رغم الهدوء الذي خيم على سير امتحانات الشهادة السودانية هذا العام وإجماع بعض الطلاب والمراقبين ومديري المراكز على أن الامتحانات سارت بصورة طبيعية ولم توجد حالات شاذة وقد أكد عدد من الطلاب أن الامتحانات كانت سهلة مقارنة بالسنوات السابقة وأن المقرر الجديد أفضل من المقرر القديم إلا أن بعض المصادر كشفت ل (آخر لحظة) عن ضعف وتدني في أداء طلاب امتحانات الشهادة السودانية الذين جلسوا للامتحان بالمنهج الجديد في معظم الموادالعلمية والأدبية خاصة مادة التاريخ على عكس الطلاب الذين جلسوا للامتحان بالمنهج القديم... مما جعل بعض الأسئلة تقفز إلى الذهن حول ماهي أسباب تدني الأداء؟ وأين تكمن المشكلة؟ في الطالب نفسه؟ أم أن المنهج الجديد خاوي أم معقد؟ أم لم يجد المعلم جرعات كافية من التدريب على المنهج الجديد؟ الأستاذ بإحدى المدارس الثانوية أحمد مختار كان قد هاجم الامتحانات ووصفها بأنها ليست بمستوى الجهد الذي بذله الأستاذ خلال العام الدراسي بالتالي ليست معياراً حقيقياً لبيان قدرات الطلاب ولم تستجب لجهود المعلمين وهذا أحد الأسباب التي كشفت أن الوزارة نزلت لحالة التدني والدليل أن الامتحانات سهلة وبسيطة أي أن أي طالب يستطيع أن يحرز درجات عالية وكان قد طالب بمحاسبة الوزارة التي عللت سهولة الامتحان بالدراسة بمقررين لأن التغيير من الوزارة وليس من الطلاب لأن هناك (ربكة) حدثت هذا العام. وأوضح أن الخلل في المنهج الجديد لأن المنهج جديد حتى على المعلم نفسه ناهيك عن الطالب وقال إن أسباب التدني في أن الطالب جاء للمرحلة الثانوية من مرحلة الأساس خاوياً وملقناً تلقيناً وحافظاً وأن مواد الثانوي ليست للحفظ وإنما للبحث والفهم أضف إلى ذلك أنه يفقد أبجديات القدرات اللغوية وهذا لا يمكنه من استيعاب مواد المرحلة الثانوية أضف إلى ذلك أن المعلمين أنفسهم غير مدربين وبيئة المدرسة طاردة وأن الكتاب المدرسي الجديد غير متوفر حتى نصف العام ويباع بالسوق الأسود. وهنالك جانب آخر وهو تصفية الطلاب وتخصيص مدارس للنابغين والموهوبين هذا أفقد الطالب البسيط أن يستفيد من زملائه وأصبح ليس لديه رغبة في المنافسة ومع ذلك لا نعفي الطالب أو المعلم والمدرسة من المسؤولية. بينما نجد أن الدكتور فيصل بشرى المحاضر بجامعة السودان المفتوحة قد وصف المنهج الجديد بأنه ممتاز ومواكب وهو خلاصة لتجارب كثير من الدول العربية وأحدث المناهج إلا أنه أوضح أن المعلم قد (تبرمج) على المنهج القديم ولم يتدرب عليه ودرس المنهج الجديد بروح القديم وهو يعلم أن للطالب فرصة الاختيار لذا فإن ما يصعب عليه يسقطة ويطلب من الطلاب إذا جاء في الامتحان ألا يجيبوا عليه لانه اختياري، البعض أخذ المنهج بغير جدية لوجود البديل لأن المنهج هو نفسه والجديد فيه توسع فقط ومصمم بأسلوب التعلم الذاتي والاعتماد على المعامل وهو ما لا يوجد في أغلب المدارس. ونجد أن الطالب السوداني لديه استعداد لاستيعاب طريقة التدريس ولا يحتاج للتلقين فقط ،إنما للنشاطات المصاحبة وإجراء التجارب حتى يستطيع ترسيخ المعلومات وأشار إلى أن هذا العام كان فيه الوضع غريباً بعض الشيء لوجود مقررين وهذه مشكلة سوف تزول في العام الجديد باختفاء الكتاب القديم والاعتماد على الكتاب الجديد حيث نجد أن المعلم هذا العام ينظر إلى المنهج بمنظور تجاري وكان الكل يسأل ماهو الأسهل الجديد أم القديم لذا تجاهلوا بعض الأبواب باعتبارها اختيارية وهنا أصبح الضائع هو الطالب. وبما أن المنهج لاتوجد به مشكلة والمعلم يواصل في تدريبه فسوف تتحسن النتيجة العام القادم