- كشفت أوراق ومداولات المؤتمر القومي الثاني للإعلام الذي اختتم فعاليته نهاية يونيو الماضي الحاجة إلى ضرورة الاهتمام بالإدارة الإستراتيجية للمؤسسات العامة في الدولة لدورها في تحقيق غايات النهوض الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي والإسهام في تنمية المجتمعات في مراحل البناء المختلفة . ولقد بدت هذه الحاجة من النتائج التي أفضى إليها تحليل واقع المؤسسات الإعلامية القائمة على أمر الإعلام الرسمي وكذا واقع المؤسسات الإعلامية الأخرى خاصة المؤسسات الصحفية التي اوضحت الأطروحات التي قدمت بصددها في المؤتمر إلى ضعف الجوانب الخاصة بمناهج وسبل إدارة هذه المؤسسات على أسس استراتجيية تستشرف مستقبل تطورها في ظل التحولات الطارئة والمتلاحقة التي تنتظم هذا القطاع في علاقته بمحيطه الإقليمي والعالمي في واحد من أكثر المجالات تسارعا في أساليب الأداء ومعينات العمل وتقاناته في عالمنا المعاصر . وتنبثق أهمية التخطيط والإدارة الإستراتيجية في المؤسسات العامة من الحاجة إلى تطوير إمكانيات التخطيط الاستراتيجي لدى المسئولين عن إدارة المؤسسات العامة ومواقع التوجيه وبناء الرأي العام فيها بغرض الحيلولة دون تركيز هؤلاء المسئولين على الأعباء الروتينية وتمكينهم من التحول إلى أسلوب التخطيط والإدارة الإستراتيجية التي تعتمد على الإبداع الذهني والثقافي والفكري بغية تنمية النظرة المستقبلية بمفاهيم مختلفة مثل التصميم من أجل المستقبل واختراع المستقبل وخلق المستقبل والإسهام في جعل المستقبل أمرا قابلا للتحقيق. وتدعو ضرورة الإدارة الإستراتيجية في المؤسسات الإعلامية والصحفية بشكل خاص لدور هذه الإدارة في معالجة مظاهر هشاشة الهياكل وضمور الإمكانيات وقصور الرؤى اللازمة لتطوير هذه المؤسسات بغرض بلوغ أهدافها وغاياتها على المدى القصير والمتوسط والطويل وفق رؤية ورسالة تقوم على ثقافة المؤسسة وإطارها القيمي عبر سلسلة من القرارات والأفعال والإجراءات الفعالة التي تقود إلى تطوير هذه المؤسسات من خلال الارتكاز على نتائج تحليل بيئة هذه المؤسسة أو تلك والإفادة منها في إعداد الخطط والبرامج المنفذة للإدارة الاستراتيجية . وتعتبر الإدارة الإستراتيجية من الأساليب الحديثة التي تعتمد على التنبؤ والتوقعات والمعلومات وتمثل إضافة جديدة لأساليب الإدارة المتقدمة وتهتم بالقرارات الجوهرية والأهداف بعيدة المدى ذات العلاقة والأهمية القصوى والتأثير على مستقبل المؤسسة واستمرارها . وتتضمن عملية التخطيط للإدارة الإستراتيجية خاصة في وسائط الإعلام الاهتمام بالسياسات الإدارية الداخلية إلى جانب التركيز على دراسة العوامل البيئية المحيطة بكل مؤسسة بقدر يعين على صياغة البدائل الإستراتيجية فيها واختيار البديل الأفضل لتحقيق أهدافها اعتمادا على منظومة من القرارات والعمليات المتكاملة ذات العلاقة بتحليل البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة واكتشاف الفرص المتاحة في ظل المتغيرات المتتابعة لضمان ميزة إستراتيجية لوسائط الإعلام وتعزيز مكانتها في أنشطة الأعمال التي تقوم بها . ومن المهام