الخرطوم ،2-9-2013 "سونا"عرفت البشرية منذ القدم ظاهرة وجود افراد ا وجماعات اجبرتهم الظروف القائمة فى مواطنهم الاصلية للفرار منها خشية الاضطهاد الناشئ عن اسباب قبلية ،عنصرية ، دينية ،سياسية ، اقتصادية او رغبة فى حياة افضل ولم تجد هذه الظاهرة حظها للوقوف على النتائج المترتبة عليها في السودان الا عندما تفاقم أمرها عقب الكوارث الطبيعية او الصراعات القبلية والحروب السياسية. وبدأ عبء الهجرات الغير مقننة خفيفا اول الامر لدرجة لم تر الحكومة معه داعيا للاستعانة باى جهة اخرى ولكن ما لبث العبء ان ازداد بما تجاوز طاقة ولاية الخرطوم واستمر بما تجاوز توقعاته فكان لابد من وضع الخطط واسراع الخطى للمعالجة . هذا التعريف جاء فى ورقة اللواء ركن موسى حسن احمد رئيس لجنة الشئون الهندسية والزراعية بتشريعى الخرطوم فى جلسة المجلس التشريعى دورة الانعقاد السابعة فى اغسطس الماضى حول( دراسة ظاهرة السكن العشوائى فى المدينة والريف الاسباب والاثار الاقتصادية والاجتماعية والامنية والحلول) برئاسة الاستاذ محمد الشيخ مدنى رئيس المجلس واعضاء المجلس التشريعى . اشار اللواء ان هذه الدراسة بصورتها الحالية هى محاولة لالقاء الضوء على مشكلة يكتنفها الكثير من التعقيدات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية ليس على نطاق ولاية الخرطوم فحسب بل على نطاق الولايات الاخرى واصفا ان ما عرض فى الدراسة يعد اسهاما للجنة مشكلة بقرار من رئاسة المجلس التشريعى لولاية الخرطوم داعيا السلطة التشريعية والتنفيذية الى زيادة الاهتمام بالمشكلة بغرض الوصول لامثل الحلول. تناولت الدراسة عدة موضوعات تمثلت أولا فى الاثر الديموغرافى والاجتماعى للهجرة على الريف او المدينة حيث ذكر ان التحدى الذى يواجهنا انطلاقا من وجود وبقاء اعداد كبيرة فى مناطق السكن العشوائى هو كيفية اتخاذ القرارات السياسية والتدابير اللازمة التى تؤدى الى اعادة صياغة المواطنين واتنشالهم من وهدتهم السايكولوجية واعتمادهم ليكونوا عنصرا ايجابيا يثرى حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . و تناولت الورقة -من ناحية ثانية -موضوع السكن الغير مقنن وأثره على الامن القومى وأشارت الى مفهوم الامن القومى حيث اوضحت انه غياب او ضعف عوامل الخوف والقلق عند قيام الدولة لتحقيق اهدافها القومية الرامية الى حماية اراضيها وثرواتها والمحافظة على استقلالها السياسى والاقتصادى بتوفير الاستقرار والرخاء لشعوبها لكى تضمن استمرار بقاء الدولة وتنمية امكانياتها . وافادت الورقة ان مفهوم الامن القومى العريض هو قدرة الدولة (الامة) على حماية كيانها الذاتى وقيمها الداخلية من خطر القهر على يد قوى خارجية والامة وهى تسعى لحماية كيانها الذاتى تفعل ذلك وفى بالها العديد من التهديدات التى تؤثر على تلك القدرة بفعل العوامل ذات الطابع السياسى والاقتصادى والعسكرى واشارت الدراسة الى انه فى اطار المفهوم الشامل للامن القومى استعراض مدى اثر حجم مشكلة السكن العشوائى على الامن القومى وانعكاساته على الاوضاع فى الريف والمدينة. تناولت الورقة من ناحية ثالثة التأثير على الامن