الخرطوم 23-2-2020م(سونا) إعداد: امل محمد الحسن- يقوم الرئيس الالماني ، فرانك فالتر شتاينماي بزيارة رسمية للسودان يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من فبراير الجاري ، يلتقي خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، ورئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك لبحث التطورات الراهنة واستكمالا لزيارات رفيعة المستوي لمسئولي البلدين والاعلان عن شراكات استراتيجية اقتصادية بين الخرطوم وبرلين . و شكلت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الالماني هايكو ماس و هي الاولي لمسئول اوروبي للخرطوم ، بداية مرحلة فارقة في علاقات السودان الدولية وخطوة عملية حقيقية لاندماج السودان في المحيطين الدولي والاقليمي بعد عزلة امتدت لثلاثين عاما مضت في ظل النظام البائد . وقال السفير محمد الغزالي مدير الإدارة الأوروبية بوزارة الخارجية لوكالة السودان للأنباء ،إن العلاقات السودانية الالمانية ظلت تشهد تطورا ايجابيا منذ انتصار ثورة ديسمبر عبرت عنها زيارات لشخصيات رفيعة المستوى متوالية ومتبادلة بين البلدين ومن بينها زيارة السيد رئيس الوزراء لبرلين ،حيث التقي المستشار الألمانية انجيلا ميركل في فبراير الجاري وعدد من البرلمانيين ، وذلك ضمن مشاركة الدكتور حمدوك علي راس وفد عالي المستوى في مؤتمر ميونيخ الدولي للامن الذي انعقد خلال الفترة من 14-16 فبراير الجاري والذي ضم كل من وزير الدفاع الفريق اول ركن جمال الدين عمر ووزير الدولة بالخارجية عمر قمر الدين ، والطاقة والتعدين عادل ابراهيم ومدير المخابرات الفريق جمال عبد المجيد ، فيما قدم الدكتور حمدوك شكر وتقدير حكومة وشعب السودان لاصدار قرار من البرلمان الالماني باستئناف المساعدات التنموية للسودان والتي توقفت منذ العام 1989م ، الامر الذي يعد اكبر تطور في علاقات السودان مع المانيا. واوضح السفير الغزالي ان العلاقات بين السودان والمانيا تعود لعهد السلطان علي دينار ، حين اعلن دعمه لالمانيا في الحرب العالمية الاولي ، الا ان العلاقات الثقافية بين البلدين سبقت ذلك بكثير. حيث اوفد الملك فريدريش وليام الرابع في الفترة من 1842- 1845م بعثة اثرية لوادي النيل بقيادة ريتشارد ليبسوس الذي تمكن من تخطيط ورسم معظم المواقع الاثرية بالسودان ،ومثلت الخطوة بداية للعلاقات بين السودان والمانيا . اما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فقد نشات عقب استقلال السودان في العام 1956م وتعد المانيا رابع دولة اعترافا بالسودان كما تعد شريكا مهما للسودان في اواخر الثمانينات . واضاف السفير الغزالى ان الطابع الاقتصادي هو السمة الغالبة على العلاقات بين الخرطوم وبرلين منذ العام 1958 حيث تلقي السودان في ذلك الوقت مساعدات اقتصادية وفنية من المانيا الاتحادية ، وفي فترة الستينيات قدمت المانيا الدعم لتلفزيون السودان كما قامت بانشاء مصانع للسكر ومحطات للكهرباء والطرق ومراكز التدريب المهني ، بالاضافة الى ذلك فقد انشات المانيا الكثير من المؤسسات الثقافية والتعليمية في الخرطوم . وتميزت العلاقات السودانية الالمانية بالطابع الإقتصادي. والعلاقات السياسية بين البلدين قد شابها التوتر في بعض الاحيان فتوقفت المعونات والمنح اثر ذلك خاصة خلال فترة النظام السابق ، حيث فرضت المانيا عدة شروط لاستمرار دعمها وتعاونها مع الدول ف المجال الاقتصادي والفني منها حقوق الانسان والديمقراطية والاصلاح الاقتصادي في الدولة المعنية بتقديم العون لها. وتعتبر منظمة (GIZ ) وهي الوكالة الالمانية للتعاون الفني الذراع للحكومة الألمانية في تقديم المعونات الفنية وتعتمد عليها المانيا في دعم وتطوير علاقاتها مع المؤسسات حيث انشئت هذه الوكالة في العام 1975 ومقرها مدينة اشبورن بالقرب من فرانكفورت .