رحم الله السيد الوالد الأستاذ محمود أبو العزائم، فقد كان عنوان هذه الزاوية عنواناً واسماً لآخر كتاب أصدره لكنه أوقف توزيعه إلى حين إجراء تصحيح مطلوب ومهم لكثير مما جاء فيه نتيجة تداخل عدد من الصفحات أو اختلال التبويب، وقد أوكل أمر التصحيح لصديقه وأستاذنا الكبير الدكتور إبراهيم دقش، استناداً على أصل المادة الورقي، لكن أصل المادة المكتوب على الورق ضاع وظل الكتاب المطبوع محتجزاً لديّ بكامل نسخه داخل مكتبتي الخاصة إلى أن نجد الأصل المكتوب أو نعيد الترتيب وفق تسلسل الأحداث وارتباط الأشخاص بها. تذكرتُ هذا الكتاب الذي أكاد أشاهده يومياً أمامي وهو يستنجد بي من أجل خطوتين تقودان لثالثة.. هما التصحيح أولاً.. ثم إعادة الطباعة ثانياً.. فالتوزيع. أقول إنني تذكرتُ هذا الكتاب بالأمس وشباب المركز الوطني لتدريب الشباب بأركويت لا يملون من تذكيري بمحاضرة رأوا أن أقدمها لهم عن الصحافة والإعلام السوداني، وسبق لهم أن كلفوني بإعداد ورقة عن الثقافة السودانية المعاصرة، وحسبت أن الأمر انتهى عند ذلك الحد،، إلى أن فوجئت بأمر المحاضرة، التي تحتاج إلى تحضير وتجهيز وترتيب للوقت والزمن، خاصة إذا كان اليوم نهاية أسبوع لا يجد فيه الإنسان فرصة لعمل شيء سوى الوفاء بالالتزامات الاجتماعية، لكنني توكلت على الله وأبديت موافقتي مع متابعتي اليومية لمسلسل المحاكم المتصل حتى ظهر أمس ولا أحسب أنه سينقطع طالما كانت هناك صحيفة تصدر في السودان. وحاولت التركيز أمام الشباب في دورة تدريب المدربين على الصحف والأشخاص في وقت واحد، لأن الصحيفة فكرة تعشعش وتدور في رأس صحفي واحد أو جماعة من الصحفيين حتى ترى النور، لتؤدي رسالة محددة وفق أسس مهنية متفق عليها تقوم على نظريات بدأت تتكون منذ ظهور الصحافة المنتظمة لأول مرة في القرن الخامس عشر بعد اختراع الطباعة. وكثير من الصحف عندنا في السودان مثلما هو الحال في كثير من دول العالم، مرتبط بأشخاص، وكذلك صناعة الصحافة التي يتداخل فيها صناعة الورق مع إنتاج ماكينات وآليات الطباعة، ووسائل الإخراج الصحفي المتطورة بصورة متسارعة بعد دخول الكمبيوتر في عالم الصحافة والنشر. صحيفة (الغازيتة) التي تعتبر أول صحيفة سودانية رسمية صدرت في 17 مارس 1899م وكانت مخصصة لنشر القوانين والأوامر والإعلانات الحكومية، أي أن الناشر هو الحكومة الاستعمارية.. ثم حدث تطور في الأداء وفي رسالة الصحافة إلى أن قيدتها الحكومة عام 1930م بقانون الصحافة الأول.. ولم تزل صحافتنا مقيدة بالقوانين حتى يومنا هذا، ولم يزل رؤساء التحرير هم المسؤول الأول والأخير عن كل ما يُنْشر في صحفهم رغم أن الصحف تصدر عن مؤسسات، ورغم أن رؤساء التحرير أنفسهم يتم اختيارهم لتولي هذه المسؤولية من قبل مؤسساتهم. لقد انتهزت الفرصة للتحريض على تغيير قانون الصحافة والمطبوعات الحالي- مثلما أفعل دائماً- الذي جعل رئيس التحرير (هو ذلك الشخص الذي يقف أمام المحاكم والقضاة أكثر من بعض المحامين)..