- للعشر الأواخر من رمضان عند النبي صلي الله علية وسلم وأصحابه أهمية خاصة وهدي ، فقد كانوا اشد ما يكونون حرصا علي الطاعة والعبادة والقيام والذكر لما فيها من الخيرات والأجر والفضائل المشهودة والعظيمة ، والرسول صلي الله علية وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ، ففي حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي صلي الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد مئزره) . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها (إن رسول الله صلي الله علي وسلم كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره) ، وقالت أيضا (كان النبي إذا دخل العشر أحيا ليلة وأيقظ أهله وجد وشد مئزره). ففي الأحاديث دليل على فضل هذه العشر ويتجلى ذلك من خلال النصوص من ان الرسول صلي الله عليه وسلم قد بلغ الغاية من الخضوع لله والانكسار بين يديه وجمع أصول التعبد من صلاة وصيام وتصدق وقراءة قرآن وذكر ودعاء وفكر ومحبة وتوكل وخوف ورجاء ومحاسبة وتوبة و كثير من منافع الخير وأعمال البر. وان الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وطالبا لليلة القدر التي من قامها إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وظاهر الحديث ان النبي صلي الله عليه وسلم يحيي الليل كله في عبادة ربه بالذكر والقراءة والتدبير والتفكير. اذن هذه الأيام فرصة العمر وغنيمة الدهر لمن وفقه الله فينبغى للمسلم العاقل إن لا يفوت هذه الفرصة الثمينة فما هي الا ايام معدودة فربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات الله فتكون سعادة الدنيا والآخرة . ان سر الاجتهاد في العشر الأواخر يمكن ان يكون في أمرين أولهما ان هذه العشر هي خواتيم الشهر المبارك والأعمال بخواتمها (اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك وخير عمري أواخره وخير عملي خواتمه) ثانيا إن ليلة القدر المباركة المفضلة أرجى ما تكون فيها بل صحت الأحاديث إن تلتمس فيها فاللبيب الكيس من اجتهد عسي إن يظفر بهذه الليلة فيغفر له ما تقدم من ذنبه ، وذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكفت أزواجه من بعده وفي صحيح البخاري أنها قالت كان النبي صلي الله عليه سلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما ، ومعني الاعتكاف لغة لزوم الشئ وحبس النفس عليه وشرعا المقام في المسجد من شخص مخصوص علي صفة مخصوصة وهو عبادة ذات شان كبير في تربية النفس وصرفها عن شواغل الدنيا وبعث الإرادة القوية فيها حتى لا تضعف أمام مغريات الدنيا وهو عزلة مؤقتة وإقبال بالكلية علي الله عز وجل والتمسك بعبادته وهو تجلية القلب لله والإلحاح فيطلب الفوز والحكمة وإصلاح القلب ، وحكم الاعتكاف سنه مؤكدة في العشر الأواخر ومستحب في غيرها ، وحكمته إن المسلم في اعم حالاته لا يكاد يسلم من فضول الكلام والطعام والمنام وهذا الفضول ينال من الجسد ويصرف القلب عن الإقبال لله تعالي ويحرم علي المعتكف الجماع ومقدماته ويجوز الخروج لامر لابد منه كقضاء الحاجة والوضوء الواجد والأكل والشرب والخروج لأمر طاعة إن اشترط ذلك في بداية اعتكافه . وكان رسول الله صلي الله علي وسلم يعتكف في العشرة الأواخر حتى توفاه الله وكان حريصا علي تحري ليلة القدر ويقوم في اعتكافه بتلاوة القرآن الكريم ومدارسته وتدبيره وفهما لمعانية وقد جاء في الحديث كان جبريل عليه السلام يلقاه كلي ليله في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه صلي الله عليه وسلم القرآن فقال ابن حجر( كان جبريل يتعاهد في كل سنة فيعارضه بما ننزل عليه من رمضان إلي رمضان فاذا كان العام الذي قبض فيه عارضة به مرتين ). على المسلم أن ينظر في أي شيء يصرف وقته وذم الله الكفار تضييعهم لأوقاتهم، ومدح المؤمنين لاستغلالهما بالأعمال الصالحة وهذه الأوقات تتفاوت في فضله وتتفاوت أيضاً الأعمال في أفضليتها وتقديم بعضها على بعض وفي حياة السلف نماذج رائعة وصور مشرقة في استغلال الأوقات، وإنجاز الأعمال العظيمة. ب ف