- من منا لم يعشق الرياضة بضروبها المختلفة ومن منا من لم يمارس إحداها على الأقل ومن منا لم يعشق فريقا رياضيا معينا وطنيا كان أم أجنبيا سواء كان لاعبوه ذكورا أم إناثا. وإن كان الأمر متعلقا بكرة القدم فحدث ولا حرج فهناك الحب والعشق والانتماء الخرافي الذي يفوق لدى البعض حبهم لأنفسهم ويصل مرحلة الهوس ان لم يكن الجنون فان من الحب ما يؤدى إلى الجنون وكُثر هم الذين قتلهم حبهم لكرة القدم. وخلد السودانيون ليلة أمس لنوم هادئ وهنيء وعميق بعد فرح غامر عم قلوبهم بتأهل فريقي القمة السودانية الهلال والمريخ إلى دور مجموعات أبطال إفريقيا بعد ملحمة كروية شرسة كانت الغلبة فيها للفريقين العريقين فادخلا السعادة في النفوس وعززا في القلوب حبهم وعشقهم للسودان البلد الواحد وكان كل الهلالاب مريخابا وكل المريخاب هلالابا ليغنوا للسودان ويفرحوا من اجل هذا البلد الذي ينتظر من الجميع الكثير ليرتاد أفاق الثريا ويتجاوز التحديات التي تواجهه وليس ذلك على ابناء السودان بمستحيل طالما تتكاتف الأيادي وتتوحد المشاعر وتمتلئ القلوب بحب الوطن. إن السودان يعيش هذه الأيام قفزة ملحوظة وطفرة ملموسة في مجال كرة القدم من حيث الأداء ومستوى المشاركات الخارجية فبعد ان كنا نشارك بفريق واحد في المنافسات الإفريقية مثلا نشارك حاليا بأربعة فرق هم الهلال والمريخ وأهلي شندي والخرطوم الوطني رغم ان الأخيرين خرجا من المنافسة إلا ان الآمال معقودة على الآخرين لمواصلة المشوار حتى التتويج كما ان الفريق الأولمبي الذي تجاوز فريق جنوب إفريقيا يعمل بإصرار وقوة للمشاركة في المباريات النهائية وليس ذلك بمستحيل طالما هناك عزيمة وإرادة وأداء رجولي. ان عدد مشجعي فريقي الهلال والمريخ يكاد يكون نصف سكان السودان وإذا أضفنا إليهم مشجعي فرق أهلي شندي والخرطوم الوطني وهلال الأبيض ومريخ الفاشر وهلال كادوقلى وأهلي الخرطوم وغيرها من الفرق التي تنافس فريقي القمة المعروفين في المنافسات المحلية نرى ان عدد مشجعي الفرق السودانية التي تشارك في المنافسات الإقليمية يرتفع إلى ما يقارب الثمانين في المائة من سكان السودان إن لم يزد خلاف المتابعين على البعد. ويعنى ذلك ان كل هؤلاء يقفون صفا واحدا وعلى قلب رجل واحد وفى لحظة واحدة فقيرهم وغنيهم أبيضهم وأسودهم شمالهم وجنوبهم شرقهم وغربهم ووسطهم يقفون على قلب رجل واحد يشجعون فريق السودان الذي ينازل فريقا أجنبيا دون النظر إلى لون الفريق أو اسمه وينسون المنافسات المحلية والمناكفات بل الصراعات التي تدمر بعض ممتلكات الأندية كما أنهم في ذات الوقت يتحسرون ويحزنون إذا ما خسر فريق سوداني أيا كان الفريق في المنافسات الخارجية. ما نراه اليوم من تدافع لنصرة الرياضة بأشكالها المختلفة خاصة كرة القدم وما نراه من تطور وتقدم فيها من شأنه ان يدعم الوحدة الوطنية ويعزز من حب الوطن في النفوس والقلوب ، ولم لا إذ لم تعد الرياضة لعبة فقط ولا تسلية ولا منافسات لحصد الكؤوس ونيل الجوائز والحوافز ، إنما أصبحت مجالا للاستثمار مثلها مثل الزراعة بشقية والمعادن بل إن الاستثمار فيها قد يعود بفوائد كبرى بجانب الفوائد المادية مقارنة بالمجالات الأخرى ، خاصة ونحن نرى دولا كثيرة تعتمد في اقتصادياتها على الاستثمار في الرياضة. وعلى أولى الأمر ان لا يستهينوا بالرياضة والرياضيين فهم يمثلون صورة مشرقة للمواطن الغيور على سمعة بلده من خلال عطائه الذي يبذله في مجالات الرياضة المختلفة وعليهم -أي الرياضيين- والأمر كذلك ان يدركوا أنهم لا يتنافسون من اجل فريق معين ولا من اجل انتماء محدود ومحصور في شعار أو اسم منقوش في قميص يرتديه ليخلعه عقب المباراة ويتذكر دائما انه يحمل شعارا واسما ووطنا حدادي مدادي لا يمكن خلعه من القلوب وأنهم يحملون اسم السودان وتاريخه وارثه كأول دولة ظهرت وعرفت الإدارة ونظمها والاقتصاد وطرقة والري وأساليبه. إن ما تحدثه السياسة من شرخ في المجتمع يلتئم عبر الثقافة والرياضة ، كما هو معروف ، ضرب من ضروب الثقافة فعلى أولى الأمر ان يولوا الرياضة أهمية قصوى ففيها أرضية قوية آمنة ومساحات واسعة لذرع بذور المحبة والانتماء للوطن الذي يسع الجميع.