الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المُحَدِّدَات الدَّالة على كِبَر حجم الإقتصاد الموازى فى السودان
نشر في الراكوبة يوم 18 - 01 - 2015


:مدخل
تبدو لىَ الفكرة فى غاية الغرابة وأنا أعيد على المواطن الكريم ما باتَ معلوماً من الحال بالضرورة، أنَّ الذين سرقوا المواطن وصيَّروا الخُرطومَ خضراءَ دِمَن (بِناياتٍ حِسانٍ بين ظهرانىْ فقرٍ مُدقع) هم أساطين الإسلاطفيليات، شياطين غسيل الأموال، سارقو عملات الجيران وثرواتهم.
غير أنَّى أتكئ على فطنة القارئ الكريم، التى لا تغيب عنها حقيقة أنَّ العوامل المُحدِّدَة لحجم الإقتصاد الموازى، تختلف من دولة إلى دولة، وتختلف من وقتِ إلى آخر داخل الدولة الواحدة لِإرتباطها بالسياسات التى تصدرها الدولة وفق شروط ذاتية وموضوعية عديدة. ولا أعتقد أنَّ المواطن الكريم ينتظر منى الحصول على تقديراتٍ صحيحةٍ لحجم الإقتصاد الموازى، وذلك للطبيعة الباطنة لهذا الإقتصاد، وقدرتِهِ على التَّخفى من السلطات؛ خاصةً إذا كانت السلطات نفسُها تُمثِّل شريكاً أصيلاً له من وجهِها الآخر المُنافق.
غير أنَّ سادتَنا الإقتصاديين قد استطاعوا تعيين بعض العوامل التى تصلح كمؤشرات دالة على سلطة وضخامة حجم الإقتصاد الموازى. وتضافرُ هذه العوامل فى قُطرٍ واحد، تجعل من ذلك القطر مكاناً آمناً لهذا النوع من الإقتصاد الخبيث.
مُؤشرات سلطة الإقتصاد الموازى فى السودان/وغيرِهِ
(1) أهمَّ المؤشرات هى وجود نظام شمولى؛ حيث أنَّ الأنظمة الشمولية التى تجحد شعوبها الديموقراطية والحريات الأساسية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية، وبالتالى تنعدم فيها الشفافية، وحرية الحصول على المعلومات؛ وقابلية الدولة فيها لِأنْ تكون دولة فاشلة شيمتُها الإحتراب ورعاية الإرهاب وحضانة الجماعات الإرهابية؛ وقابلية الدولة فيها لِأنْ تكون دولة فساد ومحسوبية، يوشك الفساد فيها أن يكون العامل الحاسم لتكوين الثروة؛ دولة تشكِّل من نفسها قِبْلَة لغسيل الأموال وتجارة المخدِّرات والدعارة؛ دولة بها هذه المواصفات، تصبح مرتعاً خِصباً للإقتصاد الموازى.
(2) هناك ثمَّة محدِّدات ذات صلة بالضرائب والقوانين المتعلقة بها التى من الممكن أن تساعد فى تحديد حجم الإقتصاد الموازى؛ ومنها على سبيل المثال الآتى:
(أ) "إذا اتسمت الدولة بنظام ضريبى صارم ولوائح ضريبية غير مرنة، فإنَّ ذلك يدفع النَّاس للذهاب للإقتصاد الباطن/الإقتصاد الموازى"، خاصة إذا كان هناك ثمة غبن إجتماعى واقع على النَّاس من جراء إعفاءات ضريبية وغيرها، تُمنح هنا وهناك للخاصَّةِ المقربين. وبالتالى فالنَّاس لن يعدموا الطريقة التى تساويهم أو تقترب من المساواةِ بغيرهم، غير أنَّ المتضرِّر الرئيس فى الحالتين هو المواطن الكريم واقتصاده.
