الخرطوم-20-12-2019م(سونا) –حقق التحول السياسي الذي حدث في السودان بنجاح ثورة ديسمبر 2018م وتولي الحكومة الانتقالية؛ إنهاء للعزلة الدولية التي امتدت لثلاثين عام وفُتحت أبواب السودان أمام دول العالم لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية التي ظلت رهينة لمصالح النظام السابق وبدأ السودان يسعى لإستعادة دوره الريادي خاصة في المنطقة في ظل تفاعل المجتمع الدولي مع مجريات التغيير بالسودان. وعقب إعلان رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك عن تشكيل الحكومة التي جاءت بعدد من الأولويات خلال الفترة الانتقالية ، تصدر ملف الأزمة الاقتصادية المرهونة بإنهاء الحظر الاقتصادي ورفع اسم السودان من قائمة دول الإرهاب المقدمة ، فضلا عن إقامة علاقات خارجية متوازنة مع دول العالم ليخطو بعدها طاقم الحكومة الانتقالية في تنفيذ خطته على نحو من الحيادية وتلمس سبل السلام والتعايش مع كافة دول الجوار والعمل على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية خاصة مع دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وكندا ودول أمريكا اللاتينية. وبالرغم من التحديات التي يشهدها الاقتصاد السوداني، والتي تعود إلى أسباب سياسية وأمنية، إلى جانب العوامل الاقتصادية ؛ إلا أن الحكومة بادرت بالتنسيق مع المؤسسات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وكذلك التعاون مع الدول الأكثر استثمارًا في الداخل لضمان الدعم الخارجي، ولجذب ثقة المجتمع الدولي في البيئة الاستثمارية في السودان ، مما يهيئ نمواً مستمراً في تدفق الأموال وضخ الاستثمارات داخل السودان لتزيد من فرص العمل وتحسين الوضع الاقتصادي. وضمن تعزيز العلاقات بدول الجوار كانت زيارة دولة جنوب السودان أول محطة لرئيس وزراء عبدالله حمدوك في الثاني عشر من سبتمبر الماضي والتي استهدفت تقوية التكامل التجاري بين الطرفين، علاوة على إقرار عدد من التفاهمات حول ملف البترول المستخرج من جنوب السودان والذي يتم تصديره للخارج عبر الموانئ السودانية على البحر الأحمر، وفي الثامن عشر من سبتمبر الماضي، بادر رئيس مجلس الوزراء حمدوك بزيارة القاهرة و كان ملف التعاون الثنائي من بين الملفات ذات الأولوية في الزيارة ، خاصة فيما يخص مشروع الربط الكهربائي الذي يُشكل ضرورة ملحة للسودان، أما زيارة حمدوك إلى باريس فقد جاءت تأكيدًا للمواقف الفرنسية الداعمة للثورة السودانية، ودعم فرنسا لتحقيق السلام، فضلًا عن كون فرنسا من بين الدول الداعمة لرفع اسم الخرطوم من لائحة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، وبذلك كانت باريس المحطة الأوروبية الأولى لحمدوك لما تتمتع به فرنسا من مكانة خاصة في المجتمع الدولي كإحدى أهم الدول الأوروبية، وما تُمثله فرنسا من قوة دولية لها مكانتها العالمية وثقلها السياسي داخل المحافل المختلفة، وإعلان باريس دعمها للاقتصاد السوداني بحزمة مساعدات مالية تُقدر بنحو 67 مليون يورو وفقًا لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف-لودريان خلال زيارته إلى السودان في السادس عشر من سبتمبر الماضي. كما أعلن الاتحاد الأوروبي، عن تقديم دول المجموعة الأوربية لمنحة للسودان بقيمة 466 مليون يورو، وأكد وفد الاتحاد الأوربي خلال زيارته للسودان في أكتوبر الماضي دعمه خلال هذه المرحلة المهمة للسودان، وأشار الوفد إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية لدعم السودان لمقابلة الاحتياجات العاجلة وكذلك دعم الاقتصاد السوداني، وأكدوا مساعدتهم لتطبيع علاقات السودان مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لتمكين الحكومة الانتقالية من التصدي للتحديات الاقتصادية التي يواجهها السودان، ولحرصه على التقارب مع الدول الأوروبية وذلك لفتح الباب أمام الحصول على قروض ميسرة من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، علاوة على الاستفادة من التعاون التنموي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لمجموعة الدول الإفريقية الكاريبية الباسفيكية في إطار اتفاقية (كوتونو) المُوقعة في عام 2000م. وتعهّدت السعودية والإمارات، في أبريل الماضي بدعم يبلغ ثلاثة مليارات دولار واتفقت الدولتان الخليجيتان على تقديم حزمة المساعدة بعد وقت قصير من الإطاحة بالنظام السابق ، واودعتا في أكتوبر الماضي قيمة 500 مليون دولار ببنك