الخرطوم في 4-9-2019(سونا) - تجذب الفترة الانتقالية في السودان انتباه الخبراء والاقتصاديين العالميين، ويشارك رئيس فريق الخبراء الاقتصاديين الروس من مؤسسة حماية القيم القومية الخيرية ماكسيم موسكالوف رؤيته حول الوضع الاقتصادي في البلاد وأهم الأهداف للفترة الانتقالية، وفيما يلي تورد سونا هذه الرؤية: س: هل يمكنكم إخبارنا بالمدة التي قضتها المجموعة في السودان ومنذ متى تزاولون اعمالكم ؟ وما هي أهم التوجهات لعمل المجموعة الاقتصادية في السودان؟ ج : بدأ فريق الخبراء الروس أعماله في جمهورية السودان في عام 2018 برصد الوضع الاقتصادي في البلاد ودراسة هيكلها الاقتصادي وفي سبتمبر من نفس العام زارت السودان مجموعة الخبراء الذين قاموا بأعمالهم في خمسة اتجاهات رئيسية وهي النظام المصرفي، الموازنة والضرائب، نظام الإدارة العامة (الحكم والإدارة)، التنمية الاجتماعية، الاقتصاد الحقيقي (المشاريع الصغيرة والصغرى والمتوسطة). عقد الخبراء الروس خلال أعمالهم اجتماعات متعددة مع موظفين حكوميين ورجال المال والأعمال الممثلين لكافة قطاعات الاقتصاد السوداني. وفي أعقاب تلك الاجتماعات تم جمع وتحليل حجم كبير من المعلومات التي تضم إحصاءات رسمية وتقارير المؤسسات والهيئات الحكومية والمنظمات الدولية وغيرها من المواد والوثائق. س: كيف تقيمون الوضع الاقتصادي الراهن في السودان؟ ج : إنه من الواضح أن السلطات السابقة على مدى السنوات القليلة الماضية قامت بإخفاء الحجم الحقيقي للمشاكل الاقتصادية في البلاد. وبدلاً من اتخاذ قرارات منظمة تتطلب الكثير من الجهد، استخدمت السلطات في معظم الأحيان أسهل طريقة - لقد طبعوا أموالاً ليس لها مقابل من الاحتياطي بالبنك المركزي مع الحفاظ على مستوى عال من الإنفاق الحكومي ومعدلات الفساد العالية وسوء إدارة الدولة. التجربة الدولية تبين أن هذا النهج قد أدى بالفعل إلى الانهيار الاقتصادي لمثل هذه الدول كزيمبابوي أو فنزويلا وتراجع الاقتصادات المزدهرة سابقا. س: على حسب تقديركم ما الذي أدى إلى الوصول للوضع الراهن؟ ج : الأسباب متعددة ومتنوعة لكن بإمكاني أن أشير إلى أهمها، فهي أولا الكفاءة المنخفضة على مستوى إدارة الدولة وممتلكاتها وغيرها من الموارد العامة وسوء التخطيط الاقتصادي وإلى آخره.. وجدنا عدم وجود غطاء السوق المحلي من القروض الحكومية وتعذر الوصول لسوق القروض الأجنبية. وكل ذلك لا يسمح بتغطية عجز الموازنة بالمبالغ المطلوبة بطرق غير تضخمية. المديونية الكبيرة للدولة مع استمرار وجودها في قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يترك مجالا سوى الاعتماد على الموارد المحلية والمساعدة المحدودة من الدول الشريكة. فمن أهم الأسباب لعجز العملة الأجنبية في اقتصاد الدولة هو عجز الميزان التجاري عن الحفاظ على مستوى التنمية المنخفض في قطاع الصناعة التحويلية وانخفاض القيمة المضافة لسلع الصادر وارتفاع مستوى التهريب بما في ذلك تهريب الذهب. أما النظام المصرفي فهو يعيش أزمة السيولة حيث بلغ معدل التضخم 72,9% في عام 2018 وهو أحد أعلى المعدلات عالميا. وفي محاولة الحكومة السودانية للسيطرة على معدل