فمن معلومات تحصلتُ عليها من المسجل التجارى بين 31/12/1990-31/03/ 1993 وجدتُ أن عدد الشركات التى سُجِّلَتْ فى هذه الفترة أكثر من عدد جميع الشركات التى تمَّ تسجيلها منذ عام 1925 حتى 30/06/1989. فنظرتُ فى الناتج المحلى الإجمالى فلم أرَ مساهمة موازية فى شكل ضرائب وغيرها لعدد الشركات المسجلة. وحين بحثتُ عن السبب فى بدايات الإنقاذ، وجدتُ أنَّ الشركات تستفيد من فترة السماح الضريبى، وبنهايته تغيِّر إسم عملها. وهكذا دواليك، تنتقل الشركات من فترة سماح إلى أُخرى بتغيير إسم العمل، دون أن تدفع جُنَيْهاً واحداً للدولة فى شكل ضرائب.
فالشركات فى السودان نوعان: نوع معفى من الضرائب المباشرة (ضريبة أرباح الأعمال)، ونوع آخر متهرِّب من هذه الضريبة. أمَّا الضرائب غير المباشرة على منتجات هذه الشركات، فبكلِّ بساطة يتحمل عبئها المستهلك النهائى.
ولربما اندهش المواطن الكريم من حقيقةٍ فى غاية الشذوذ؛ وذلك حين يعلم أنَّ الذين يعيشون على حافة الحياة وهامشها من الأُورنيشية (الذين تُطربُنا مارشاتُهُم أكثر مما تطربنا مارشات مغتصبى حرائر النِّساءِ فى تابت، وداخليات جامعة الخرطوم) وسِتَّات الشاى (اللاَّئى يُغالِبْنَ الفقرَ بِكَفَتَيرةِ شاىٍ وشَرَغْرَقْ) أكثر إلتزاماً بدفعِ الضرائب من 8683 شركة مسجلة حتى نهاية العام 2013م كما سنرى أدناه.
من يُصدِّق أن شركات البترول العاملة فى الإستكشاف والإستخراج، شركة التأمين الإسلامية، شركات التعدين الأهلى للذهب، المصارف، شركات الكهرباء، شركات المياه، وشركات الصحة؛ كلُّها معفية من الضرائب (ديوان الضرائب 2014م).
(ب) "أيضاً، إذا اتَّسَمَتْ الدولة بصرامةِ نظامها العقابى المتعلِّق بتعقُّبِ المتهربين من الضرائب"، فعادةً ما يَأرز النَّاس إلى الإقتصاد الموازى. وقد إستُغِلَّتْ هذه الصرامة العقابية لِإخراج عدد كبير من الغرماء الرأسماليين من حلبة السوق فى السودان. فحين لجأوا إلى التخفى كانت السلطات قد عرفت حجم رساميلِهم من قبل، من جراء عمليات تبديل العملة. فأودعتهم السجون، وراكمتْ عليهم الضرائب، فتآكلتْ رساميلُهم، وخرجوا بما تبقى لهم من أموال من السوق من غير رجعة؛ إمَّا هجرةً أو إفلاساً أو لجوءاً إلى إقتصاد الباطن.
ولا يخفى على أحد، رُبَما، الخصخصة المستترة والمستمرة فى القطاع المروى منذ تدخل البنك الدولى فى مشروع الجزيرة عام 1980م عن طريق زيادة الضرائب، لِإكراه النَّاس على التخلى عن أراضيهم بشكل غير مرئى. ولم يشفعْ لبعضِهِم ضد شَرَه الرأسمالية فى ظل نظام الإنقاذ إلاَّ الوعى المتراكم لدى المزارعين المستنيرين، وعلاقات الإنتاج المعقدة والمتوطدة هناك، ونُظُم حيازة الأرض الطويل الأمد القائم فى مشروع الجزيرة منذ عشرات السنين.