بالإضافة إلى أن للتصحيح كذلك أثراً لأن المصحح له بعض الإجابات النموذجية التي يعتمد عليها في التصحيح ولا يعلم من هو الطالب الجديد الذي استوعب المادة بفهم ومن هو الحافظ ويتم التصحيح على أساس كراسات الإجابات النموذجية. الخبير التربوي دكتور إبراهيم عثمان والأستاذ بجامعة الخرطوم كلية التربية قال إن هنالك نوعين من التدريب للمعلمين النوع الأول هو التدريب قبل الخدمة ويكمن في تعيين خريجي كليات التربية للمدارس لأنهم مدربون على أساليب التدريس وعلم النفس التربوي والتقنيات التعليمية وأصول التربية اثناء الخدمة ويتم بمتابعة الكيفيات التدريسية والمستجدات التربوية التي تطرأ على المناهج بعد تطويرها وهذه الدورات يجب أن تكون متصلة وحسب حاجة المعلمين كل حسب تخصصه وهذا غير متوفر بصورة واضحة في السودان. أضف إلى ذلك نجد أن هناك عدداً كبيراً من المعلمين غير خريجي كليات التربية وغير متخصصين في المواد التي يدرسونها لذا تنقصهم كفاءتان كفاءة المهنية المتعلقة بالمواد التربوية والكفاءة التربوية المتعلقة بمادة التخصص وهذه الفئة نسبتها كبيرة في المدارس على مستوى السودان. فالتدريب أثناء الخدمة لهذه الفئة غير مجدي فلابد من حصولهم على دبلوم على الأقل تربوي متخصص في التربية والتخصص الدقيق وهذا النوع المؤهل توقف في السودان منذ مطلع التسعينيات وقد قامت جامعة السودان المفتوحة بتأهيل وتدريب معلمي مرحلة التعليم الأساس ولكن المشكلة أصبحت أكبر من المتوقع لأن إعداد المعلم لا يتم عن طريق التعليم عن بعد فأصبحت جامعة السودان تخرج معلمين يزيدون من مشكلة التربية بدل حلها. أما المناهج فعادة المنهج لا يتغير بالمفهوم الضيق للتغيير بل المناهج تتطور وتعدل وفق الحاجة أو الحوجة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ونحن في السودان وقعنا في إشكالية كبيرة بتغييرنا المستمر للمناهج دون الاهتمام بالتطوير المطلوب تربوياً وتطوير المناهج يتم بعد تقديم المنهج للكشف عن مناطق القوة لدعمها ومناطق الضعف لعلاجها وتلافيها. لأن تغيير المنهج يجعل غالبية المعلمين غير ملمين بطرق تدريس المنهج مما يسبب صعوبات جمة للطلاب ويصعب تدريب المعلمين أثناء الخدمة بالمنهج الجديد لأن معظم المفردات تصبح غريبة عن المعلم عكس التطوير الذي تكون فيه بعض المواد أو الموضوعات التي تضاف أو تحذف وتصبح نسبة التغيير ضيقة ويمكن أن تحل بالدورات التدريبية. وكذلك التغيير المستمر يضعف متابعة الأسرة للطالب في المنزل لأنهم يصبحون غير ملمين بطرق التدريس. وإذا نظرنا للطالب نجد أن تغيير المنهج أصبح خاصة في بعض المواد مثل الكيمياء والأحياء أكثر من قدرات الطالب العلمية ولا يراعي فترة الدراسة لأن الموضوعات كثيرة لا يمكن إكمالها بصورة جيدة في الوقت المحدد مما شكل عبئاً كبيراً على الطلاب ليتمكن من قراءة هذه الكتب بصورة دقيقة ومنطقية وهذه هي الأسباب التي جعلت أن هنالك تدنياً في أداء طلاب الشهادة السودانية الأخير بالرغم من أن الامتحانات من وجهة نظر الطلاب كانت بسيطة ومباشرة. فلابد من الاهتمام بالتقويم المستمر حتى تجعل الطلاب يهتمون بجميع موضوعات المنهج دون الاهتمام بالموضوعات التي تجيء في الامتحان فقط مما يضعف تفكير الطلاب وفهمهم للمادة بصوة جيدة ومهما تنوعنا في أسئلة الاختبار فهي غير كافية لتغطية جميع موضوعات المقرر ولكن التقويم المستمر يعالج هذه المشكلة بالاختبارات الشهرية والتصفية مما يجعل الطالب مدركاً لجميع أو معظم مفردات المقرر وهذا النظام غير متوفر في المدارس الحكومية.