بينما يتحدث المراقبون عن اقتراب موعد اكتمال تفاصيل اتفاقية السلام الشامل بالسودان، إن كل توقعاتهم بحدوث مشكلات سياسية أو مسلحة قد ذهبت لأدراج التاريخ خاصة في الانتخابات والاستفتاء واتفاق أبيي وانتخابات جنوب كردفان والنيل الأزرق، إلا أن أبيي أبت إلا أن تشذ عن القاعدة فبرتكولها لم يكتمل بعد وكان الجميع ينتظر أن تحل القضية قبل الموعد المضروب في التاسع من يوليو القادم، فبعد أن نفذ الجيش السوداني وقوات الجيش الشعبي قرار سحب قواتهما من المنطقة باغتت قوات الحركة الجيش السوداني بكمين راح ضحيته عدد كبير من الأفراد وقامت القوات المسلحة بدورها بإعلان أبيي منطقة حرب. وتقول آخر التقارير الواردة إن الجيش والمسيرية يسيطرون الآن على الوضع هناك.. كما أن مجلس الأمن قد بادر بإرسال بعثة للوقوف على القضية لحلها خاصة وأن قواته قد استهدفت أيضاً في الكمين الذي نصبته الحركة الشعبية. وأبيي منطقة تقع بين كردفان وبحر الغزال وسكانها هم المسيرية ودينكا نقوك وقد تقاسموا لقمة العيش لسنين طويلة في تلك المنطقة ووقعوا ميثاق إخاء بينهم استمر لسنين عديدة جعل قيم المودة والاحترام متبادلة بينهما. إلى أن جاء عهد الاستعمار الإنجليزي الذي قام بعدة محاولات لفصل أبيي عن الشمال، وإقناع دينكا نقوك بذلك، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل وذلك لتمسك دينكا نقوك بميثاق الإخاء الذي وقعوه مع المسيرية . وظلت أبيي في ذهن الاستعمار إلى تاريخنا الحديث وكل الاتفاقيات الموقعة كانت تضع بند استفتاء أبيي بما من ذلك ثورة الإنقاذ الوطني التي أكدت في اتفاقية الخرطوم أن أبيي موطن للمسيرية ودينكا نقوك، وأنها ليست جزءاً من الجنوب وأنها منطقة تعدد عرق ثقافي وأن حكومة السودان مستعدة لمناقشة القضية حسبما يكون مناسباً على أن تناقش مشاكلها بحضور جميع من لهم الحق فيها. إلى أن جاء العام 2001م، حيث احتدم الصراع بين حكومة السودان والحركة الشعبية وأصبح ملف أبيي يرحل من جولة إلى أخرى إلى أن تقدمت أمريكا في العام 2004م بمقترح استطاعت أن تمرره على الطرفين، وقد كان يحمل قنبلة موقوتة وهي مبدأ الاستفتاء الذي حدد له 2011م متزامناً مع استفتاء الجنوب. والمتابع للقضية الآن يجد أن مجريات الأمور تجري عكس الطريق الذي رسم لحلها خاصة بعد اندلاع الحرب فيها الآن والتي ستؤثر على مسار القضية.. وقد قال اللواء «م» محمد العباس الخبير الاستراتيجي عن الأحداث الأخيرة: إن القضية الآن ذات أبعاد خطيرة، حيث أن شبح التدخل الخارجي قد يهدد السودان، فأمريكا ترى أن السودان لم يدفع فاتورة الانفصال ولم تحدث أي مشاكل استنزافية تجعله يدفع ثمن الانفصال الذي اكتمل بهدوء وبدون أي مشاكل أو صراعات، و البنيات التحتية والأساسية في السودان لم تنهار بفعل تنفيذ بنود الاتفاقية، لذا الدول الغربية ترى أن هنا فاتورة يجب أن يدفعها السودان. ولم يتوقف العباس عند هذا الحد، بل قال: إن أمريكا تريد أن ترهق الحكومة الشمالية لصالح تقوية حكومة الجنوب حتى تأتي قوية ومعها أوراق ضغط في مفاوضات الحكومة والحركة في قضية أبيي، ورجح العباس أن تهدم الحرب القائمة الآن اتفاقية أبيي. وقال إن البعد الأخطر في المشكلة القائمة الآن في أبيي هو الانطباع الذي ستأخذه الأوساط الغربية عن أن حكومة السودان غير متعاونة وغير جادة في ما تبقى من بنود الاتفاقية وأن الوضع الأمني مضطرب في أبيي مما يساعد المجتمع الدولي على فرض عقوبات ضد السودان، وناشد حكومة الخرطوم بالتعامل بحكمة وذكاء إلى أن يأتي الموعد المضروب في 9/7 تفادياً لأي مشاكل داخلية أو خارجية يمكن أن تحدث. ولم يذهب هجو قسم السيد القيادي بالمؤتمر الوطني بعيداً عن ما قاله عباس حيث قال: إن أهم أسباب استهداف الحركة الشعبية للجيش السوداني هو إعطاء انطباع للأمم المتحدة بأن المنطقة غير آمنة وغير مستقرة حتى تظل القوات الأممية في المنطقة. إلا أن القيادي المسيري أحمد الصالح والبرلماني قال: إن قوات الأممالمتحدة لم تستطع أن تحمي نفسها، فكيف يريدون لها أن تحمي المنطقة وسكانها. وقال إن مسألة الحرب الدائرة استثنائية، وإن الرد الذي قام به المسيرية أمر طبيعي بعد أن استهدفتهم قوات الحركة الشعبية فلا يمكن أن يبقوا مكتوفي الأيدي والحركة تقوم بضربهم.