(ج) كذلك من الممكن إتخاذ "نسبة حجم القطاع الخدمى إلى قطاع الصناعات التحويلية كمُحدِّد لمعرفة حجم الإقتصاد الموازى". إذْ من السهل على الدولة، كما يقول بعض الإقتصاديين (إسلومان 1997)، "فرض ضرائب على الصناعة، ومن الصعب فرضها على قطاع الخدمات"، لأنَّه الأقدر على التهرُّب الضريبى.
وفى حقيقة الأمر لا نستطيع أن نعتمد إعتماداً كبيراً على هذه القاعدة لتحقيق هدف إسلومان أعلاه، إذ أنَّ التهرُّب الضريبى لا تسلم منه حتى الصناعات التحويلية فى الدولة المتقدمة. ففى عام 2007 على سبيل المثال، كان عدد الأعمال (خاصة الصناعية) المتهربة من الضرائب قد بلغ ثلثىْ الأعمال التجارية فى المملكة المتحدة (الإندبندنت أغسطس 2007). ولأنَّ بريطانيا يعتمد إقتصادها على الضرائب (50%)، فقد وُجدَ إنَّ الشركات الصناعية عادة ما تقوم بتحويل أرباحها إلى أحد فروعها فى دول العالم الثالث، وبالتالى تُظهر حساباً سالباً داخل المملكة المتحدة، فتقل ضرائبُها أو تُعفى فى ذلك العام (وكذلك يفعلون).
وعندنا فى السودان المسألة أكثر تعقيداً؛ فمعظم الشركات العاملة فى القطاع الصناعى السودانى، تشتغل فى مجال الخدمات الصناعية. وهناك صناعات لغرماء رأسماليين متعثرة تماماً، وفى أحسنِ أحوالها تعمل بطاقات إنتاجية متدنية لمشاكل متعلقة بالبنية التحتية وقطع الغيار، ولبعض المشاكل المتعلقة بسياسات الدولة. وهناك صناعات أخرى محسوبة على عناصر تابعة للنظام معفية من الضرائب إما جزئياً أو بالكامل كما جاء بعاليه.
وبالتالى إذا أردنا أن نحسب نسبة القطاع الخدمى إلى القطاع الصناعى بشكل صحيح، فنحتاج إلى إعادة حسابات. ففى البدء علينا إستبعاد الشركات الصناعية التى تعمل فى مجال الخدمات الصناعية، ونستبعد الصناعات المعفية من الضرائب، ومن ثمَّ نعتمد فقط على الصناعات التى تدفع الضرائب، وآنئذٍ، نستطيع أن نقترب من الحجم الحقيقى للإقتصاد الموازى، والذى هو بطبيعة هذه الحال إقتصادٍ كبيرٍ وغير قابل للمنافسة حتى.
(د) يمكن أن تهتدى الدولة إلى حجم الإقتصاد الموازى بإيجاد النسبة المئوية للسكان الذين يؤدون أعمال حرة، إلى نسبة العمل الأجير. وذلك، كما جاء بعاليه، لأنَّ رجل الأعمال من السهل أن يتهرب من الضريبة، ولكن العامل لايستطيع ذلك. وخصوصية الفارِق تنشأ هنا بين من يدفع ضرائب مباشرة، ومن يدفع ضرائب مباشرة وغير مباشرة معاً.
وخير مثال على ذلك هو القطاع المصرفى السودانى، الذى قرَّر أن يتفادى دفع ضريبة الأعمال أو التقليل من حجمها بزيادة الأجور لموظفيه. وبالتالى صار الموظفون يدفعون ضرائباً مباشرة (ضريبة الدخل) أكثر ممَّا تدفع البنوك؛ التى لم تتجاوز مساهمتها الضريبية 0.5% من جملة الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2013م (ديوان الضرائب 2014).