والشعور الاجتماعى للمهاجرين والاثار الاجتماعية والاقتصادية . وتضمنت الدراسة تجربة ولاية الخرطوم لمعالجة السكن العشوائى حيث ابانت ان السكن العشوائى كظاهرة بدأت فى الولاية منذ بدايات القرن الماضى وتفاقمت كثيرا فى بداية السبعينيات ولم تقتصر هذه الظاهرة على ولاية الخرطوم بل شملت العديد من المدن الكبرى مثل بوتسودان - ودمدنى - الابيض - كوستى - القضارف -نيالا - حلفا الجديدة وغيرها وان اول مبان غير شرعية ظهرت فى الخرطوم كانت بمدينة الخرطوم بحرى عام 1927م وظهرت في امدرمان فى اواخر الاربعينات . وارتفعت معدلات الهجرة من الريف صوب الخرطوم الكبرى مما سبب ازمة حادة فى السكن واجهتها الحكومة بتوزيع بعض القطع الاسكانية الا انها لم تتكافأ ومعدلات النمو السكانى العالية، مما حمل البعض للاتجاه للبناء دون الحصول على تصديق من السلطات المختصة ، وادخلت عدد من المناطق ضمن مشروعات اعادة التخطيط مما ساعد كثيرا فى الحد من هذه المخالفات ، واستجدت ظروف اقتصادية وسياسية ساهمت فى تعاظم معدلات الهجرة صوب العاصمة حتى بلغت 13% فى العام، مما شجع الأهالى بالقرى المتاخمة للمناطق الحضرية بالخرطوم الكبرى على بيع الاراضى المجاوره لقراهم دون وجه حق . وفى العام 1976م ظهر نشاط وزارة الاسكان لمعالجة الظاهرة وأجريت بحوث فى ذلك التاريخ بما يعرف بالنمرة الحمراء ولكن ظلت الظاهرة فى تنام حتى بلغت فى العام 1983م (96) موقعا ، وبدأت أعداد كبيرة فى الهجرة من الولايات تتدفق للعاصمة وشكلت هذه البحوث الاساس أو المرجع لمعالجة الظاهرة فى شكل استحقاقات وتقنين للمواطنين ، وفى مجمل الظاهرة تم التعامل على اساس اعادة التخطيط وفى حالات قليلة تمت المعالجة على أساس الازالة الشاملة وإعادة التوطين . وأبانت الدراسة مراكز ومواقع السكن العشوائى بين عقدين من الزمان حيث تم تصنيفها كمناطق من الدرجة الرابعة ، مناطق الكراتين، المناطق العشوائية الحديثة وتمت معالجتها ، ولمقابلة هذه الظاهرة تطورت ادارة السكن العشوائى من معالجة الى جهاز تنفيذى لمعالجة ومكافحة السكن العشوائى وفى العام 2001م تم ضم الجهاز التنفيذى لمعالجة السكن العشوائى مع ادارة تنظيم القرى لتصبح ادارة التنمية الحضرية والهدف من انشائها ضم وربط القرى ومناطق السكن العشوائى التى تمت معالجتها بالنسيج الحضرى وتحسين البيئة العمرانية . وفى العام 2005م تم دمج ادارة التنمية الحضرية فى مصلحة الاراضى وانشئت ادارة متخصصة لحماية الاراضى الحكومية وتم توفير الاحتياجات اللازمة لتقوم بالدور المنوط بها على أكمل وجه . وجاءت الدراسة بحلول بعيدة المدى حيث كانت تجربة السكن العشوائى الحديث ما بعد العام 1983م لمدن "دار السلام "تمثل الحلول العاجلة، وهناك أيضاً على المدى البعيد تصورا متكاملا لايجاد الحلول لهذه المشكلة فإن إحداث التنمية الاجتماعية المتوازنة فى المناطق الريفية والحضرية يشكل الحل الامثل لإعادة توزيع السكان بما يساهم فعليا فى زيادة معدلات الانتاج وإعمال السلطة القانونية بولاية الخرطوم لمنع التعديات على اراضى الدولة على ان يتم منح الاراضى السكنية عبر الخطط الاسكانية المدروسة