قرأت قصة قبل فترة ولكن ما يحدث هذه الأيام من ثراء فاحش من مسؤولين كبار في الدولة الذين يتقاضون مرتبات تكفي مئات بل آلاف من الشعب السوداني الذي اكتوى بنيران الفقر والمرض والجوع، وشخص واحد يصرف مليار (بالتمام والكمال) تذكرت تلك القصة التي تحمل في طياتها مواعظ وحكماً للأغنياء الذين يعيشون في الأبراج المخملية.. أنه(ليهم يوم)، فالقصة تقول: يحكى أنه في قرية عربية كان هناك رجل ثري ذو سلطان يعيش في قصر فخم مع حاشيته، حياة رغيدة سعيدة.. يملك من المال والماشية والأراضي الكثير، يعيش في قصره منعزلاً عن الناس ولا يأبه بهم ولا يلتفت لأحوالهم السيئة مهما كانت. وكان الناس في هذه القرية يتعايشون على الزراعة وتربية المواشي كغيرها من القرى العربية، وفي إحدى السنوات ابتلى الله هذه البلاد بقلة الأمطار، فجفت الآبار، ويبس الزرع واختلف الحال وتغيرت الأحوال وتحولت البساتين من خضراء يانعة إلى جرداء يابسة.. وجاع الناس وانتشرت الأمراض ونفت المؤن والطعام لدى غالبية الناس حتى باتوا في اسوأ حال.. فذهب الناس إلى قصرالغني الظالم الذي اكل مال الناس يستعطفونه في أن يشفق لحالهم ويعطيهم ولو شيئاً قليلاً مما فتح الله عليه من الرزق وما يملك من الطعام والثروة.. ولكنه لم يلتفت إليهم ولم يرأف بهم، وقال لهم تقشفوا،اصبروا.. وزاد وضع الناس سوءاً حتى وصلوا حافة الموت.. والغني ذو السلطة لا يأبه بهم ولا حياة لمن تنادي.. وذات يوم خرج الملك مع بعض حاشيته يتفقد حلاله (ماشيته)، بين حقول القرية وأوديتها.. وفي هذه الأثناء اتفق عليه بعض الشبان الغيورين في القرية وتربصوا وأمسكوا به مع رعيته وحاشيته وقيدوهم ورموهم في أسفل الوادي عند إحدى عيون الماء في القرية.. وأخذوا كل حلاله وأغنامه ووزعوها على جميع سكان البلدة، ثم ذهبوا إلى قصره واستولوا على ما فيه من طعام وثروة ومال وقسموها بين الفقراء والمحتاجين.. ففرح الناس فرحاً شديداً فقد جاءهم الخلاص بعد طول انتظار.. وحدث أن جاءت قافلة تجارية وتوقفت بجانب عين القرية للراحة ووجدوا الملك الغني البخيل مع حاشيته ورعيته، ففكوا قيودهم وأغلالهم... وعلى الفور توجه البخيل ليرى ما حل بحلاله، فلم يجد منها شيئاً.. فأخذ يضرب كفاً بكف ثلاث مرات ويقول: (يا حلالي) والحاشية والرعاة يرددون من خلفه ويضربون بالكف ثلاثاً (يا حلالي) حتى وصلوا إلى القصر.. وإذا بالخدم يبشرونهم البشرى الاسوأ بأن المال قد ذهب أيضاً.. فقال البخيل: (يا مالي) والخدم والحاشية يرددون خلفه يا مالي.. ثم قال (يا حلالي يا مالي) وهو يقلب كفيه ويضرب كفاً بكف، نادماً على ما فعل.. ومن يومها ذهبت مثلاً وأغنية خالدة تردد في الأعراس لتذكر البخلاء والمستكبرين الذين لا يكترثون لحال الناس أن مصيرهم سيكون مثل هذا البخيل لا محالة.(فاعتبروا يا أولي الألباب).. فإن الله يمهل ولا يهمل.