(ه) ومن المحدِّدات الأكثر دلالة على حجم الإقتصاد الموازى هو معرفة نسبة مساهمة الضرائب فى الناتج المحلى الإجمالى على وجه العموم، والتى هى فى السودان 9.3% من الناتج المحلى الإجمالى فى المتوسط فى عام 2013م (مقارنةً ب 25% فى الدول الأقل نمواً الأخرى، و40% فى الدول متوسطة النمو، و50% فى الدول المتقدمة (د. عادل عبد العزيز، السودانى، 09/06/2014))، ومعرفة نسبة مساهمة ضريبة أرباح الأعمال فى الناتج المحلى الإجمالى على وجه الخصوص. وقد بلغت هذه الضريبة لعدد 8683 شركة عاملة فى السودان عام 2013 3.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وهذه النسب الضئيلة تعكس فى نفس الوقت حجم الفاقد الضريبى فى الإقتصاد السودانى الذى يتسبب فيه الإقتصاد الموازى (ديوان الضرائب، 02/06/2014).
ويَعزى ديوان الضرائب ضعف مساهمة الضرائب فى الناتج المحلى الإجمالى إلى "كثرة الإعفاءات الضريبية، التجنيب الضريبى، التهرُّب الضريبى، الإقتصاد الخفى الذى لا تصله يد الدولة بالتنظيم والإجراءات الأُخرى". هذا الأمر أتاح لأصحاب هذه الشركات فرصاً حقيقيةً للتراكم الرأسمالى الفاحش والغير مسبوق، والذى لن تؤثر فيه الضرائب إلاَّ بعبءٍ ضئيل للغاية من مداخيل هذه الشركات بحسب رأى ديوان الضرائب.
إذاً، كلما قلَّت نسبة مساهمة الضرائب فى الناتج المحلى الإجمالى، لا سيما ضريبة أرباح الأعمال، يدل ذلك دلالة واضحة على كِبَر حجم الإقتصاد الموازى (يساوى أكثر من 15% من حجم الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2013، وفى كلِّ عام على حدة).
(3) ومن العومل المهمة الدالَّة على حجم الإقتصاد الموازى هو حجم الطلب على السيولة، وذلك لأنَّ الإقتصاد الموازى يُفضِّل التعامل النقدى (الكاش) كما ذكرنا لكم فى مقال سابق هنا بالراكوبة. ولعلَّ السودان يعانى من حالة إفراط فى الطلب على السيولة خاصةً من جانب قطاع العقارات وشراء العربات ومن قِبَل شركات البترول العاملة بالسودان. وباختصار الإفراط فى الطلب يأتى من قِبَل الشركات المعفاة من الضرائب (راجع معتصم الأقرع: الحوار المتمدن، 11/06/2014).
وهذا الإفراط فى الطلب على النقود، لم يعالج بمسئولية من قبل الحكومة السودانية. وكان من الممكن ربط الطلب على النقود بتوجيهه للإستثمار المنتج فى قطاعى الزراعة والصناعة، وبالتالى تحصيل عائدات مجزية من الصادرات الزراعية والصناعية لخزينة الدولة. غير أنَّ الدولة الشحيحة الموارد الأجنبية خاصة بعد ذهاب البترول إلى الجنوب، عالجت الإفراط فى الطلب على النقود بالإفراط فى طباعة النقود؛ راضخةً بذلك لرغبات الإقتصاد الموازى ذى الطبيعة الطفيلية.
فالشركات الأجنبية العاملة فى مجال البترول وغيرها (المعفاة من الضرائب، وهى لاتُعفى من الضرائب إلاَّ لأنَّ الإسلامويين شركاء فى رساميلها، ويتخذون من الشريك الأجنبى – الأكذوبة مطية لتهريب أموالِهم خارج السودان) التى تود تحويل أرباحها إلى الخارج، تحضُّها/تُسَهِّل لها الحكومة على أخذ أرباحها فى شكل سلع صادر، خاصة مع عجز النظام المصرفى فى توفير عملات صعبة لها، فتصدرها مستفيدة مرة أُخرى من الإعفاءات على سلع الصادر، فتبيعها فى أسواق العالم بأسعار مجزية للغاية. وهكذا تكون قد حولت أرباحها متضاعفةً مرتين (بإعفاءات الإنتاج، وإعفاءات الصادر) قبل أنْ تصل مستقرَّها الأخير فى بنوك الغرب.
