وكان الصغار يقولون لآبائهم لقد دمرتم الجبل . ويضيف في البدء رفضنا وجود شرطة حماية الحياة البرية بيننا، ولكننا بعدها جلسنا سويا معهم وتناقشنا واقتنعنا بجدوى حديثهم ووجدنا أنفسنا المستفيدين أولا ولكن بالطريقة التي تحفظ لنا البيئة ومواردها من حولنا بصورة مستمرة. وبدأنا في حماية الجبل من أنفسنا وبدأنا بفتح خطوط للنار ولم نشعل نيرانا طوال عاما كامل . ذهلنا بالنتائج التي أحرزناها، هذا ما أكده إسماعيل في حديثه، فقد زادت الأخشاب والأشجار وزادت كميات المياه المتساقطة وظهرت عيون المياه التي اختفت لسنوات . وطالبنا كمجتمعات محلية من السلطات أن تحمي الجبل وسعينا مع الجميع إلى إعلانه محمية محيط حيوي وتم ذلك بالفعل العام 2010 بقرار من رئيس الجمهورية . ويحكي مدير محمية الجبل الملازم أول خضر الصادق، أن العديد من الطرائف والنوادر اكتنفت مسيرتنا هذه ومنها أن السكان حول الجبل كانوا يأتونه شاكين من قرد كان يقيم في المقر الإداري للمحمية ويقولون إن قرد الإدارة يأكل ويتلف محصول الفول السوداني الذي يزرعونه وكان يرد بسؤالهم وهل الفول هو الطعام الطبيعي للقرد؟ فيقولون لا ويكون رده حينها أنكم قطعتم الأشجار التي كان القرد يتغذى على ثمارها فكأنه يقول لكم قطعتم أشجاري بفؤوسكم وهأنا آكل محصولكم، واحدة بواحدة .فإذا توقفتم عن قطع الأشجار فلن أزعجكم. ويؤكد المدير أن القرد لم يعد يأكل محصول الفول السوداني . ويستطرد أن قصة مشابهة كانت تحدث مع القط البري الذي يسمونه أبو ريشات. وكان يأكل أبقار الأهالي وحيواناتهم المستأنسة الأخرى في القرية لأنه لم يعد يجد الطيور البرية التي يتغذى عليها، بسبب الصيد الجائر للسكان لها. وتوقف السكان عن صيد الطيور ولم يعد القط البري يزعج السكان ويأكل ماشيتهم . ويؤكد، انه لم يتم تسجيل أية مخالفة اعتداء من قبل المجتمعات في المحمية منذ أن تم إعلانها محمية محيط حيوي منذ ثلاثة أعوام . وقال إنه بدلا من الدوريات التي كانت تجوب المنطقة سابقا، صار سكانها يتطوعون لحمايتها ويمنعون أيا من كان من الاعتداء على أحجارها ونباتاتها وحيواناتها، والتزموا التزاما صارما بالمحافظة عليها وتطويرها بعد أن كانوا يستبيحون حرمتها . ووفقا له فأن هذه المحافظة والحماية حققت نتائج جيدة حيث زاد الغطاء النباتي والأشجار مما أدى إلى ارتفاع معدلات سقوط الأمطار وظهور عيون مياه كانت قد اختفت منذ سنوات عدة . كما زادت أعداد الحيوانات البرية وصارت تتغذى على الثمار الطبيعية التي تشكل غذاءها الطبيعي. فيما أكد مدير إدارة المجتمعات المحلية بالإدارة العامة لشرطة الحياة البرية، الرائد النعمان تاور، أن تعاونهم مع السكان المقيمين المتاخمين للمحميات الطبيعية هو السلاح الذي يستخدمونه للمحافظة على الموارد الطبيعية فيها . وأضاف أنهم لا يطبقون القانون بل يتركون لهذه المجتمعات بعد توعيتها أن تفعل وتنظم قوانينها والقانون العام بنفسها لحماية مواردها التي تعود عليها بالفائدة والنفع قائلا:وصلنا إلى إيمان تام بأهمية دور المواطنين في المجتمعات المحلية في حماية البيئة ومواردها المتنوعة . وذكر إن سلوك القرى المحيطة والمقيمة حول الجبل ، يمثل نموذجا للتعاضد والتعاون مع الطبيعة . حيث أن القبائل الأصلية والوافدة إليه أدركت أنها تستفيد من موارده وتتأثر كثيرا بالمتغيرات البيئية التي تحدث له نتيجة لإسرافهم في استهلاك موارده . وقال إن خطط الإدارة مستقبلا، تهدف وتركز على هذا الفهم وترك حماية هذه المحميات إلى مجتمعاتها إذا أن أي سياسات حمائية لا يمكن أن يتم إنفاذها وتطبيقها إلا عن طريق الأهالي. ويطمح سكان جبل الداير إلى أن تعود منطقة الجبل كما كانت سابقا بل أكثر تطورا ويفكرون في جعلها منطقة سياحية جميلة ومريحة ومركزا اقتصاديا وتجاريا يستطيعون من خلال المشاريع العديدة التي يحلمون بها إلى تسويق منتجاتهم المختلفة والمتنوعة . ويقول موسى صالح من قرية العين أم ضباب بالجبل :لقد أبلينا وأجهدنا أنفسنا خلال الأعوام الماضية واستطعنا أن نحقق الكثير وكانت النتيجة تحسن بيئة الجبل . ولكن كيف نحافظ على هذا النجاح وكيف يستمر وكيف نستغل موارد الجبل في تنمية السكان محليا. ويؤكد "كسكان فعلنا ما علينا ولا بد من أن تدعم الدولة والحكومة تنميتنا اقتصاديا واجتماعيا". ف ع