كتب- سعيد الطيب حققت تجربة الحكم اللامركزي، ومن واقع الممارسة الفعلية، خلال الفترة من 1991م الى 2015م ، العديد من الإيجابيات المتسقة مع أهداف ومبادئ اللامركزية الفيدرالية العالمية؛ وذلك من خلال اتساع مجالات التنمية السياسية والقدرة على مواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بتطوير المؤسسات السياسية والقدرة على استيعاب المشاركة الشعبية من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية. ومن اجل اثبات ما سبق بالتقييم والتقويم انعقد ولمدة ثلاثة ايام المؤتمر القومي لتقييم وتقويم تجربة الحكم اللامركزي للوقوف علي الايجابيات ودعمها ورصد السلبيات والمعوقات اضافة الي اقتراح المعالجات مع استصحاب مزايا التجارب الاقليمية والدولية ومناقشة عددا من اوراق العمل العلمية تناولت المرتكزات والسياسات والتشريعات والهياكل والعلاقات البينية في الحكم اللامركزي . شهد اليوم الاول (12 ديسمبر) انطلاق فعاليات المؤتمر بقاعة الصداقة بمشاركة واسعة من التنفيذيين والسياسيين والمختصين ، خاطب الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية رئيس اللجنة العليا للمؤتمرالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي جاء تحت شعار: (نحو سودان واعد ومستقر) الذى اكد فى كلمته إن المؤتمر يأتي في إطار إصلاح الدولة بالتركيز على مخرجات الحوار الوطني ومراجعة تقييم تجربة الحكم اللامركزي، موضحا فى ذات الحين أن أهداف ومقاصد الحكم اللامركزي تشمل قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وتعزيز ممسكات الوحدة الوطنية وتقصير الظل الإداري من خلال قسمة السلطة التي تحقق العدالة في تقديم الخدمات وتحريك الموارد الذاتية القومية. ثم خاطب الفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية الجلسة الافتتاحية حيث اكد على أهمية تقييم تجربة الحكم اللامركزي وإعادة قراءة واقعه مع استيعاب التطورات المحلية والعالمية، مؤكداً أن الحكم اللامركزي هو النظام الأنسب والركيزة الأساسية لحكم البلاد لجهة أنه تجربة سودانية رسخت دعائم الحكم والمشاركة بنهج غير مركزي منذ الدولة السنارية. وأشار إلى أن المؤتمر ينعقد في ظل تحولات على الصعيدين المحلي والعالمي خاصة بعد انفصال الجنوب وإجراء الاستفتاء الإداري لإقليم دافور، فضلاً عن الحوار الوطني الذي قال إن توصياته أرست دعائم الاستقرار وتوافق عليه أهل السودان، مؤكداً أنه كان حواراً غير مسبوق مما يستدعي إعادة قراءة واقع الحكم اللامركزي واستيعاب تلك التغيرات، منوهاً إلى أن نظام الحكم اللامركزي يتناسب مع اتساع الرقعة الجغرافية للبلاد والاختلاف الاثني والثقافي، مشيراً إلى أنه منهج يعمِّق توسيع دائرة المشاركة من خلال تقصير الظل الإداري ويحقق السلام والاستقرار، ويمنع العصبيات والقبليات ،ويحقق الوحدة الوطنية ،ويفتح المجال لتطوير العلاقات الخارجية. وأكد دكتور فيصل حسن ابراهيم وزير ديوان الحكم الاتحادي نائب رئيس اللجنة العليا للمؤتمر ان المؤتمر تبنى عليه آمال وتطلعات المواطنين السودانيين للخروج بتوصيات تلبي طموحاتهم مبينا ان المؤتمر ياتي اتساقا مع اصلاح أجهزة الدولة , ثم استعرض المسار التصاعدي لهذا المؤتمر والذي سبقته عدد من الورش القطاعية بالولايات والمحليات اضافة الي الورش التي عقدت في الوزارات على المستوى المركزي والورش النوعية والتي تناولت خلالها تجارب بعض الدول في هذا المجال . ناقش المؤتمر فى يومه الثانى(13 ديسمبر) وفي محور السياسات والحكم المحلي برئاسة الدكتور نافع علي نافع؛ الورقة