وبالتالى فإنَّ العُملات التى تمَّتْ طباعتها بإفراط، تذهب عن طريق البنوك إلى تمويل العقارات والخدمات الأخرى السريعة العائد. أمَّا "محمد - أحمد" وإقتصاده فمعاهما الصفر، ومع الغريم الواحد.
إذاً، حجم الطلب على السيولة الذى دائماً ما يذهب إلى القطاعات ذات العائد السريع، القليلة رأس المال الثابت، يصلح لِأن يكون محدِّداً مهمَّاً لحجم الإقتصادى الموازى.
(4) ولعلَّ من المحدِّدَات المهمة أيضاً لحجم الإقتصاد الموازى هو معرفة حجم النقود خارج النظام المصرفى كنسبة من عرض النقود التقليدية (إم 1). وكما شرحنا فى مقال سابق أيضاً، فإنَّ هذه النسبة تصل إلى 50 %، وبنك السودان يجتهد تلك الأيام ليُخفِّضها إلى 33% بحسب سياسته النقدية المعلنة لعام 2014 المتعلقة بتعبئة المدخرات وتشجيع النَّاس على فتح حسابات مصرفية.
هذا المُحدِّد فى تقديرى المتواضع هو من أقرب المحددات لعكس الواقع السودانى بشكله الصحيح، خاصةً بعد أنْ تفعل العوامل أعلاه فعلها فيه. والآن نجد أنفسنا أمام بلد منحاز لثقافة الإكتناز والطفيلية، وذلك بسبب سوء إدارة، واستغلال الإقتصاد القومى لمصلحة فئة دون غيرها، وبسبب سياسات الحكومة الخرقاء المتمثلة فى تغيير العملة للتلصُّص على حسابات الناس، وبسبب الملاحقات الضريبية والزكوية، والغبن الإجتماعى من النظام وسرقاته الجارية للمال العام.
(5) إذا اتسمتْ المُوازنة العامة بإصرار تضخيم الدولة لإرقام موازنتها مقارنة بحقيقة الأداء الفعلى من عامٍ إلى عام (وقد شهدت موازنة 2013، 2014، والموازنة الحالية لسنة 2015 هذا التضخيم، والذى نبه إليه صندوق النقد الدولى أكثر من مرة)، فذلك يعنى أنَّ الموازنة العامة تستخدم فى عمليات ليست لها علاقة بالإقتصاد القومى (أى خارج الدورة الإقتصادية للبلد)؛ كعمليات غسيل الأموال والأنشطة الحزبية والفردية للمتنفذين فى الدولة؛ وذلك يعكس بالضرورة كِبَر حجم الإقتصاد الموازى وقوة تأثيره فى العملية الإنتاجية.
وليس أدلَّ على ذلك مما يحدث فى دائرة إختصاص وزير المالية والإقتصاد الوطنى ذات نفسه؛ حيث كثير من الجهات الحكومية والغير حكومية تُحصِّل إيراداتٍ ماليةً من الجمهور من غير أورنيك 15. بل والمُضحك المُبكى هو الإستمرار فى الحديث عن دعم المحروقات ب 50% بالرغم من إنخفاض سعر برميل البترول إلى ما دون ال 50 دولار فى يوم 16/01/2015 (47 دولار سعر إفتتاح بحسب صحيفة أخبار اليوم الإلكترونية). ولو لا تدخل الشرفاء من الإقتصاديين السودانيين وفضح حقيقة الدعم - الهُراء الذى يتحدث عنه الوزير لما اعترف بأن إنخفاض سعر الدولار من الممكن أن يوفرأكثر من 750 مليون دولار للخزينة العامة.
