جاء في الأحكام السلطانية للماوردي: «نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل». إن اجتماع الناس.. كل الناس.. خلف حاكم أو نظام، أمر يصعب تصوره ويستحيل وقوعه، دلت على ذلك أحداث الدنيا ووقائع التاريخ.. حتى الأنبياء المعصومين من الأخطاء خالف دربهم وعاداهم المجرمون، وحتى الرسالات السماوية المبرأة من كل عيب، المنزهة من كل نقص حاربها العصاة وظاهرها أصحاب الأهواء. ولكن يكفي الحاكم العادل والنظام الراشد أن يجد من القبول والتأييد، ما يعينه على تحقيق الأهداف ويدفعه لبلوغ الغايات في الأزمات المقطوعة، وهذا ما يجده الآن الرئيس البشير وحكومته من الشعب السوداني تقديراً لما يبذل من جهد في التنمية والخدمات، ووفاء لمواقف الرجولة والمروءة في الساحة السياسية الداخلية المرتكزة على قدر كبير من الحريات العامة والعلاقات الخارجية الموسومة بالندية والتوازن، الأمر الذي مكن النظام من الاستمرار والاستقرار رغم اهتزاز عروش الطغاة من حولنا وتطاير كراسي الحكم من تحت أرجلهم، وظل الرئيس البشير يصول ويجول في المدائن والأصقاع كعادته، لا يأبه بشيء ويصعد من المنابر أعلاها ويعرض على أنغام وإنشاد أبنائه وهتاف شعبه من حوله في الوقت الذي يلوذ فيه معظم حكام المنطقة العربية هرباً من شعوبهم إلى الملاذات الآمنة والمخابيء الحصينة!! كنت شاهداً على رحلة الرئيس البشير في الأيام الماضية إلى المنطقة الغربية لولاية جنوب كردفان في إطار الحملة التعبوية لمرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي مولانا أحمد هارون، وشهدت مع الشاهدين كيف تبدل حال المنطقة والانتقال من حالة النقص الحاد في الخدمات الأساسية إلى مرحلة الوفرة.. فقد توفرت مصادر المياه وقامت مؤسسات شامخة للتعليم العام والعالي والصحة وغيرها، واخترقت الطرق المعبدة الأودية والغابات، وكذلك تطورت المدن، بل تحولت بعض الأرياف إلى حواضر، واذكر هنا للمفارقة أني قد ضللت الطريق خلال الزيارة الأخيرة داخل مدينة الفولة «الحميرا» التي عشت فيه زماناً فتياً، خبرت حواريها.. (طريق طريق.. ودار دار وزنقة زنقة).. فأصبحت الآن مدينة يشار إليها بالبنان، وتهيأت بأحسن مما سبق لاستئناف مسيرتها عاصمة لولاية غرب كردفان التي أعلن عودتها بالأمس السيد رئيس الجمهورية مع وقف التنفيذ لحين استكمال منظومة الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة. مثلما تغيرت القرى والمدائن فقد تغير حال الناس هناك وتبدل الخطاب النمطي الذي كانت تعده المنطقة- كل منطقة- لاستقبال المسؤول الكبير.. عبارة عن عرضحال وشكوى وسجل إحصائي شامل للطلبات والاحتياجات، ولكن الجديد أن يصعد ممثل المنطقة للمنصة هذه المرة ليعرض كشفاً يبين حجم مرافق الخدمات التي أنجزت ومنشآت التنمية التي شيدت ويهتف أهله من حوله: شكراً شكراً سيادة الرئيس.. شكراً شكراً أخونا الوالي.. خطاب جديد لا يملك حياله السيد الرئيس ووالي الولاية إلا مقابلة الشكر بمزيد من الخدمات واستكمال مسيرة التنمية دون الحاجة لإعلان تبرعات أو تسمية مشروعات كالسابق. انتهت فترة التعبئة للانتخابات واكتملت الترتيبات الفنية والإدارية لإجرائها، غير أن المناخ الذي تجرى فيه الانتخابات وتوقيتها مشحون بالتوتر وموسوم بالاحتقان مما يخشى معه خروج العملية الانتخابية من الملعب السياسي إلى الفوضى والاحتراب. إن فوز المؤتمر الوطني بالنتائج النهائية للانتخابات بجنوب كردفان لا يختلف عليه اثنان إذا ما جرت في جو معافى وظروف فنية وإدارية مواتية، ولكن هل استعد الطرف الآخر- الحركة الشعبية- لهذا الهدف الديمقراطي السلمي ملتزماً بكافة الضوابط الفنية والقانونية ومعترفاً بنتائجه النهائية؟.. الإجابة قطعاً لا.. فالحركة الشعبية ليس لها برنامج لدخول الانتخابات وليس لها قبول يؤهلها لحكم الولاية.. وليس لها مستقبل سياسي ينتظر، بعد اختيارها لفصل الجنوب وإقامة دولة مستقلة، وقد أعلنت مبكراً أنها غير معترفة بنتيجة الانتخابات إذا لم تحملها لكرسي السلطة، وبالتالي ستقاوم الواقع ومن خلفها بالطبع المعارضة الشمالية وأصدقاؤها خارج السودان مما يحقق أهدافها الخفية في إحداث الفوضى وإفساد الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد «السودان الشمالي»، بعد أن وضعت جنوب السودان خلف ظهرها بما يحمل من بذور فنائه في جوفه. ستكون غفلة وحسرة وتفريطاً إذا كان استعداد الحكومة الأمني والعسكري لكافة الاحتمالات المتوقعة دون المستوى المطلوب للتحديات الراهنة. إن التحضير الأمني والعسكري اليوم بجنوب كردفان، أهم من كافة التحضيرات الفنية والإدارية للعملية الانتخابية.. فإن دعاة الفوضى الخلاقة يراهنون اليوم ويعضون بالنواجذ على الفرصة الأخيرة.