- إذا كنت تريد أن ترى بعض الحيوانات البرية المفترسة فيمكنك أن تذهب ببساطة للعديد من حدائق الحيوانات المسورة داخل المدن المختلفة. أما إذا كنت تهوي معاينة حيوانات برية مفترسة وغيرها فيمكنك حينها الترحال لقلة من الدول التي تملك حظائر محمية لحيواناتها . ولكن أذا رغبت في مشاهدة جميع أنواع الحيوانات البرية المفترسة والمسالمة بالالاف والملايين تسرح آمنة مع بعضها البعض في سهول وبراري ممتدة كما أطلقها سيدنا نوح من سفينته قبل ملايين السنين، فأنت تملك خيارا واحدا فقط وهو أن تسافر لمحمية سرنغتي بدولة تنزانيا الشقيقة. وتبلغ مساحة محمية سرنغتي التي توجد بشمال تنزانيا وعلى مبعدة من مدينة أروشا، 14 ألف و763 كيلو متر مربع وتمتد شمالا حتى كينيا وغربا حتى بحيرة فكتوريا. وتعد ثاني أكبر محمية طبيعية في تنزانيا. كما تعد اقدم محمية فيها حيث أعلنت أولا كمحمية في العام 1929. وهي أحدى مواقع اليونسكو للتراث العالمي حيث يتعايش فيها الانسان والحيوانات البرية المفترسة والمسالمة في مكان واحد. وتتكون من سهول ممتدة تشكلت قبل حوالي 3-4 ملايين سنة. ويعني أسمها بلغة قبيلة الماساي الذين يسيطرون عليها "السهول اللانهائية". وقد رشحت العام 1981 كمحمية محيط حيوي. وهدف ذلك أن تكون نموذجا للتنمية المستدامة في توفير توازن في حفظ الموارد الطبيعية والتنوع الايحيائي مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المفيدة للسكان. مدير المحمية يقول ما يجذب الناس إلى سرنغتي هو مشاهدة الهجرة العظيمة والضخمة للحيوانات البرية جميعها. وهي هجرة سنوية حيث تسير ملايين الحيوانات البرية المفترسة وغيرها (حوالي 6 ملايين) في صف واحد وبدون انتظام يمتد لمئات الأميال من الشمال إلى سهول المحمية في الجنوب تبحث فيها الحيوانات عن غذائها في الفترة من ديسمبر وتقيم فيها حتى أبريل، لتبدأ في شهري مايو ويونيو رحلتها العكسية الي الشمال والغرب كرة أخرى في منظر آخاذ. ويضيف أن 90% من إناث الحيوانات البرية خلال أقامتهن في هذه السهول يضعن مواليدهن خلال الفترة من فبراير وحتى مارس حيث تفيض السهول بالآلأف من صغارهن كل يوم في مشهد آخر يستحق الوقوف. ويذكر أن رؤية الخمس الكبار وهم الفيل ووحيد القرن والأسد والفهد والجاموس تجذب السياح إلى سرنغتي أيضا. وكذلك مشاهدة آخر مكان على وجه الارض يقدم للبشر كيف كان العالم يبدو قبل ملايين السنين . ويضيف أن سرنغتي هي المكان حيث يرغب الانسان في أن يكون جزءا من الطبيعة ويروي عطشه لرؤية الجمال والتوحش في ذات الآن. قائلا أن خطة إدارة المحمية تتركز في إحداث توازن في إدارة النظام الحيوي لها وإدارة السياح وإدارة المجتمعات المحلية وإدارة حماية الحياة البرية. ويزور المحمية سنويا ما يتراوح بين 320 و350 ألف سائح، وهو رقم "مناسب لما نرغب فيه من سياح"، ويتم ضبطه في هذا الحد عن طريق التحكم في الطاقة الاستعابية للنزل والاستراحات والمعسكرات داخل المحمية وهو يهدف إلى الحفاظ على موارد المحمية الطبيعية وحسن إدارتها حتى لا تتضرر بكثرة الزوار، بحسب ما ذكر. ويضيف ان المحمية تقدم لزوارها العديد من الخدمات السياحية مثل الأقامة وسياحة التجوال والمشاهدة النهارية والليلية للحيوانات. والمشاهدة للمحمية باستخدام المنطاد الهوائي ومشاهدة قرى الماساي وأعمالهم الخزفية والنحتية البارعة إضافة إلى موسيقاهم ورقصهم االبديع. ويقول هناك العشرات من الاستراحات والخيام والمعسكرات الدائمة وأخرى موسمية منتشرة داخل المحمية بعضها عام وأخرى خاصة وكذلك عددا من الفنادق الفخمة والمعسكرات خارج المحمية وعلى أطرافها. وعلى الرغم من أن زيارة سرنغتي تجربة مثيرة ومذهلة إلا أن هدف برنامج إدارة الاحواض المائية بالنيل الشرقي لزيارتها لم يكن ذلك، بل خطط لنقل تجربتها وإستفادة المحميات الطبيعية والمسئولون عن حماية الحياة البرية في السودان من التجربة التنزانية في كيفية إدارتها بنجاح وتوازن يحقق أقصى استفادة منها للمحميات والدولة ويحفظها في ذات الوقت. ومشروع الإدارة المجتمعية للأحواض المائية الذي نفذ هذه الزيارة العلمية،كما يقول المنسق العام له في السودان المهندس ابراهيم بليلة، يشكل أحد مكونات مشروع الأحواض المائية بالنيل الشرقي الذي يضم كل من السودان وإثيوبيا ومصر، ضمن مبادرة حوض النيل وينفذ بواسطة وزارة الري والموارد المائية وبأشراف مباشر من البنك الدولي . ويهدف المشروع إلى زيادة تطبيق وممارسة تجارب الإدارة المستدامة للأراضي والمياه في أحواض الأنهار بدول الحوض. وكان من المخطط أن يستمر البرنامج الذي بدأ تطبيقه العام 2010 لخمسة أعوام كاملة على أن ينتهي العام 2014، إلا انه تم تمديده لعام آخر وسينتهي هذا العام 2015 . ويعمل المشروع في منطقة النيل الازرق ومنطقة أعلى نهر عطبرة ومنطقة نهر الرهد وربما يستلهم مواطنو محميتي الدندر وجبل الداير والرهد ومسئولو الحياة البرية في السودان الذين نظم لهم برنامح إدارة الحواض المائية زيارة إلى سرنغتي وغيرها من المحميات، ما شاهدوه في إعادة إحياء محميات السودان البرية وغيرها وخاصة محمية الدندر التي كانت فى السابق لا تقل عن سرنغتي. وقد يأتي زمن قريب يردد فيه كل السودانيين والعالم معهم "الدندر يجب أن لا تموت" كما فعلوا من قبل مع محمية سرنغتي.