والحكومات الأمينة مع شعوبها (كبريطانيا مثلاً) قد حدَّدت مباشرةً بأنَّ إنخفاض البترول العالمى وتبارى السوبرماركتس الكبيرة على خفض أسعار المحروقات، سيُخفِّض من معدلات التضخم، ويزيد القوة الشرائية لدى المستهلك، التى من شأنها أن تزيد من معدلات النمو الأقتصادى (التايمز البريطانية، الجمعة 02/01/2015، العدد 71395). أما فى السودان، بالأمس القريب أنخفضت القوة الشرائية لقيمة الجنيه السودانى، والمحروقات منعدمة، والتضخم يُقارب ال 25%، وأداء الإقتصاد القومى مازال سلبياً بحسب إفادة صندوق النقد الدولى فى خواتيم عام 2014م.
(6) كذلك نجد أنَّ الفجوة الزمنية للإستجابة للسياسات النقدية التى حدَّدها نقديو بنك السودان والبنك الدولى، تصلح لأنْ تكون محدِّداً مهماً لقياس حجم الإقتصاد الموازى. فكلما كانت الفجوة الزمنية كبيرة، دلَّ ذلك على كِبَر حجم هذا الإقتصاد وعناده لسياسات الدولة النقدية بكلِّ السبل. وقد رأينا هذه الفجوة فى السودان (كما جاء فى مقال سابق) تتراوح ما بين 7-12 شهراً بحسابات بنك السودان، و18 شهراً بحسابات صندوق النقد الدولى، وهى فى الحالتين كبيرة ممَّا يُدلِّل على كِبر حجم الإقتصاد الموازى وقدرته على مراوغة سياسات الدولة والتحايل عليها.
(7) إذا اتَّصَفَتْ الدولة بضعف الإرادة السياسية المتوازنة والمنحازة للأخلاق والحق والقيم التى تشكل ضمير المجتمع، وإذا رَقَّ دينُها بانشغالِ مناصريها بالصَّفْقِ والوَرِق على حساب الضعفاء، وإذا اختلَّ ميزانُ عدلِها محاباةً لِجِهةٍ دون الأخرى فى معادلة شركاء العملية الإنتاجية؛ عندئذٍ تصبح القرارات السياسية نوع من الهضاريب (غير مستقرة). وهنا تكون الفرصة سانحة للإقتصاد الموازى للتأثير فى القرارات السياسية والإقتصادية للجهاز الرسمى للدولة وجعلها مضطربة، وبالتالى (وفى أضعف الحالات) يتصيَّد الثُغرات الإقتصادية التى يُفَرِّخُها عدم الإستقرار فى الإرادة السياسية ليزيد حجمه وحجم تأثيره فى القرار الإقتصادى لجهة مصالحِهِ ذات الطبيعة الطفيلية بطبيعة الحال.
عند هذا الحد، إذّا رأيتَ وزراء القطاع الإقتصادى يتحدثون بِلسانين أحدهما كاذبٌ، ويُظهرون خلاف ما يُبطنون، ويتناقضون حينما يتحدثون؛ فوقتها يكون الإقتصاد الطفيلى قد أطبقَ على كلِّ شئ، وصار يُوظِّف هؤلاء لجهة منافعِهِ.
(8) من الممكن أن يُعدِّد المرء العديد من العوامل الدَّالة على ضخامة الإقتصاد الموازى فى السودان، بل هو أظهر من ذلك خاصةً للفرد الذى يعيشُ بالداخل. وهذا جهدُ مُقِلٍّ بعيد، فالمعذرة للقارئ الكريم. كما يجب علينا جميعاً المساهمة بما يُثبِت ويُشخِّص هذا الإقتصاد الطفيلى الطاغى والمستتِر.