الرئيسة التي تؤديها الإدارة الإستراتيجية متابعة وتقويم أداء المؤسسة كنظام متكامل بما يؤدي إلى توفير فرص البقاء والنمو والتطور للمؤسسة تمكنها من التكيف مع الظروف والتغييرات المستمرة خاصة في مجال الإعلام ووسائط الاتصال تجعل من الإدارة الإستراتيجية عملية مستمرة تهدف إلى تحقيق رسالة المؤسسة من خلال إدارة وتوجيه الموارد المتاحة بطريقة كفؤة وفعالة مع القدرة على مواجهة تحديات بيئة الإعلام والاتصال المتغيرة ومن منافسة ومخاطر لتحقيق مستقبل أفضل لهذه المؤسسات . وتعود أهمية الإدارة الإستراتيجية في المؤسسات العامة ذات العلاقة بالإعلام والصحافة ووسائطها إلى عدد من الخصائص التي تتسم بها الإدارة الإستراتيجية وفي مقدمتها تسارع التغيير الكمي والنوعي في بيئة وسائط الإعلام والاتصالات وأعمال هذه المؤسسات بما في ذلك ظهور القفزات المتسارعة في مجال الاتصال والإعلام وفي البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المحيط العالمي وفي تطور التكنولوجيا وتقنيات الاتصال وتأثيرها على صانع الاستراتيجية وقدرته في مواكبة هذا التغير واكتساب المهارات اللازمة لإدارة التغيير بطريقة فعالة . ويضاف إلى هذه الخصائص زيادة حدة المنافسة في مجال العمل الإعلامي والتي توسعت حدودها بفعل العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية وانفتاح الفضاء الإعلامي على مصارعه أمام المتلقي مما يفرض على القائمين على أمر المؤسسات الإعلامية والصحفية صياغة وتطوير خطط إستراتيجية فاعلة وبعيدة المدى لمعالجة أوضاع مؤسساتهم في الأسواق وفي مجال الخدمات والتكيف مع اتجاهات ودرجات المنافسة المتصاعدة . ومن الخصائص التي ترجح أهمية الإدارة الإستراتيجية في المؤسسات العامة تحول المجتمعات المعاصرة إلى مجتمعات معرفة وذلك لأهمية المعرفة في تنفيذ أنشطة الإدارة المختلفة الأمر الذي يستوجب على مديري المؤسسات العامة التعرف على الكيفية التي تمكنهم من إدارة المعرفة باعتبارها عاملا حيويا لإنجاز رسالة المؤسسة وإجراء التعديلات المستمرة على خطط وسياسات إدارة المؤسسات لتلافي الآثار الناجمة عن فجوة المعرفة والتكيف مع التحولات المتلاحقة في مجال أنشطة الأعمال والخدمات . ومن العناصر المهمة التي تعلي أهمية الإدارة الإستراتيجية نقص الموارد الأمر الذي يتطلب اعتماد هذا النوع من الإستراتيجية لوضع خطط طويلة المدى للحصول على الموارد اللازمة لتحديث وتطوير أداء المؤسسات العامة بجانب ضرورة ذلك في تنمية التفكير الاستراتيجي لدى المديرين في هذه المؤسسات لمواجهة الظروف والمتغيرات التي تضع المؤسسات العامة والإعلامية بخاصة بمواجهة تهديد حقيقي بالضمور والتراجع في أداء رسالتها أو الأنزواء تماما في وجه هذه التحولات وهذا ما أبرزته جملة الأوراق والمداولات التي اهتمت بتحليل واقع وفرص المؤسسات الإعلامية والصحفية في إطار المؤتمر القومي الإعلامي الثاني الذي أشرنا إليه آنفا مما يجعل من الإدارة الإستراتيجية بديلا لنماذج الإدارة التقليدية الراهنة التي أقعدت هذه المؤسسات عن النهوض ومضاهاة نظيراتها على المستوى الإقليمي والدولي .