ونقل تجربة مدن دار السلام الى مناطق الجذب بالولايات وتنشيط مشروع تجميع القرى مما يؤدى الى تنمية المراكز الريفية ويساعد على تركيز الخدمات . وتمت المعالجة فى محليات جبل أولياء ،شرق النيل ،كررى ،أمبده و الخرطوم بناءً على عملية تحسين البيئة العمرانية وإعادة توزيع السكان وتوفير الخدمات وتوزيعها ، حيث واجهت عملية المعالجة عدة مشاكل ومعوقات اهمها تعدد قنوات الاستئناف الادارى دون قيد زمنى محدد مما أدى الى إيقاف عمليات الازالة لحين الفصل فى الاستئناف وتعدد مراحل الاستئناف وتوقف عمليات الازالة من وقت لاخر وتزوير المستندات وحالات الغش . وتشمل الايجابيات التي تمت من خلال المعالجة دخول المناطق العشوائية فى النسيج الحضرى والإمداد بكافة الخدمات ومحاصرة السكن العشوائى وتمكن اللجان الشعبية من توفير المزيد من الخدمات بما يعرف بالعون الذاتى . وأوصت الدراسة بضرورة وضع خطط تنفيذية مسبقة للمعالجات ووضع قيد زمنى للمعالجة وان تشمل المدن المحورية على مناطق تستوعب هذه الجماعات فى مواقع الانتاج بولاية الخرطوم على أن تخصص بها مواقع للايواء المؤقت لاى هجرات متوقعة للولاية على ان يتم تزويدها بالخدمات الضرورية لإحتواء اى موجات هجرة تستهدف الولاية وإحياء مشروع تجميع القرى بالولايات فى مراكز حضرية تركيزا للخدمات واقامة مشروعات إستثمارية مرتبطه بمقومات الانتاج المحلية توفيرا للعمالة والحد من الهجرة للمدن الكبيرة . كما أوصت الدراسة ان تتبنى حكومة الولاية مشروع البطاقة السكنية وتوفير قاعدة بيانات للاستفادة منها فى مشروعات التخطيط العمرانى والإسكان وتحديد الاولويات لتلك المشروعات للحد من حيازة الاراضى ودعم صندوق الاسكان الولائى لتسهم الولاية بالاكتتاب فى مصانع الاسمنت والحديد وتمليك الصندوق محاجر لخفض تكلفة المنازل التى يشيدها الصندوق لمحدودى الدخل بالاضافة الى دعم الاجهزة الرقابية بمزيد من الامكانيات والكوادر للقيام بدورها فى حسم المخالفات وفرض هيبة الدولة وانشاء جهاز مستقل لمحاربة اى تمدد او ظهور لهذه الظاهرة من جديد . واضافت التوصيات ضرورة توثيق الصلة بين الجهاز التنفيذى والتشريعى لوضع وانفاذ القوانين واللوائح التى تعاقب المعتدين على اراضى الدولة وان يتماشى دور السلطة السياسية والتشريعية بالتوعية والمؤازرة للاستجابة للمخططات والمعالجات وفق التخطيط الاستراتيجى للولاية ومشاركة الاجهزة الاعلامية فى خطط التنظيم والمعالجات ونقل المعلومات من مصادرها حتى لا تتم تشوهات بما يدعم العملية بصورة سلسة وتشجيع الهجرة العكسية للولايات وفق استراتيجية قومية تسهم فى وضعها وزارة الحكم الاتحادى و وزارة الزراعة والغابات ووزارة التخطيط العمرانى بولاية الخرطوم وتشجيع عمليات حصاد المياه وتطوير الصناعات المحلية فى مدن الريف والولايات لزيادة عدد سكانها كحماية لولاية الخرطوم من الزحف السكانى . كما شددت التوصيات أنه على المجلس الاعلى للسكان وهو مؤسسة إتحادية اأن يعمل على تعميق فكرة زيادة سكان مدن الريف والاقاليم بإنشاء مدن مليونية فى المناطق التى تتوفر فيها مياه الشرب وذلك لتقليل الضغط على ولاية الخرطوم.