وتجدر الإشارة هنا إلى الحقيقة المُخيفة وهى أنَّ تضافر كلِّ هذه المحدِّدات فى السودان، يعكس واقعاً يتجاوز مسألة سوء إدارة الإقتصاد القومى المرتبط بقلة الخبرة فى عملية تحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة كلِّ شركاء العملية الإنتاجية، ويتعداه إلى سرقات مُمنهجة وإلى إجبار الإرادة السياسية والإدارة الإقتصادية (إجباراً مصحوباً بعقيدة إنتقام من هذا الشعب ما أنزل اللهُ بها من سلطان) لتكريس دعم وحماية ومحاباة الإقتصاد الموازى على حساب الإقتصاد القومى.
مناشدة أخيرة:
نقول لوزراء القطاع الإقتصادى: أين الإرادة السياسية التى مُنِحَتْ لكم لتحقيق إقتصاد قومى مُتوازن، وميزانيتكم للعام 2015 مازالت تعفى أكثر من 8683 شركة من شركات منسوبيكم من الضرائب، وفى نفس الوقت تُبقى على ذات الضرائب الباهظة المفروضة على صغار الملاَّك والموظفين والعمال وستات الشاى والأورنيشية وأصحاب الدرداقات وفرَّاشة الخضر والفاكهة؟
يا وزراء القطاع الإقتصادى، يا من مُنِحْتُم الإرادة السياسية لتحسين أداء الإقتصاد السودانى: بِمَ ينتفع الإقتصاد السودانى من تملُّك شركة التأمين الإسلامية (التى حققَّت تراكماً رأسمالياً فاحشاً متفحِّشاً بسبب الإعفاء من الضرائب لأكثر من 20 سنة بحجة عدم وجود فُتْيَة تسمح بذلك) لنِصفِ عقارات العاصمة القومية؟ وماذا بالمقابل لو استثمرت أموالها (ضرائبها على أقل تقدير) فى المشاريع الصناعية والزراعية المنتجة حول العاصمة القومية وغيرها، واستوعبت نصف العاطلين عن العمل فى العاصمة القومية، ألا يُتيح ذلك شرعية سياسية للنظام المُتهافت من على صهوة التحسُّن فى أداء الإقتصاد السودانى الفعلى؟ ألا يُتيح ذلك نوع من الرضى والقبول لهذا النظام البغيض المشئوم؟ جربوا أن تحكمونا بالرشدِ والرضى يا هداكم الله، لا بالإكراهِ والإذعان، والضَّحِك على الدقون؛ كأنَّ البلد ليس بها إقتصادى غيركم!
فيا وزراء القطاع الإقتصادى، يا مَنْ مُنِحْتُم الإرادة السياسية لتحقيق العدالة الإجتماعية: يا من كنتم شهوداً على استقطاع أكثر من 50% من أموال تمويل الخدمات الإجتماعية للشعب (ولا بأس بالإدخار الإجبارى) وتَصَيُّد تحويلات المغتربين بغرض تمويل البترول؛ كيف يطيب لكم توزيع عائداته (أكثر من 100 مليار دولار مُبيَّضة) حصراً على الأخوانويين من أهل تنظيمكم، وتبنون لهذا الشعب المغلوب على أمرِهِ مشاريع تنمية سيئة الجدوى الإقتصادية (شوارع وسدود وكبارى وغيرها، وبعضها بدأ فى الإنهيار الآن) بالإستدانة من العالم الخارجى، حتى بلغت ديون السودان الخارجية 43.8 مليار دولار؟
ونقولها للمرة الألف يا وزراء القطاع الإقتصادى: هناك إقتصادان متوازيان، أحدهما فى حالة تراكم رأسمالى فاحش ومُتفَحِّش كما تشى بذلك الأرقام الرسمية للدولة العاكسة لحجم الفاقد الضريبى. والآخر فى حالة من التراكم الرأسمالى السلبى والموت السريرى، كما تقضى بذلك ذات الأرقام. وما لم يُدمج الإقتصاد الموازى فى الدورة الإقتصادية للإقتصاد السودانى، فلا تتحدثوا لنا عن التحسن فى أداء الإقتصاد القومى، لأنَّ ذلك هراءٌ وكذب. وللمعلومية، هذه الأوضاع الشاذة إذا لم تُعالج فى القريب العاجل، والعاجل جداً، فابشروا بثورةِ جِياعٍ لا تُبقِ ولا تَذر (إذا كان الجائع ميِّتاً بالحرب أو بالجوع لا مُحالة، سيُفكِّر فى لحظة ما بأن يموتَ وهو يقتل ما تيسَّر من أعدائه).