السودان المركزي ، بينما جرى تسلُّم ما قيمته مليار دولار من المنتجات البترولية والقمح ومستلزمات الإنتاج الزراعي ومن المتوقع سداد الباقي بنهاية العام المقبل. و شهدت العاصمة واشنطن سلسلة فعاليات ذات أهمية خاصة للسودان كانت الفعالية الأولى في أكتوبر الماضي ، شملت أعمال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد ومجموعة البنك الدولي، التي شاركت فيها الحكومة الانتقالية بوفد يقوده وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور إبراهيم البدوي، وكانت الفعالية الثانية التي استضافتها وزارة الخارجية الأمريكية الاجتماع الرابع لمجموعة أصدقاء السودان التي تشكلت في مايو الماضي عقب الإطاحة بالنظام السابق وتضم الترويكا، الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج الذين يمثلون المانحين الغربيين، إضافة إلى ألمانيافرنسا، والسعودية والإماراتوقطر ومصر، والأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي. أما الفعالية الثالثة التي شارك فيها وزير المالية إبراهيم البدوي فهي الندوة التي قدمها في (المجلس الأطلنطي) بمشاركة مبعوثي الترويكا للسودان، كانت مشاركة السودان في الاجتماعات السنوي لصندوق النقد والبنك الدولي، لاستعراض مستقبل إستقراره ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتأزمة بفعل عبء الديون الخارجية التي قاربت الستين مليار دولار، لتراكم فوائد خدمة الديون، مما شكّل عبء على السودان، بحرمانه من الوصول إلى موارد المؤسسات الدولية، ومعالجة قضية الديون السودانية ضمن الأطر الفنية المتاحة لهذه المؤسسات بمباردة إعفاء الدول المثقلة بالديون (هيبيك)، والتي استوفى السودان شروط التأهيل الفني للاستفادة منها، وقد استفادت عشرات الفقيرة منها، لم يبق إلا أن السودان الذي ظل عاجزا عن معالجة أزمة ديونه الخارجية لوجوده بقائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي يوم 4 ديسمبر الجاري أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها ستعين سفيرا في السودان لأول مرة منذ 23 عاما، وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى واشنطن. واعتبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي التقى حمدوك، أن القرار خطوة إلى الأمام على طريق تقوية العلاقات الأمريكية السودانية الثنائية خاصة وأن الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون تعمل على تطبيق إصلاحات واسعة، وأشادت الولاياتالمتحدة بالخطوات التي اتخذها حمدوك "لتغيير سياسات وممارسات النظام السابق" الذي اتسمت علاقاته مع الغرب بالتوتر. وأستضافت الخرطوم في الحادي عشر من ديسمبر الحالي الاجتماع الثاني لأصدقاء السودان الذي عقد برئاسة النرويج و بمشاركة بنك التنمية الأفريقي والاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا) وصندوق النقد الدولي (الكويت، هولندا، النرويج، قطر، المملكة العربية السعودية، السويد، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأممالمتحدة) والبنك الدولي، وإختتم الاجتماع بتأكيد دعمهم لخطط الحكومة الانتقالية لإصلاح وانعاش الاقتصاد والأطر العامة لأجندة الحكومة الانتقالية الإصلاحية. واتفق أصدقاء السودان مع الحكومة الانتقالية حول أهمية الانتقال من العون الإنساني إلى الاعتماد الذاتي والتنمية المستدامة، وعبروا عن دعمهم لخطط الحكومة الانتقالية لإصلاح وانعاش الاقتصاد، ورحبوا بالعرض الذي قدمه وزير المالية بالهدف العام للحكومة الانتقالية بتشجيع النمو العادل والمتنوع في الوظائف وفرصها خاصة بالنسبة للشباب عبر الاستخدام الفعال للموارد القومية، مشيرين إلى أن محور الموازنة للدولة يهدف للتنمية المستدامة يؤكد التزام الحكومة الانتقالية بمحاربة الفقر، مؤكدين سعي الحكومة الانتقالية لمعالجة الخلل في الاقتصاد الكلي وتحريك الدخل القومي، مشيرين إلى حوارها مع صندوق النقد الدولي الذي ابدى استعداده لإعفاء الديون. وأكد أصدقاء السودان دعمهم للأطر العامة لأجندة الحكومة الانتقالية الإصلاحية، كما اكدوا دعمهم المتزايد للسودان بما في ذلك الدعم الفني والمالي والقطاعي، واقترح المشاركون أن تستضيف السويد الاجتماع القادم لاصدقاء السودان في النصف الاخير من فبراير 2020م والذي يتبعه اجتماع تحضيري في باريس يكون قبل مؤتمر المانحين في ابريل 2020م، مجددين التزامهم بالمشاركة في مؤتمر المانحين.