واشرفت منظمة (GIZ ) علي مشاريع متعددة في السودان منها مشاريع حفظ المصادر الطبيعية والغابات في جبل مرة وكتم في دارفور كما ساهمت في مشروعات الصحة الاساسية في كل من كسلا وسنكات الي جانب مشروع تدريب المهنيين في مدني ز وهناك ايضا مؤسسة فريدريش ايبرت الخيرية والتي تعمل في السودان في مجالات التدريب الفني والعمالي والنسائي كما ترعى الندوات الفكرية حول قضايا التنمية والاستقرار. وقد اسهمت المانيا في تنفيذ كثير من المشروعات الكبرى في السودان مثل خزان الروصيرص وخشم القربة وكبري شمبات وكثير من المشاريع الأخرى التي اسهمت فيها بعض الشركات الالمانية الخاصة . وقدمت المانيا في فترة الستينيات والسبعينيات الف مليون مارك للتنمية الاقتصادية في السودان وكانت هذه المساعدات تقدم في شكل قروض سهلة الشروط مع فترة سماح 40 عاما ، ومنذ العام 1978م تحولت هذه المساعدات الالمانية الي منح ، كما اتخذت الحكومة الالمانية قرارا بتحويل كل القروض السابقة الي منح وتم اعفاء السودان من الدفع . وفي مؤشر دل على قوة العلاقات الاقتصادية بن الخرطوم وبرلين تنشط عدد من الشركات الالمانية في تنفيذ مشروعات اقتصادية عملاقة في السودان خاصة مشاريع البني التحتية مثل مد خطوط السكك الحديدية وانشاء محطات توليد الطاقة .وفي هذا الصدد قال الغزالي ان الوجود الالماني يعني الكثير للسودان خاصة الشركات المانية المعروفة بمستواها الجيد خاصة في مجال التكنولوجيا مشيرا الي ان الشركة الالمانية ( لاميار انترناشونال فقد كانت المنفذ الرئيسي لمشروعات توليد الطاقة في سد مروي والذي استكمل تشغيل مولداتها في العام 2009م. اما في ظل الحكومة الالمانية فقد كانت زيارة وزير الخارجية الالماني هايك ماس مثمرة وذات منتوج كبير في توقيتها ومخرجاتها ، فقد ابدي الوزير الالماني اعجابه الشديد ببسالة وسلمية الشعب السوداني الذي استطاع ان يقتلع نظام الانقاذ بسلمية ولم ينجر للعنف، وقال انه جاء للخرطوم برفقة وفد كبير يضم 30 مسئولا ليهنئ الشعب السوداني الذي ناضل من اجل ان يجعل حكومة المدنية واقعا يعيشه الان . وانه سينقل اعجاب بلاده بماحدث في السودان والاستعداد لتقديم الدعم حتي يتجاوز السودان المرحلة الراهنة واعلن هايكو رسميا استئناف التعاون الفني مع السودان وتقديم الدعم له فضلا عن تحمل المانيا المسئولية الكاملة بحكم عضويتها غير الدائمة في مجلس الامن بجانب مشاركتها في مجموعة اصدقاء السودان في قيادة تحرك داخل الاممالمتحدة ومجلس الامن والاليات الاممية المختلفة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعة للارهاب والعمل على إعادة دمجه في المجتمع الدولي بجانب تقديم الدعم والعون والسند للحكومة السودانية . وفي السياق نفسه اعلنت الحكومة الالمانية عن تخصيص 78 مليون يورو لدعم مشروعات تنموية تنفذ خلال العام الحالي . وفي مايو الماضي كانت الوكالة الالمانية التعاون الفني قد وقعت على اتفاقية مشتركة لدعم التدريب المهني والامن الغذائي والتاثيرات المناخية في ولايات دارفور وشرق السودان بقيمة 31 مليون يورو. واخيرا يظل السؤال ماذا يريد السودانيون من المانيا ؟وماذا تريد المانيا من السودان؟، فالمعروف ان الاهتمام الالماني بالسودان من واقع الخصوصية الي يتمتع بها السودان من ناحية استراتيجية سياسية واقتصادية فالسودان يشكل جزءا مهما للدول الاوربية من خلال تميزه بانه معبر استراتيجي بين الدول العربية والافريقية ومن خلال امتلاكه لامكانيات وموارد طبيعية هائلة جعلته محل اهتمام كافة الدول الاوربية والمانيا علي وجه الخصوص حيث يعتبر السودان بوابة للاقتصاد الافريقي من خلال عضويته في العيديد من المؤسسات الأفريقية الاقتصادية مثل الكوميسا والايقاد. اما السودان فيعتبر المانيا من الدول الصناعية الكبري ، كما تعتبر المانيا من اكبر الدل الصناعية الداعمة للسودان وان الوقت قد حان للاستفادة من مجموعة اصدقاء السودان التي انشاتها المانيا بهدف دعم العملية السياسية في السودان الي جانب دعم المانيا لتحقيق جهود السلام في السودان خاصة وان المانيا سبق لها ان ساهمت بصورة مقدرة في هذا الملف ولديها تجربة ناجحة في تقريب وجهات النظر فيى العملية السلمية خاصة حركات دارفور الامر الذي يجعل الاستفادة منها كدولة ذات رصيد وخبرة في مجال المفاوضات السلام والاستعانة بها في اتحديات الكبيرة لجهود بناء السلام في السودان . اما الزيارة المرتقبة للرئيس الالماني فتعتبر تتويجا للجهود الالمانية لدعم عملية الانتقال بالسودان الى نظام ديمقراطي مستدام وتمثل قمة التطور في علاقات البلدين ، ، مما يجعله حدثا فريدا وتميزا ليس في علاقات السودان والمانيا فقط بل في تاريخ العلاقات الخارجية للسودان .