والمسألة فى غاية البساطة، فالدولة تستطيع أن تخرج من عجز الموازنة، من غير ما ترفع الدعم عن المحروقات، ومن غير ما تفرض ضرائب جديدة حتى؛ فقط بتوسيع المظلَّة الضريبية لتشمل (ليس القطاع الهامشى كما يقول السيد وزير المالية والإقتصاد الوطنى، فهذا القطاع مُنهك بالضرائب) الشركات المعفاة من الضرائب المذكورة بعاليه، واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال المسروقة من الشعب السودانى ذاتها (التى تمَّ غسلها وأُودعت بالخارج) لتدخل فى مشاريع منتجة خاصةً فى القطاع الصناعى والزراعى (ولتأتى كرأسمال أجنبى كما تفعل فى حقول البترول الآن، فقط تدفع الضرائب)؛ بدلاً من إستثمارها فى عقارات العاصمة القومية، وعقارات الجاز بالخليج وبوينس إريس وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا وغيرها (المسروقون أولى بالمعروف).
ياسادتنا وزراء القطاع الإقتصادى حرِّضوا الإقتصاد الموازى هذا على دفع ديون السودان الخارجية (ال 43.8 مليار دولار)، وحرضوه على الإستثمار فى السودان واستيعاب خريجين سودانيين وعمالة سودانية، وحرضوه على تَبَنِّى فاتورة صحة وتعليم مجانيين لمدة عشرة سنوات، بعدها من الجائز أن يرضى عنكم هذا الشعب؛ إذا لا قدَّرَ اللهُ أنِ امتدَّتْ بنا سنواتُ حُكمِكم العضود الكؤود أكثر من هذا.
خذوها من صديقكم الجراح مهاتير محمد، الذى نظر إلى معادلة الإنتاج بشقيها العمال ورجال الأعمال، وقال للعمال فى خلال 5 سنة، أوقفوا أى مظاهرات مطلبية، ودعوا رأس المال الماليزى يقود التنمية وفق ما نتفق عليه، وبالمقابل ستمنحكم الحكومة تعليماً مجانيَّاً وصحة مجانية. وقد أنجز وعده، وفى خلال خمسة سنوات وضع بلده على أعتاب الإنطلاق، فمدَّدَ له الشعب لخمس سنوات أُخرى دون خجٍ ولا تبديل للصناديق، فكان أن وضع بلده فى حالة عمالة كاملة منذ عام 1995م إلى الآن.
إتركوا عقيدة الإنتقام من الشعب السودانى هذه، واحكِموه بالرضى والديموقراطية، وسوسوه بالعدل والقسطاس المستقيم، والْتَفِتوا إلى خدمته (بالتعليم والصحة المجانيين، والإسكان - المدعوم). وإن لَّم تفعلوا ستختل المعادلة المذكورة بعاليه إلى دركٍ سحيق. ويومها، لن تنفعكم أموالكم المسروقة من الشعب السودانى، ولن ينفعكم الإلتفاف على خياراته الديموقراطية التى يقوم بها المستنيرون من أبنائكم فى شكل المشروع الموسوم ب "حكومة الظل" التى يُبشرون بها. يومها، سيكون اليومُ يوماً للتغابن.
حسين أحمد حسين،
باحث إقتصادى مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.