التضخم، قامت بمنع عملاء البنوك من سحب السيولة. أدت هذه الخطوة الى إضعاف ثقة المواطنين في النظام المصرفي وظهر السوق الموازي. هذا يعني أن المبالغ التي تم سحبها من الحسابات المصرفية لا يتم اعادة تحويلها الى النظام المصرفي بل يتم استعمالها في مضاربات السوق الموازي. هذا أدى إلى أن السلع والخدمات التي لا يتم محاسبتها نقدا أصبحت أغلى ب 10 الى 20% من سعرها نقدا، مما أدى الى نشوء طبقة جديدة من الوسطاء لمقدمي خدمات سحب السيولة من الحسابات البنكية. ويستحيل تجاهل قضايا الفساد والمحسوبية بالإضافة إلى الظروف الصعبة والحواجز الإدارية العالية التي تواجه الأعمال الصغيرة والصغرى والمتوسطة. حاليًا، تحتل جمهورية السودان المرتبة 162 من أصل 190 في التصنيف العالمي للبنك الدولي بأداء الأعمال (WB Doing Business)، فيُقيّم هذا التصنيف سهولة ممارسة الأعمال التجارية في الدولة استنادا على عشرة مؤشرات: بدء النشاط التجاري واستخراج تراخيص البناء والحصول على الائتمان والحصول على الكهرباء وسهولة دفع الضرائب وغيرها. س : على حسب رأيكم ما هي الصعوبات التي ستواجه التنفيذ الفعلي للإصلاحات؟ ج : يحتاج السودان إلى برنامج إصلاحات للنظام الإداري شاملة ويمكن الا تحظى بعض هذه الخطوات بالشعبية. لكن أعتقد أنه بغاية الأهمية أن تحصل هذه الخطوات على دعم واسع من قبل المجتمع السوداني. ولهذا السبب من الضروري مناقشة هذه الإصلاحات والاستماع إلى رؤية الخبراء مهما كانت آراؤهم السياسية، مثلا على هامش مؤتمر اقتصادي واسع النطاق. على الإصلاحات أن تحظى بالتغطية الإعلامية الواسعة. فمن مصلحة الدولة أن توحد كل معارف الدولة وخبراتها والتجارب العالمية في إصلاح الاقتصاد الكلي. إن تطبيق الإصلاحات يجب أن يتم بمجمله تحت برنامج قومي موحد. إن تطبيق جزء منفرد سيؤثر سلبا على المردود الإيجابي المتوقع من تطبيقه، ولكن في نفس الوقت، فإن تطبيق إصلاحات الموازنة والضرائب يمثلان الأولوية. كما ستحتاج الحكومة إلى تمويل إضافي من أجل ضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل كامل ومنع خروج الوضع الاقتصادي من تحت السيطرة. س: هل من آلية سلسة للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة؟ ج: إن دولة السودان بوضعها الجغرافي ومواردها لديها القدرة على أن تصبح احدى اغنى الدول الافريقية. إن دعم الشعب للحكومة الجديدة يمّكن من تحقيق الإصلاحات.ويجب على الشعب وقطاع الاعمال المشاركة الفعالة في بناء الوطن الجديد ويمكن أن تكون تلك المشاركة مبرزة في دفع الضرائب والرسوم الأخرى في وقتها كاملة لمصلحة الدولة ودعم المنتجين المحليين وأيضا لا بد من عدم البقاء بلا فعل تجاه حالات الفساد وعدم اللجوء الى خدمات السوق الموازي. في وجهة نظري فإن لجمهورية السودان فرصة فريدة ولابد من الدعم والموافقة المطلوبين لتحقيق الإصلاحات الضرورية لبناء وطن قوي وعادل. إن كل شيء بيد الشعب السوداني وهو الوحيد القادر على تحديد مستقبله القادم. نحن جاهزون لتقديم العون للشعب السوداني لإصلاح الاقتصاد بغض النظر عن الوضع السياسي أو من بالسلطة، فمساعدتنا مساعدة للسودان والشعب السوداني.