تقرير// محمد عبد الرحيم. الخرطوم 23-1-2020م (سونا) - يعد تهريب السلع والمنتجات الوطنية من أكبر المهددات التي تواجه الاقتصاد الوطني بتأثيرها المباشر على الاقتصاد الكلي خاصة إذا ارتبط بالثروات الناضبة وعلى رأسها المعادن. ويذخر السودان بالعديد من الثروات المعدنية التي تتعدى ال 50 نوعا ويأتي الذهب في مقدمتها من الناحية الاقتصادية خاصة بعد انفصال دولة الجنوب التي ذهبت بنحو 75% من الانتاج النفطي، مما حتم الاعتماد على المعدن النفيس كمورد بديل للاقتصاد الذي يعاني مشاكل عدة وتم اكتشاف كميات كبيرة منه بواسطة المعدنيين التقليديين الذين ينتشرون في أكثر من 12 ولاية سودانية. ويعادل إنتاج المُعدّنين التقليديين وهم أفراد أو شركات صغيرة ما نسبته 85 % من إجمالي إنتاج الذهب السوداني، حيث ارتفع إنتاج السودان من الذهب بمناطق الإنتاج خلال أعوام (2015 - 2016 - 2017)م بنسبة 20% من 73,4 طنا إلى 93,4 طنا وكشف تقرير أداء وزارة المعادن للنصف الأول من العام 2018م أن إنتاج الذهب خلال النصف الأول من العام بلغ 63 طنا اشترى بنك السودان منها ثمانية أطنان وبلغ صادر الشركات 1,4 طن لتصبح جملة صادرات الذهب 10,7 أطنان بقيمة 422,5 مليون دولار وكشف التقرير نصف السنوي ذاته أن ما فُقِد بين الذهب المُنتَج والمُصدَّر والمُصنَّع والمُخزَّن بلغ 48,8 طنا بنسبة وصلت إلى 77% لفاقد الذهب بين منطقة الإنتاج وبنك السودان كمشترٍ في وقت يُمثِّل فيه صادر الذهب نسبة 37% من إجمالي صادرات السودان بالكامل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حسب تقرير وزارة المعادن المذكور. إلا أن موسى كرامة وزير الصناعة والتجارة السابق في مقارنة عقدها بين كمية إنتاج الذهب المُعلَنة من قِبل الحكومة في عام 2015م وهي 70 طنا وبين المعلومات التي تحصّل عليها والتي اكّدت أن صادر الذهب عبر مطار الخرطوم فقط إلى مطار دبي عبر الخطوط الإماراتية في العام نفسه بلغ 102 طن، فيما قدَّر خبراء الأممالمتحدة حول السودان في تقرير صدر في سبتمبر للعام التالي 2016م الذهب المُهرَّب من السودان إلى الإمارات في الفترة ما بين (2010 - 2014)م بما قيمته 4,6 مليارات دولار. ويتفق كلٌّ من كرامة وزير الصناعة والتجارة السابق وعبد المنعم الصديق رئيس غرفة مُصدِّري الذهب السابق مع تقرير خبراء الأممالمتحدة بأن أكبر مُشترٍ فعلي للذهب السوداني هي الإمارات ويكشف كرامة عن تقديرات الصاغة والمعدنيين للإنتاج الفعلي من الذهب، حيث ارتفع إلى كميات تتراوح بين (230 - 240) طن خلال عامي (2017- 2018)م في وقت كانت فيه الحكومة تتحدث عن إنتاج يتراوح بين (90 - 110) طن فقط بمعنى أن الفاقد يتراوح بين (100- 130) طنا سنويا ويشير كرامة إلى أن تهريب الذهب يتم عبر كل المنافذ خاصةً مطار الخرطوم والذي اعتبره أكبر منفذ تهريب بالإضافة إلى التهريب لمصر عبر الطريق البري. من جانبه اقر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور إبراهيم البدوي بعدم استفادت البلاد من الذهب جراء التهريب، كاشفا عن تهريب نحو 450 كيلو جرام مايعادل 25 مليون دولار يوميا من الذهب. وأضاف في حوار مع التلفزيون القومي أن الحكومة الانتقالية تعمل بصورة متناغمة في وضع سياسات لضبط سوق الذهب حتى لا يحدث تسريب أو تهريب للذهب إلا بالتصدير عبر القنوات الرسمية، مؤكدا مضي وزارته في تنظيم تجارة الذهب، مشيرا لوجود مصالح ومضاربات وقتية في الذهب والعملات تقوم بها فئات اجتماعية محدودة تضررت مصالحها لافشال السياسة وارباك الوضع بافتعال الأزمة. فيما كشف وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني عن دخول الذهب لأول مرة ضمن صادرات وزارته للعام 2020م مما يدل على بعد الوزارة عن تجارة الذهب في السابق. وقال الخبير الاقتصادي محمد النايرل(سونا) إنه يتفق مع الرأي القائل إن بنك السودان المركزي ظل لسنوات لا يمنح السعر المناسب للذهب بجانب احتكاره لفترات طويلة لعمليات شرائه وتصديره، مما ساهم في تزايد معدل تهريب وتخزين المعدن النفيس، مضيفا أنه تحت ضغط قرارات البنك المُلزمة له كسلاح ذي حدين بشراء الذهب اضطر المركزي لضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية كانت السبب الرئيس في ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت في ديسمبر أوآخر العام الماضي لأكثر من 63% مع نقص السيولة النقدية الحادة التي يُعاني منها الاقتصاد السوداني. ويمضى الناير في إفادته ل(سونا) أن دخول بنك السودان في تجارة الذهب يتعارض مع مهامه المنوط به القيام بها والاحتفاظ باحتياطي من النقد الأجنبي ومن مكوناته الذهب، مشيرا إلى أن بنك السودان يفترض أن يخرج من المتاجرة بالذهب وتصديره وكذلك يجب ايقاف الشركات الحكومية من تصدير الذهب، داعيا في الوقت نفسه إلى انشاء بورصة للذهب يتم التعامل بها بصورة شفافة، وفقا للسعر العالمي، مما يساهم في الحد من تهريب الذهب المقدر بنحو 100 طن. ولفت الناير إلى أن احصائية العام 2019م تشير إلى تدنى الانتاج وارجع ذلك لسياسات بنك السودان التي وصفها بغير الصحيحة وغير المستقرة والتي ادت إلى عدم الاستفادة من الذهب. ويتفق مع ذلك المحلل الاقتصادي أبو القاسم إبراهيم قائلا: احتكار بنك السودان لشراء وتصدير الذهب وتوفير العملة الصعبة يعتبر العامل الأساسي لانهيار العملة السودانية وبدلا من أن يكون الذهب نعمة تحوّل إلى نقمة. ويجمع الخبراء والاقتصاديون وأهل الاختصاص على ضرورة العمل الجاد في جانب السياسات المشجعة للإنتاج بابعاد البنك المركزي من شراء وتصدير الذهب والشركات الحكومية كافة والعمل على سد منافذ التهريب والسيطرة على انتاج الشركات وإعادة هيكلة القطاع بما يضمن مساهمة هذا المورد المهم في دعم الاقتصاد الكلي للبلاد وهذا ما ينتظره المواطن من البرنامج الأسعافي لحكومة الفترة الانتقالية.