المقدمة من الأستاذ صلاح الدين بابكر؛ بعنوان الحكم المحلي في النظم اللامركزية؛ حيث شملت الورقة تعريفا لمفاهيم اللامركزية، وتعريف الحكم المحلي ومعايير إنشاء وحداته وتمويلها وإداراته في الدول التي تطبق النظام اللامركزي, وركزت الورقة - بصورة أساسية - على تقييم تجربة الولايات في إنشاء وإدارة الحكم المحلي في السودان في الفترة من 2006وحتى 2015م . وتطرقت الورقة في سؤالها المحوري: هل كانت تجربة الولايات في إنشاء وتمويل وإدارة الحكم المحلي في السودان منذ العام 2006م وحتى الآن؛ تجربة ناجحة، وحققت أهدافها ؟ وإذا كانت الإجابة ب(نعم)؛ فماهو الدليل على ذلك النجاح ؟ واذا كانت الإجابة ب(لا) فأين كانت مواقع الضعف في التجربة؛ وما هي أسباب الفشل ؟ وماهو المطلوب الآن لعلاج جوانب الضعف في التجربة؛ وإصلاح الحكم المحلي مستقبلاً ؟ وأشارت الورقة الى أنه للإجابة عن هذا السؤال المركب لابد من معرفة الإجابة على أسئلة فرعية أخرى تمثلت في: هل استفادت الولايات من حقها الدستوري؛ وأنشأت نوع الحكم المحلي الذي يتناسب مع ظروفها المحلية ؟ وماهي المقومات الأساسية المطلوبة لنجاح الحكم المحلي ؟ وهل وفرت الولايات تلك المقومات ؟ وماهي الأهداف الأساسية للحكم المحلي ؟ وهل نجح الحكم المحلي في الولايات في تحقيق تلك الأهداف؟. وأشارت الورقة - في نهايتها - إلى النتائج التي توصلت إليها بالأدلة والشواهد من واقع الأداء الفعلي للولايات والمحليات؛ والتي تشير إلى أن تجربة الولايات في إنشاء وإدارة الحكم المحلي في الفترة من 2006-2004م لا يمكن اعتبارها تجربة ناجحة، وأن الولايات لم تتمكن من توفير المقومات الأساسية المطلوبة للحكم المحلي؛ وعلى رأسها المشاركة الشعبية في إدارة الشؤون المحلية، وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية، وتحقيق التنمية المحلية. وفى اليوم الثانى وآصل المؤتمر جلساته حيث ناقش عدداً من الأوراق في المحاور المختلفة، شملت محور السياسات والتشريعات والهياكل والعلاقات برئاسة الأستاذ عبد الباسط سبدرات , وقدم كل من الدكتور محمد الحسن عثمان - مركز دراسات المستقبل والدكتور محمد احمد داني - جامعة النيلين، والأستاذ صلاح حاج عربي - أكاديمية السودان للعلوم الإدارية والأستاذ علي جرقندي الخبير في الإدارة والحكم اللامركزي والأستاذ عبدالله بشير عمر - ديوان الحكم الاتحادي ورقة بعنوان " المرتكزات والسياسات والتشريعات والعلاقات البينية للحكم اللامركزي في السودان؛ حيث أشارت الورقة إلى أن التنوع يشكل عنصر التوازن في المجتمعات السودانية ذات الأعراف والتقاليد المتنوعة والمتعددة؛ لذلك - منذ الاستقلال وقبله - ظل الحديث يدور بين هذه المكونات حول نظام يستوعب هذا التنوع ويطوره إلى قوة ومنعة وتماسك وطني خلاق وتطرقت الورقة للعلاقة الرأسية والأفقية بين مستويات الحكم الاتحادي لاسيما وواقع السودان يتمثل في اتساع رقعته الجغرافية والتمايز والتعدد الإثني والتنمية غير المتوازنة؛ مما استدعى تبني نظام حكم لا مركزي استيعابا لمضامين الحكم الرشيد . كما أوضحت الورقة أن الهيكل التظيمي للحكم اللامركزي يجسد فلسفة النظام الرامية لتحقيق العدالة في قسمة السلطة والثروة وصولا للتنمية الشاملة . وفى اليوم الثالث للمؤتمر خاطب رئيس الجمهورية ختام فعاليات المؤتمر خيث قال (إن هذاالمؤتمر يجئ ختام مسك للحوار الوطني ،بشقيه السياسي والمجتمعي، والذي تكلل بالوثيقة الوطنية، فضلاً عن برنامج إصلاح أجهزة الدولة. وبذلك فهو يستكمل المنظومة التي ترسم ملامح الدولة المتماسكة الموحده ،الناضجة ،سياسياً وإجتماعياً وإدارياً ) مؤكدا ان الحكم الاتحادي بالسودان حقق إنجازات كثيرة ومشهودة، في مجالات المشاركة السياسية والشعبية, كما إن تجربة الحكم الاتحادي افرزت قيادات محلية فاعلة ومقتدرة، وعززت التنسيق والتضامن والتكامل بين مستويات الحكم المختلفة، وأعادت توزيع السلطة بقدرٍ من التوازن بين مستويات الحكم، واتاحت التعرف عن كَثب علي قضايا وهموم الناس علي المستويات المختلفة , مشيرا الي فلسفة النظام اللامكرزي التي تسعي الدولة لتحقيقها وإكمال البناء المؤسسي بما يحقق التوازن بين السلطات والموارد في كل المستويات، وإحكام التنسيق بينها بالقدر الذي يحقق تكامل الأدوار في مؤسسات الحكم، وإتاحة الفرصة الواسعة لتمكين المواطنين في المستوى المحلي من المشاركة الحقيقية في رسم السياسات المحلية وتنفيذها في نطاق مجتمعهم . وشدد البشير علي ضرورة الالتزام بالدستور دون تدخل أو تداخل بين مستوى وآخر، وضرورة الموازنة بين الموارد والسلطات ضماناً لفاعلية الأداء ، بالإضافة الي ضبط الهياكل وتنظيم العلاقات بين مستويات الحكم وتحقيق العدالة في توزيع الثروات وقسمة الموارد وفق معايير ومبادئ الشفافية والتكامل والتكافل . وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات أمنت على أن الحكم اللامركزي هو الخيار الأمثل لإدارة حكم البلاد والتأمين على نجاح التجربة، والاهتمام بالتخطيط الاستراتيجي لرسم الخطط المستقبلية وقيام مجالس تخطيط بالمحليات لتقديم الخدمات وفق معايير واهداف التخطيط . ونادت التوصيات بتدريب قيادات وأعضاء المجالس التشريعية الاتحادية والولائية والمحلية والالتزام بدفع ميزانية الجهاز التشريعي لاستقلاليته. وتضمنت التوصيات التأكيدات على قومية الخدمة المدنية ،تنمية وتأهيل الشريط الحدودي مع دول الجوار وإيجاد رؤية واضحة لتحديد العلاقات الرأسية والافقية لمستويات الحكم المختلفة، ووضع معايير قومية لاختيار عضوية الأجهزة التشريعية وقيادات الأجهزة التنفيذية الاتحادية والولائية والمحلية لضمان الكفاءة والجدارة والجودة. كما اكدت التوصيات على دور ديوان الحكم الاتحادي في التنسيق والاتصال بين الولاة والأجهزة الولائية مع رئاسة الجمهورية والاجهزة الاتحادية، ونصت على تعديل المراسيم الجمهورية المؤقتة بواسطة الهيئة التشريعية الاتحادية في الدستور القادم مشيرة إلى تعزيز دور مجلس الولايات لتمثيلها في المستوى القومي والمشاركة في الرقابة على السياسات والخطط والقوانين القومية الخاصة بمصالحها. اخيرا تعتبرتجربة الحكم اللامركزي تجربة ذات فائدة كبيرة بالنسبة لنظام الحكم في البلاد للخصوصية التي تتمتع بها من حيث اتساع المنطقة الجغرافية والتنوع الإثني والثقافي والثراء في الموارد البشرية والطبيعية, وبالتالى يعتبر الحكم المحلي بمستوياته الثلاثة؛ هو النظام الأفضل لحكم البلاد. لقد ناقش المؤتمر كثيراً من القضايا الخاصة بالحكم المحلي على ضوء مستوياته الثلاثة؛ فضلاً عن قسمة الموارد والإداراة الأهلية، كما استعرض مسار الحكم المحلي منذ الاستقلال؛ مرورا بالحكومات الوطنية المتعاقبة بالتركيز على فترة حكومة الإنقاذ الوطي؛ وامن المشاركين فيه على أن وضع الحكم اللامركزي نظرياً يختلف مع واقع الممارسة، داعين الى ضرورة مراجعة الحكم المحلي من حيث السياسات والتشريعات والهياكل والعلاقات البينية والموارد المالية والبشرية، فضلا عن تطور قطاع الأجهزة التشريعية والتنفيذية على المستوى المركزي والولائي والمحلي، والدعوة لمراجعة بعض الوظائف الدستورية والتشريعية على المستويين المحلي والولائي.